اخذ العراق منذ استقلاله بنظام القضاء العادي او المنفرد بحكم بدء النفوذ البريطاني فيه الذي يتبع ذلك النظام حيث تنظر القضايا المرفوعة سواءً في ما بين الدوائر الحكومية او بينها وبين المواطنين امام محاكم البداءة والاستئناف والتمييز وفقا لتدرج مراحل سير الدعوى ورغم حصول اخفاقات في عمل ذلك القضاء تدمي القلب احياناً ولاسباب وباوجه مختلفة لايتسع الوقت لتناولها في مقالنا هذا الا ان هذا النظام القضائي وفي حقب محددة تبوء مهامه في المقامات العليا شخصياتً جديرة بالتقدير ولم يعرف العراق مهام القضاء الاداري الا في مراحل متاخرة فقد أنشأت في عهد صدام محاكم يطلق عليها بالمحاكم الادارية بالاسم فقط واحياناً يتولاها قاضي منفرد او عدد من الاشخاص كهيئة كما هو الحال بهيئة النظر بالنزاعات الناشئة عن العقود الحكومية لان القضاء الاداري او ما يسمى بالقضاء المزدوج في بادئ الامر نشئ في فرنسا ثم انتقل الى مصر وبموجب تشريعات مرت بمراحل تاريخية وينظر ذلك القضاء حصراً في النزاعات بين الدوائر الحكومية او بينها وبين الافراد العاديين وكانت الغاية من انشائه ابتداءً حماية مصالح الحكومة بوجه من يتعمد الاضرار بها من الموظفين او الافراد والشركات والفرق بين هذين النظامين لدينا هو ان القضاء العادي في العراق ترسخت مبادئه واستند وجوده بتشريعات رصينة فمثلاً القانون المدني العراقي شرع في عام 1951 من قبل هيئة برئاسة الاستاذ السنهوري وجرت محاولات عده في عهد صدام لاعادة النظر بمضمونه بما يلائم تطور الحياة العامة ولكن دون جدوى حيث لم تستطع وبعد اجتماعات عده لتلك الهيئات التي شكلت لذلك الغرض ان تنجز المهمة الموكولة لها لدقة صياغة ذلك القانون عند تشريعه اما ما يسمى بالقضاء الاداري لدينا فهو يفتقر الى التجربة ولم يكن قضاء بالمعنى الصحيح وانما هو عبارة عن جهات قانونية تقوم بمهام تحقيقية في وقائع تثار شكاوى بصددها من قبل مختلف الجهات الحكومية او الافراد فاهم ما يتسم به الجهاز القضائي هو الاستقلال في حين القضاء الاداري في العراق مرتبط بوزارة العدل اي بالجهات الحكومية وينهج النهج الذي تبتغيه الحكومة وينشئ ذلك القضاء احيانا دون تشريع او يستند بوجوده الى قانون مجلس شورى الدولة الذي غير اسمه الان الى مجلس الدولة تيمناً بمجلسي الدولة الفرنسي والمصري في حين القضاء الاداري في فرنسا تحول تدريجيا ليس بصرامه حماية المصالح الحكومية فحسب وانما ليحمي وينصف في كثير من قراراته بالوقوف بوجه تغول الادارة على حقوق الافراد والجماعات وفي العراق قد نص قانون مجلس شورى الدولة بتاسيس محاكم تسمى بالمحاكم الادارية تنشأ عند الحاجة ولمهامً محددة اتينا على ذكر بعضها وتميز قراراتها امام المجلس المذكور او امام محاكم استئناف المنطقة التي انشأت فيها الا ان المتابعة التاريخية لاعمال تلك المحاكم تكرس حالة الاحباط احيانا لدى رجل القانون فمحكمة القضاء الاداري في العراق مثلا هي واحدة فقط وموجودة في بغداد وتنظر يوميا بما يقارب مائة دعوى وهو امراً لاتستطيع انجازه عشرة محاكم من محاكم البداءة في حين ذكر قانون مجلس شورى الدولة بامكان اقامة محاكم قضاء اداري اخرى عند الحاجة وحاليا ياتي المواطنون وهم متلهفون للوصول الى حقوقهم اتجاه الدوائر الحكومية ولكن للاسف الشديد تكون النتيجة في اغلب الاحيان كمن يركض وراء السراب لاسباب ندرج الهام منها فقط وهي اولاً ان تلك المحكمة مثقلة بزخم كبير جدا من الدعاوي التي تنظر يوميا ولا تعكس هذه الحالة لدى الشخص المختص سوى انها نوع من الالهاء حيث عندما تحضر المرافعة تشاهد الامر احيانا يصل الى درجة لا تصدق ليقف قرابة مائة شخص امام هيئة المحكمة وكل واحد منهم يحاول ان يصل الى دوره في مرحلة التقاضي وبانه كبير السن ومريض وقد جاء من البصرة او الموصل او سواهما من المدن العراقية البعيدة ويكثر اللغط في تلك الحالة ويختلط الحابل بالنابل كما يقولون وعندها يتملكك اليأس مع ان حقك تراه بام عينك وفي متناول يدك اذا ما كانت وسيلة الوصول اليه تجري بشكل سليم وتلك المحكمة تميز قراراتها سابقا امام مجلس شورى الدولة وحاليا امام المحكمة الادارية العليا المنبثقة عن ذلك المجلس وفي مثل حالة الترافع تلك تقتنع بان من لم يحالفه الحظ بالوصول الى حقه عندما تكون معاملته في المؤسسة الحكومية المقامة عليها الدعوى يكون الله في عونه عند وصوله الى مراحل التقاضي في تلك المحكمة فموظفي محكمة القضاء الاداري لا يتجاوز عددهم بما يقابل عدد موظفي محكمة بداءة كبيرة وترى عمل احد الموظفين وهو مشغول في الحاسبة امامه يرد على صراخ المواطنين عن فحوى قرارت الحكم المتعلقة به فيجيبه ذلك الموظف اذهب وميز لقد خسرت الدعوى دون ان يرى اضبارته لانه يعلم مسبقا على ما يبدو ان نسبة من يكسبون الدعوى ضئيله جداً وعندما تطلب اثناء المرافعة من السيد رئيس المحكمة ان يمهلك دقيقتين لتوضيح دفع شفوي هام لديك فيرد عليك بان الدقيقتين طويلة ويقول لك اعطني ورقة الدفع الشفوي التي بيدك وتسلمها له هي ولائحة باخر اقوالك ويحولهما للرسم وتنتهي مرافعة دعوتك فتجد موظف الحسابات غير موجود وتسلم الفي دينار لموظف الادارة بناءاً على طلبه الذي يضع النقود وتلك الورقة واللائحة في اضبارتك على امل ان يقوم بدفعها وعند صدور قرار الحكم ينتابك الشك بان هاتين اللائحتين لم تكونا في اضبارتك عند تدقيق تلك الاضبارة من قبل رئيس المحكمة لاصدار القرار فيها وفعلا تفتح تلك الاضبارة ولم تعثر على ورقة الدفع الشفوي واللائحة وعندما تخبر الموظف المختص فيفتش عنهما ويخرجهما من (جرارة) الميز وهذا يعني ان اخر اقوالك المنتجة في الدعوى لم تقرأ من قبل رئيس المحكمة عند اصداره القرار وهذا ما تستطيع ادراكه من مضمون قرار الحكم نفسه حيث لم تشر المحكمة فيه الى كلمة واحدة مما ذكرته من دفوع في دعوى ستوثر عليك وعلى مستقبل اسرتك امد الدهر والمحكمة المحترمة اثناء المرافعة تتكلم مع عدة اشخاص خلال تلك المرافعة وبمسائل عده ولا تستغرق مرافعتك امامها سوى دقيقة واحدة او دقيقتين في احسن الاحوال وهذا ما حصل في مرافعات يوم 28/2/2018 ويحدد في ذلك اليوم ختام المرافعة بقضيتك وبانها ستصدر القرار يوم 14/3/2018 بعد ان نظرت دعوتك منذ اقامتها وحتى انتهائها بجلستين واجلت بين جلسة واخرى لثلاثة اشهر ويستغرق صدور القرار التمييزي لثلاث سنوات وارجو من اي مواطن حضر مرافعات يوم 28/2/2018 ان يعلق على مقالي هذا بمدى ما يتمتع به من صدق في القول وعند ذلك تقتنع بان من لم يرتب امور معاملته في الدائرة الحكومية وباي شكل يراه مناسباً ومقر قانونا فلا يلومن الا نفسه ولا بد هنا ان نوضح ان المحاكم الادارية في العراق مرتبطة بوزارة العدل ويبدو ان تاثير تلك الوزارة هو الذي يحصر وجودها في بغداد وبمحكمة واحدة لجميع انحاء العراق وعدم اقامة عدد من المحاكم الادارية في المناطق اخرى