جاءت إرادة الجعل الإلهي للإنسان خليفة في الأرض، بمقتضى إرادة الله تعالى في قوله للملائكة، (واذقال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة قالوا اتجعل فيها من يفسد في الارض ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال اني اعلم مالا تعلمون). وهكذا اقتضت سنة الله في خلقه الانسان، أن يكون صاحب مشروع للاعمار، بعيداً عن الفساد، والقتل، وسفك الدماء.
ومن هذا المنطلق، يلاحظ أن الصالح من البشر، هو من تحمل تلك المسؤولية بجدارة، واستخدم عقله على نحو رشيد، وفجر طاقاته الابداعية بشكل مفيد ، ليصنع الحياة، ويبني الحضارة، ويرث الارض ليصلح فيها، ولا يفسدها( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ). وهو بذلك قد انسجم في سلوكه العملي في الحياة، مع المراد منه في قانون الاستخلاف الإلهي. فتراه مفعما بالطموح، والارادة، متسلحا بالعلم، والمعرفة ، سائرا على طريق الهدى، والثبات على هذه المعايير. ومن ثم فهو لايدع لليأس سبيلا للتسلل الى اعماق نفسه،واختراق ارادته، رافضا كل أشكال الذل، والهوان، والتبعية، لايستكين، ولا يلين،أمام التحديات، حيث يظل مصرا على الوصول الى اهدافه المرسومة، وغاياته الانسانية النبيلة، ليكون لبنة صالحة في بناء، وصناعة الحياة الحرة الكريمة، متحديا كل العقبات، والعراقيل، التي تعترض سبيله في صناعة الحياة التي يتطلع إليها، ليحقق متطلبات قانون الاستخلاف على النحو الذي أراده الله له.
ولأن الحياة في جانبها العملي، ليست ساحة مفروشة بالرياحين، وانما هي في حقيقتها صراع مع عوامل الفساد، بكل أوصافها، وهو الأمر الذي يبدو أنه اثار تخوف الملائكة من الجعل الإلهي الأول للإنسان، فقد كان لابد من ان يستعمر الأرض، ويصنع الحياة الطيبة فيها الأخيار من الناس، وعلى رأسهم الأنبياء، والصالحون، من اجل البقاء السعيد للاصلح ، وتحقيق الذالانسان.. والغاية من التكليف بالاستخلافات الانسانية النبيلة.
ومن هنا فصناعة الانسان للحياة السعيدة، انما تتأتى عبر معاناة شاقة، وألام موجعة، ومكابدة عسيرة.