قبل أربع سنوات، تقريباً، تم تشكيل حكومة إقليم كوردستان الحالية، برئاسة السيد نيجيرفان بارزاني، بغالبية مريحة كادت أن تكون مطلقة في البرلمان، وسط دلالات ومؤشرات أكدت على أن ممثلي الشعب أرادوا رئيساً قوياً يقود حكومة قوية ذات قاعدة عريضة، تضمن الاستقرار السياسي والإقتصادي والأمني.
بعد الإعلان عن تشكيل الحكومة، ساد الشارع الكوردستاني مظاهر التفاؤل بسبب الثقة بقدرة السيد رئيس الحكومة على تحمل الأعباء الثقيلة، ورسم سياسات جديدة وخطط جدية وجذرية، لمواجهة المشكلات والتحديات الكثيرة، وعزيمته القوية التي يمكن إستثمارها في تحريك الأنشطة وقيادتها، وحسن الإدارة في تسوية الخلافات الكثيرة مع الحكومة الإتحادية والتوصل إلى حلول لبعض المواقف والمشكلات من خلال الحوار الهادئ، والتفاهم على حدود دنيا وقصوى، وإقناع بغداد بضرورات تطبيق الدستور العراقي المختلف عن الدساتير التي كانت تكتب وفق أهواء ورغبات الحكام.
لكن الرياح لم تسر كما تشتهي السفن، حيث تضاربت برامج الأحزاب التي كانت في المعارضة مع برامج الأحزاب التي كانت في السلطة قبل الإنتخابات، ولم يستوعب المعارضون المشاركون في الحكومة الحقائق، فعاشوا في بيئة الوهن الفكري وهم يحملون أثقال أحلامهم الكبيرة وأوهامهم الكثيرة. فإتجهوا نحو تحريك الشارع ولعبة المظاهرات وإستحضار التهم وإثارة المشكلات وإستنفار الناس ومضاعفة حيرتهم، وهم متأكدون ان ذلك ربما سيؤدي الى إغراق الاقليم في بحر الفوضى والعنف، ولم يراجعوا سياساتهم استنادًا إلى النتائج، بدليل عدم لجم إعلامهم ونوابهم الذين كانوا أسباباً لنشر الكراهية والحقد والبغضاء بين الكوردستانيين.
بعد أحداث 16 إكتوبر2017 ، وبدلاً عن تأييد حكومة الإقليم ومساندتها، دخلت تلك الأطراف في مناكفات وجدال ومزايدات وتخبطات حزبية ومناوشات إعلامية، ولعبت بالنار على أوتار مصالحية لتحديد المسارات من خلال ممارسة الازدواجية، واستمرت في التعنت والتزمت الفكري والمجاهرة ببيع العواطف القومية وتثوير الروح الفوضوية وسلب التوازن العقلي، وزرع الإرباك من خلال إفتعال الأزمات والإستهتار بالاستقرار السياسي وربط مستقبل الأجيال القادمة بالمصالح الخاصة، كما دعت الى حل حكومة الإقليم، وذهبت (كما قال السيد نيجيرفان بارزاني، وكما أكده السيد حيدر العبادي قبل أيام) بعض الأحزاب والجهات الى بغداد لحث العبادي على عدم التعامل مع حكومة الإقليم، وعدم إرسال الرواتب لحكومة الإقليم مباشرة لكن رئيس الوزراء العراقي لم ينتهك الدستور بعد توضح حقيقة الأمور، وخلق العديد من المشكلات لمواطني كوردستان.
دعوات المعارضين، هنا وهناك، أرغمت وسائل الإعلام ومؤسسات صناعة الرأي الى وضع علامات استفهام كبيرة وكثيرة، وكم هائل من العموميات الواضحة أمام الكوردستانيين للدخول في نقاشات مطولة لبيان النيات التي تتحكم بالعقول والافكار خلال التعامل مع المستجدات والمتغيرات وتحليل المعادلات، والتساؤل عن مصير وجدوى التوافق السياسي الكوردستاني الذي أختير بموجبه العديد من المناصب في بغداد ورئاسة البرلمان الكوردستاني ولجانه وحكومة الاقليم. ولا نجافي الحقيقة لو قلنا أن الآمال التي علقت على التوافق بين الكوردستانيين وفقاً للمستجدات والخيارات الممكنة والإمكانيات المتوفرة، لم تصل الى النتيجة المأمولة، والرهان على الدور الوسطي لهذا الحزب أوذاك قد سقط مع الذي جرى على الساحة السياسية الكوردستانية.
الإتفاق المعلن بين المختلفين المتفقين على معاداة حكومة الإقليم ومؤسساتها وسلطاتها وصلاحياتها، إتفاق غير ناضج بين أحزاب معارضة ومتعارضة ومتناقضة لاتشعر بوحدة الأمل والمآل، تسعى للإنتقام ومواجهة السلطة الشرعية، وتقويض المشروع السياسي والفكري في كوردستان. إتفاق يشوبه الكثير من التناقضات والتوجهات المتصارعة والمتضاربة ومبني على أسس آنية مرحلية، يهدف الى النكاية والانتقام وإستغلال الظروف الداخلية والخارجية لفرض شروط معينة وتحقيق مصالح مؤقتة ونشر الشكوك وعدم الشعور بالأمان بين الكوردستانيين. لذلك فإن التشارك فيه، تشارك أزمة وليس أستراتيجي مبني على قواعد ثابتة، وإحتمالات تصدعه وإنهياره قائمة، والبعض يراها حتمية نتيجة الإختلافات في التوجهات الفكرية والأيديولوجية، وتخوف كل طرف من الآخر والتربص به.
أما القوى الوطنية الكوردستانية التي تسعى الى التوصل الى حلول سياسية وقانونية تتوافق مع التطلعات والمصالح العامة، وتنسجم مع الواقع ومع منظور ما تفرضها المرحلة الحالية والخصوصيات التاريخية والقومية والوطنية الكوردستانية. فعليها التوقيع على إتفاقات جديدة أكبر من إتفاقات، وأقرب إلى تحالفات وإستقراء الظروف والاختيار السليم لزمان ومكان وآلية الفرز بين الازمات المصطنعة وغيرها.