لكلّ جريمةٍ عقاب ، وهذا هو نهجُ العدل الالهي في جميع الأديان السماوية اضافة الى القوانين التي شرعها البشرُ منذ عصر حمورابي ولحد الآن . وفلسفة العقاب ليستْ فلسفة تعسفية وانما وسيلة ضرورية لتحقيق هدفين هما : أولا ايجاد رادع قوي لمنع حدوث الجريمة وانتشارها ، وثانيا انصاف المتضررين من وقوعها بالقصاص من مرتكبيها . ومن المعلوم أن العقاب يتناسب حجمهُ ودرجتهُ مع حجم ودرجة الجريمة المرتكبة . والذي يتحدث عن الرحمة والشفقة تجاهَ المجرمين ، ويطالبُ بتخفيف الأحكام القضائية عنهم يتخندقُ مع المجرمين بنفس الخندق وفقاً لمنطق ( حماية الجريمة والمجرمين ) . والذي يتحدث عن حقوق الانسان عليه أن يتحدث أولا عن الحقوق المهدورة لضحايا الجريمة قبل أن يتحدث عن حقوق المجرمين . وللأسف الشديد أصبحَ العقاب في عراق ما بعدَ عام 2003 عقاباً انتقائيا يتم تنفيذه وفقَ اجتهادات وأمزجةٍ خاصة ، وحسب الحاجة لتنفيذه أو لتأجيله أو ربّما لإلغائه . وهذا الأمرُ مخالف تماماً لحقوق الانسان ومفهوم العدالة . والطامةُ الكبرى أن بعض الجرائم التي لا يمكن التعامل مع مرتكبيها بعين الرأفة لفظاعتها ما تزالُ تتأرجحُ بين هذا الرأي وذاك الرأي وكأنها جرائم عادية بسيطة . وعلينا أن نتخيل العدد الهائل من الارهابيين السفاحين القابعين في السجون الذين تجاوز عددهم الثلاثة آلاف والمحكومين بأحكام شديدة يصلُ بعضها الى الاعدام وهم يأكلون ويشربون ويتمتعون بأفضل الخدمات تحت غطاء ( حقوق الانسان ) . وعلينا أن نتخيل كم من أمثال هؤلاء المجرمين قد أفرجَ عنهم نتيجة بعض الوساطات من دولهم وكأن الدماءَ والأرواح العراقية لا قيمة لها . الموضوع ليس نسجاً من الخيال ، بلْ انهُ الحقيقة التي يعرفها الجميع ويعرفون حجم التهاون في تنفيذ الأحكام القضائية ضدّ أولئك الذين عاثوا بالبلاد فسادا . ان هذا التعامل غير الشريف مع المجرمين خيانة عظمى للبلد وللشعب وللضحايا ، كما أنهُ يمثلُ اغتصاب حقوق المغدورين وضياع العدالة ، وفي نفس الوقت يعتبرُ عاملاً مساعدا على نمو الجريمة وانتشارها . وان منطق ( عفا الله عمّا سلف ) لا ينطبقُ على هذا الأمر اطلاقاً ، لأن الجرائم الكبرى لو خضعت لهذا المنطق لأصبحت الحياة غابة من الوحوش البشرية ، ويتعذرُ فيها عيش الفرد بأمن وأمان . وعلماء الاجتماع يرون أن المجرمَ المتمرس في جرائم كثيرة لا تنفعُ معهُ فرصُ العفو باعتبار الجريمة أصبحت لديه غريزة تحرّكُ هواجسه وجوارحهُ باستمرار . ثم ماذا سيكون ردّ فعل المتضررين من تلك الجرائم إزاء عدم تنفيذ الأحكام القضائية وترك المحكومين في نعيم السجون العراقية . هل سنجيبهم اكراماُ لفلان ولعلان ؟ وهل سنقول لهم من أجل عدم المساس بمشاعر بعض السياسيين المحسوبين ظلماً على العملية السياسية ؟ وهل سنقنعهم على نسيان الماضي المؤلم من أجل عودة العلاقات مع هذه الدولة أو تلك ؟ وهل يعقلُ أن تكون الدماء الغزيرة التي سالت والأرواح الكثيرة التي أزهقت قرابين السياسة الفاشلة ؟ ولكن ليعلم كلّ خائن للوطن وللشعب أن دماء الضحايا لن تجف وسوف تبقى تتكلم وكما قال الجواهري ( أتعلمُ أمْ أنتَ لا تعلمُ …. بأن جراحَ الضحايا فمُ ) .