فتحنا عيوننا ونحن نرى لافتات كبيرة، تملأ الشوارع والازقة تدعو الجميع الى ان يكونوا وطنيين، وحفظنا أناشيد وإهزوجات تتغنى بحب الوطن، ودرسنا كتاب الوطنية في مدارسنا، وحفظنا ما فيه من الغلاف الى الى الغلاف.
شعارات وعبارات وخطب وطنية رنانة، كان يتشدق بها الحاكم للمتاجرة في الوطن وسلب خيراته، وجعله ضيعة خاصة به والشعب خدام ليس لوطنهم بل لحاكم جبار متغطرس، فضاعت الوطنية بعد أن فقد رغيف الخبز، وكانت السياط تطبع على ظهور ابناء الوطن، ويقتل شعبه وتمزق وحدته وتقسم طوائفه الى درجات، ويخرج الحاكم ضاحكا يدعي الوطنية.
أحزاب وتيارات ظهرت في الساحة العراقية، حملت تسميات إسلامية وعلمانية وليبرالية، وإئتلافات طائفية وقومية ذيلت أسمائها بكلمة الوطنية، دون أن يكون هناك تأثير لهذه الكلمة على عملها السياسي، وشخصيات حاكمة ورموز تسمى وطنية تخرج بخطب رنانة، فيها التحريض والتهديد والوعيد لأبناء الوطن، ثم تدعي أنها وطنية فلا أحد يجرؤ ان يقول غير ذلك، لكنهم يناقضون الوطنية في فعلهم وممارستهم.
في خضم الصراعات السياسية والطائفية، غاب مفهوم الوطنية واصبح الكل يتهم الكل في وطنيته، التي غابت عن معظم السياسيين المتشدقين بها, فالوطنية لها مفهوم واحد هو تقديم مصلحة العراق وشعبه على أي مصلحة أخرى، وأن العلاقات السياسية داخليا وخارجيا يجب أن تكون على هذا الاساس، وعدم التنازل عن هذا المفهوم بأي ذريعة سواء كانت طائفية أو قومية، وأن من يتنازل عن مصلحة العراق فإنه يبيع ولاءه للأخريين، على حساب وطنه ومصلحة شعبه.
الوطنية تعني الدفاع عن العراق من شماله الى جنوبه، دون تفريق على اساس مكون او طائفة، وتقديم الخدمة الى كافة اطياف الشعب العراقي، بعربه وكورده وتركمانه ومسيحييه وصابئته دون تفريق بين مكون وآخر، وتحقيق العدالة في الحقوق والواجبات على أساس المواطنة، التي يجب أن تكون المعيار الحقيقي بين أبناء الوطن الواحد، وبخلاف ذلك يكذب من يقول أنه وطني، وأن ما يردده هي مجرد شعارات زائفة.
الوطنية تعني أن نسعى أن يكون العراقيون مواطنين من الدرجة الأولى، ولا تقدم مصلحة الأجنبي على مصالحهم، وإن كان من نفس الطائفة أو القومية ولكنه من بلد آخر، فمن يعمل بذلك سيكون وطنيا أما من يحابي ويجامل بل ويعمل على الإنتقاص من وطنه، ويرتبط بولاءات مشبوهة مع أجندات خارجية همها مصالحها القومية على حساب الوطن، فمن المعيب عليه أن يدعي أنه وطني بل إنه فاقد للوطنية.