ايمن جواد التميمي – (جامعة اكسفورد)
ترجمة / سداد جواد التميمي
يمكن انتقاد الموقف الأمريكي من العالم العربي لعدم الاتساق على عدد من المستويات. حقيقة يقبل بها الجميع.
اشتكى لبناني بارز هو المدون كارل شارو من “تراجع السرد” في “الخبرة في امور الشرق الأوسط،” متباكياً على “هيمنة تحليلية باردة” للأحداث في هذه المنطقة المضطربة ودور القوى الخارجية فيها. ولكن هو مفهوم السرد ونظرية التكبر مفيد هنا؟. في البداية لا بأس من النظر في مسألة سياسة الولايات المتحدة تجاه المنطقة طوال الربيع العربي، واحد السرد التي ظهر بين بعض المعلقين – بشكل رئيسي على اليسار السياسي الغربي-، مثل باتريك كوكبرن – هو أن الولايات المتحدة تحالفت مع القوى السنية، بما فيها تلك ذات الطابع الإسلامي، في الحد من قيام “هلال شيعي” قوي في المنطقة.
كما هو الحال غالبا، فإن هذا الحديث يستند على بعض الحقائق. الولايات المتحدة تشارك الملكيات العربية الخليجية السنية القلق حول النفوذ الإيراني في المنطقة و توسعه. أفظع حالة من التحيز كان في البحرين، حيث تشاركت قطر والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية في نشر القوات العسكرية لمساعدة النظام الملكي في قمع الاحتجاجات.
دعت واشنطن حكومة البحرين للدخول في حوار هادف مع المعارضة، ولكنه في الوقت نفسه وافقت على مبيعات الأسلحة للنظام. كذلك بالنسبة للولايات المتحدة، مع اسطولها الخامس المتمركز في البحرين، تشعر ببالغ القلق إزاء التأثير السياسي المعارض و الموالي لإيران من الاسلاميين الشيعة مثل حسن مشيمع، الذين ببطء وبشكل مطرد فاز بأكثر دعم بين المتظاهرين البحرينيين على حساب الفصائل المعتدلة مثل جمعية الوفاق.
وصحيح أيضا، كما أشار كوكبرن في مقال نشر مؤخرا، أن الحكومة الأمريكية الحالية هي أكثر تعاطفا مع الإخوان المسلمين والفصائل المرتبطة بها من ذي قبل. هذا واضح من تردد إدارة أوباما في انتقاد الحكومة المصرية الحالية في ظل مرسي و بدأت بأرسال شحنة من طائرة مقاتلة طراز F-16 إلى القاهرة الشهر الماضي.
يستند التعاطف مع الإخوان في مصر على وجه الخصوص على عاملين رئيسيين. أولا، مهما كانت ظنون و خيبة امل إدارة أوباما حول التطورات في مصر حول مسودة الدستور في نوفمبر تشرين الثاني العام الماضي التي أعطت الرئيس صلاحيات ديكتاتورية، هناك توافق في دوائر السياسة الأميركية هو أن الحكومة التي يقودها الاخوان يمكن أن توجه مصر إلى الحكم الديمقراطي المستقر، المدني. بعبارة أخرى، فإن الولايات المتحدة تنظر الى الاخوان بأنه “التيار الإسلامي المعتدل” التي يمكن أن تكون بمثابة ترياق مضاد لعنف السلفيين و آل القاعدة.
الثانية، من الصحيح أن حكومة الولايات المتحدة ترى الاخوان و شركائهم ثقل موازن للنفوذ الإيراني في المنطقة على نطاق أوسع. في هذه الحالة، هناك فصل بين المؤسسة الفكرية في واشنطن و دوائر صنع القرار السياسي.
بينما تم لفت الانتباه الى مفاوضات بين مصر وإيران فيما يتعلق بإقامة علاقات، فالحقيقة هي أن هذه المباحثات لا تزال مجرد كلام، و التقارب الحميم كبير بين البلدين ما زالت بعيد المنال جدا. قبل كل شيء، مصر وايران على خلاف عميق في مسألة سوريا ، فايران لن تتوقف قريباً عن دعم الأسد في حين تصر حكومة مرسي على التخلص منه.
في هذه الأثناء، كانت إدارة أوباما متعاطفة مع المعارضة السورية التي يهيمن عليها الإخوان في المنفى المتمثلة بالمجلس الوطني السوري.
رغم كل هذه النقاط اعلاه ، فان أولئك الذين يرغبون في القول بأن سياسة الولايات المتحدة منحازة مع “الكتلة السنية” في تحالف طائفي كبير ضد “هلال شيعي” في حاجة لمراعاة حقيقة اخرى و هي أن واشنطن دعمت باستمرار نوري المالكي – الذي يقود حركة دينية شيعية و هو رئيسا الوزراء، بدلا من إياد علاوي المنافس له، والذي مثل المالكي شيعي، في قيادة ائتلاف فضفاض جدا من المجموعات التي لديها دعم واسع النطاق من الجالية العربية السنية في العراق.
في الواقع، سياسة الولايات المتحدة لديها شيء مشترك مع إيران التي تدعم المالكي. أيدت دول الخليج وتركيا علاوي. و حتى الأسد دعم علاوي في مسعاه ليصبح رئيسا للوزراء في عام 2010، وبينما سوريا ظاهريا عكست موقفها بعد جهود الضغط المستمر من جانب المالكي، كان الدعم الجديد من سوريا التي حصل عليه المالكي ليس أكثر من تغيير تجميلي.
كذلك دعمت واشنطن المالكي في النزاع القائم مع تركيا على النفط على ضوء قرار أنقرة الاستيراد من حكومة اقليم كردستان دون الحصول على إذن بغداد.
هناك سببان للدعم الأميركي للمالكي. الأولى، ترى واشنطن بأنه أكثر كفاءة من علاوي الذي هو في كثير من الأحيان خارج البلاد، و يقود كتلة مفككة جدا من المجموعات التي تتصارع باستمرار و منقسمة ، وينظر إليها عموما على أنها بعيدة كل البعد عن الواقع على الأرض في العراق .
الثانية، و كما يشير ريدار فيسر ، يتأثر موقف الولايات المتحدة تجاه العراق من خلال دراسة اسحق نقاش و هو الشيعة في العراق، و الذي أكد على هوية عربية متميزة للطائفة الشيعية العراقية.
وهكذا، فان واشنطن ليست قلقة من مسألة النفوذ الإيراني في البلاد، وحافظت على علاقات ودية حتى مع المجلس الإسلامي العراقي الأعلى و هو فصيل شيعي سياسي يمكن القول هو الأقرب إلى إيران من حيث الفكر والعلاقات ودية. الشهر الماضي التقى سفير الولايات المتحدة مع رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي عمار الحكيم لمناقشة الأزمة السياسية والاحتجاجات الجارية في العراق.
ماذا عن مطالبة كوكبرن من التمييز المفترض بين تنظيم القاعدة المتمثل في جبهة النصرة في سوريا و تنظيم القاعدة السيء، أو هجوم جورج غالاوي في الآونة الأخيرة على رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بشأن دعم المملكة المتحدة المفترض للجهاديين في سوريا؟ هنا، لا بد من بعض الحكمة التقليدية لمعالجة الامور. الواقع هو ن الدعم الغربي للجماعات المتمردة السورية محدود للغاية، و لا يزيد عن الكلمات في الدعوة إلى الأسد للتنحي كرئيس لسوريا وتحالف المعارضة، و الاعتراف بها في المنفى و يفتقد الى المصداقية على أرض الواقع. الغرب لا يرغب في تسليح المتمردين في سوريا، وواشنطن على وجه الخصوص لم تعكس تسمية النهضة كمنظمة إرهابية على الرغم من اعتراضات داخل سوريا والمعارضة من المنفى .
صحيح أن المملكة العربية السعودية تعطي المساعدات للفصائل السلفية و قطر وتركيا تدعم الاخوان ، ولكن سياسة الولايات المتحدة ضمنت أن هذه البلدان لا توفر أي أسلحة ثقيلة وفرضت قيود على إمدادات الأسلحة.
اتبعت امريكا هذا النهج لأسباب فكرية و خاصة المخاوف حول الجماعات الاسلامية المتطرفة التي ستولد على غرار ما حدث في أفغانستان خلال الغزو السوفيتي. وعلى أية حال، فإن معظم الجماعات المتمردة السورية تتلقى الدعم الواقع من الأفراد، من السوريين على الأرض أو في المنفى وبعض العرب من دول الخليج الغنية.
وباختصار، فإن من الخطأ الاستنتاج بان سياسة الولايات المتحدة متحيزة طائفياً ضد الشيعة ، بل هي اشبه بمعادلة ضد النفوذ الإيراني و ليس ضد التعبير عن الهوية الشيعية على الصعيد السياسي. حالة العراق يدل بوضوح على خلاف ذلك.
يمكن انتقاد الموقف الأمريكي من العالم العربي لعدم الاتساق على عدد من المستويات، ولكن الأدلة لا تدعم التحليلات بان سياسة الولايات المتحدة تقع تحت نموذج طائفي تحت اسم السياسة “الموالية للسنة و المضادة الشيعة.”
المقالة نشرتها صحيفة الجيروسليم بوست في 4 فبراير 2013