لايمكن تصديق مسرحية الاشتباك الايراني السوري مع اسرائيل تنتهي باسقاط طائرة اسرائيلية حديثة الا في خانة إعادة تلميع نظام ملالي طهران ومحور المقاومة الكاذب ضد اسرائيل .
ثلاثة تواريخ محددة خلال أقل من شهر يتم فيها طبخ إكذوبة جديدة للعداء بين ايران واسرائيل وهي حسب التسلسل التالي :
⦁ بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي يلتقي في موسكو بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتاريخ 29 يناير 2018 .
⦁ ايران ترسل إحدى طائراتها المسيرة بدون طيار وتسقطها اسرائيل ويتم الرد بغارات جوية لقصف مواقع أهداف سورية وايرانية تسفر عن اسقاط طائرة اسرائيلية من نوع F-16I يوم 10 شباط / فبراير 2018 .
⦁ تلويح بنيامين نتنياهو بقطعة من حطام الطائرة المسيرة الايرانية في مؤتمر ميونيخ للأمن MSC بتاريخ 18 شباط/ فبراير 2018 مهدداً هذه المرة بضرب ايران نفسها .
هناك خلاصة وحيدة من هذه المسرحية وهي إعادة الإعتبار المعنوي لإيران ولمحور الممانعة المخادع وتلميعه وإظهاره بمظهر المقاوم الحقيقي ضد اسرائيل وان هذه الاحداث برمتها ستدق على وتر عواطف الشعب العربي لكل عمل يعادي اسرائيل وبنفس الوقت سيلقى المساندة المعنوية من قبل المغفلين والبسطاء السذج ممن تم غسل أدمغتهم من أتباع محور ايران وسوريا وحزب الله اللبناني وفي عين الوقت الذي يقوم حزب الله اللبناني بحراسة وتأمين الحدود اللبنانية الاسرائيلية ويمنع اي عمليات فدائية من قبل المقاومة الفلسطينية ، فيما يحرص النظام السوري على الجانب الاخر من الحدود الاسرائيلية السورية بعدم إطلاق رصاصة واحدة خلال اكثر من 40 عام عبر خطوط وقف اطلاق النار والتي تم الاتفاق عليها بين الطرفين ضمن إتفاقية فض الاشتباك لعام 1975 .
وخلال مشهد إستعراضي أطل به بنيامين نتنياهو بعد إسبوع واحد من الإشتباك المزعوم بمؤتمر ميونيخ للأمن MSC بتاريخ 18 شباط/ فبراير 2018 من على منصة المؤتمر ملوحا بقطعة قال انها من جزء حطام الطائرة المسيرة الايرانية بعد دخولها المجال الجوي الاسرائيلي، حيث هدد هذه المرة بضرب ايران نفسها مباشرة بدلا من إستهداف وكلاء ايران في المنطقة .
وعلى نفس المنصة يقوم جون كيري وزير الخارجية الاميركي السابق بالإفصاح عن رفض الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما لطلب قيام اسرائيل بضرب ايران مباشرة أيام الإدارة الأميركية السابقة .
ان الاستراتيجية الاسرائيلية العليا هي تنفيذ الجيل الرابع من الحروب في الوطن العربي وجعل مجاميع أعدائها المفترضون يقومون بقتل بعضهم البعض دون ان تتلوث أصابع اسرائيل بالدماء، ومن هذا المنطلق نجحت بصورة كبيرة بتنفيذ استراتيجيتها البعيدة المدى بتحويل وجهة الصراع العربي الاسرائيلي عن بوصلته الحقيقية في القضية الفلسطينية الى إتجاه آخر هو الصراع السني الشيعي في تقطيع أوصال المنطقة وتفتيتها وصولا الى تنفيذ خارطة الشرق الاوسط الجديد .
هنا تكمن الأهمية القصوى على تقوية شوكة نظام الملالي في طهران وخلق مجموعة دول تكون بالمجموع محور شيعي وإطلاق عليه زوراً (محور المقاومة) لكي يكون نداً وفي حالة صراع وجودي مع بقية الدول العربية السنية (المعتدلة) والمتحالفة بنفس الوقت سراً مع اسرائيل.
ان المتحقق لحد الآن يبشر بالخير بالنسبة لاسرائيل ، لكن يحتاج وقتا أطول لكي يتم التنفيذ الكامل بتفتيت كامل للمنطقة العربية الى كانتونات طائفية وإثنية هشة لاتقوى على مقارعة وصد قوات الجيش الاسرائيلي في الطريق الى نهر الفرات لتحقيق حلم اسرائيل الكبرى .
حدث أمر لم يكن في الحسبان بتخلخل أوضاع نظام الملالي في إيران بعد ان قامت إحتجاجات شعبية عارمة في العديد من المدن الايرانية مع بداية العام الجديد 2018 مما دق جرس الانذار في كواليس الصهيونية العالمية بضرورة قمع هذه المظاهرات والحيلولة دون حصول تغيير دراماتيكي لنظام الحكم في ايران غير مسيطر عليه من قبل الصهيونية العالمية والغرب.
هنا فقد نظام الملالي ومحور أتباعه الكثير من رصيد دعايته الكاذبة وبات المحور الذي يعمل معه في أسوء حالاته من التدهور بسبب وسائل التواصل الاجتماعي والتي نقلت صور دوره المشين في مقتل مئات الألوف من أبناء العراق وسوريا واليمن بحجة المقاومة المفبركة وأصبح بأمس الحاجة الى تلميع جديد من قبل أسياده الحقيقين ممن ساهم فعليا في خلق نظام الملالي هذا وتقوية شوكته .
هنا برزت الحاجة الى مسرحية جديدة تعيد الإعتبار الى سمعة محور المقاومة الكاذبة التي اوغلت في دماء الشعب العربي في العراق وسوريا ولبنان واليمن ،
لايمكن ان يحصل الاشتباك الايراني الاسرائيلي في الاجواء السورية بدون ترتيبات مسبقة وخصوصا بعد تواجد القوات الروسية منذ عام 2015 لمساندة نظام بشار الاسد ، حيث سبق أن أعلن الجنرال أندريه كارتابولوف قائد العمليات الروسية في سوريا إن عسكريين روس وإسرائيليين يتبادلون على مدار الساعة المعلومات بشأن الوضع في المجال الجوي السوري .
يبدو أن زيارة بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي لموسكو ولقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 29 كانون الثاني/ يناير 2018 أي قبل الاشتباك بمدة 12 يوم ، كانت خصيصاً للإتفاق على الترتيبات اللازمة للحيلولة من ان تفلت الأمور خارج نص المسرحية القصيرة و المطلوب إخراجها بالشكل الذي سيفيد جميع الاطراف وأن يتم الإحتكام لاحقاً الى الطلب الروسي الرسمي بالتهدئة وعدم التصعيد بناءاً على طلب نتينياهو من الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بالتدخل في الموضوع .
بدأت القصة رسمياً حسب ما أعلنته وسائل الإعلام الاسرائيلية عن إعتراض إحدى مروحياتها الهجومية من نوع أباتشي AH-64D لطائرة ايرانية مسيرة دون طيار مستنسخة عن النسخة الاميركية RQ-170 والتي انطلقت حسب المصادر الاسرائيلية من قاعدة تيفور T4 قرب مدينة تدمر والتي تبعد مسافة لاتقل عن 200 كم عن خط وقف اطلاق النار بين سوريا واسرائيل ، حيث ان هناك تواجد عسكري روسي في هذه القاعدة ، وعلى فرض صدقية الرواية الاسرائيلية فإن الطائرة الايرانية المسيرة قد تم متابعتها من لحظة إنطلاقها ولحين دخولها الى حدود الارض المحتلة واسقاطها بعد دقيقة ونصف داخل الحدود الاسرائيلية .
اسرائيل قامت بالرد بهجوم بالطائرات الإسرائيلية على 12 هدفا في سوريا ، شملت ثلاث بطاريات للدفاع الجوي السوري وأربعة أهداف مرتبطة بإيران ، الا انه اصيبت احدى الطائرات الاسرائيلية المغيرة من نوع F-16I والتي يطلق عليها SUFA ووقعت في منطقة وادي جزريل شرق مدينة حيفا، في شمال اسرائيل وتمكن قائد الطائرة ومساعده من القفز بالمظلة والوصول الى الارض بسلام الا ان جراح أحدهم كانت بليغة .
تضاربت الانباء في وسائل الاعلام العالمية عن نوعية الصاروخ ارض – جو الذي اسقط الطائرة الاسرائيلية الا انه من خلال بعض التدقيق والبحث من مصادر الاعلام السوري والروسي لمعرفة نوعية الصاروخ وخصوصا بعد نشر بعض وسائل التواصل الاجتماعي لصور صاروخ أرض – جو غرز في الارض قرب احد المساكن في بلدة سرعين البقاعية في لبنان والذي يمكن تمييزه نوع سام 6 من خلال شكل الزعانف الاربعة الخلفية وأبعاد الصاروخ وهذا الجيل من الصواريخ كان فعالا في أيام حرب تشرين/ أكتوبر 1973 في اسقاط العديد من طائرات الفانتوم الاسرائيلية على الجبهة المصرية والسورية ولكنه لم يكن بنفس الفعالية أثناء نشره في سهول البقاع اللبنانية خلال الاجتياح الاسرائيلي لجنوب لبنان عام 1982.
فيما كانت صور سقوط احد الصواريخ ارض – جو في منطقة ملكا / شمال الاردن تشير من خلال شكل الزعانف الأربعة الخلفية وأبعاد الصاروخ الى كونه من الجيل القديم لصاروخ سام 3 .
وطبعا كلا النوعين من الصواريخ لم تصب اهدافها بسبب طيران المقاتلات الاسرائيلية بإرتفاعات تفوق مديات هذين النوعين من الصواريخ والتي غالباً ما تكون مخصصة للارتفاعات أقل من 10 كلم .
من المرجح كون اسقاط الطائرة الاسرائيلية قد تم بواسطة صاروخ سام 17 (يطلق عليه ايضا منظومة بوك Buk-M2A ) والتي حصل النظام السوري عليها في السنوات الاخيرة ، أو أن تكون أسقطت بواسطة صاروخ سام 5 (يطلق عليه ايضا S-200 ) في حال حصول سوريا على نسخة معدلة ومطورة منه ، كون هذين النوعين من الصواريخ مصممة للارتفاعات العالية لاكثر من 10 كم فما فوق .
على العموم سجل التاريخ أكثر من 17 هجوم جوي إسرائيلي على سوريا منذ بدء الحرب الاهلية فيها عام 2011 ، وقبلها قيام إسرائيل بغارة جوية لم يتم التصدي لها على ما يشتبه بأنه مفاعل الكُبر النووي في محافظة دير الزور السورية عام 2007 ، حيث غالبا مايقوم النظام الحاكم في سوريا بالإعلان المتكرر دوما بأنه يحتفظ بحق الرد في المكان والزمان المناسبين له دون ان يتم اسقاط طائرة اسرائيلية واحدة خلال الفترة الماضية ،
هنا يتكون لدينا انطباعاً قوياً بعدم إمكانية الوثوق بفعالية الدفاع الجوي السوري في صد أي عدوان جوي اسرائيلي بسبب قدم وتهالك شبكة الصواريخ الموجودة لديه والتي تعود أغلبها الى الحقبة السوفيتية من خمسينيات وستينيات القرن الماضي والتي تشمل صواريخ سام 2 – وسام 3 (بيجورا) – وسام 5 (S-200 ) – وسام 6 (كفادرات) ، مع القليل من الاجيال الحديثة من الصواريخ مثل بطريات سام 17 (منظومة بوك) و بطريات نظام صواريخ سام 22 (بانتسير) الفعالة للمسافة القريبة الواطئة والتي يقال أنها أسقطت طائرة الاستطلاع التركية من طراز فانتوم القديمة RF- 4E في حزيران/ يونيو 2012 ، وبسبب مجموعة كبيرة من العوامل التي تؤدي الى الضعف الكبير للدفاع الجوي السوري منها استنزاف المعدات وتعطل التدريب والصيانة الروتينية،والإهمال، وتشتّت الأفراد والمعدات لدعم العمليات المختلفة ضد المتمردين ، واستيلاء الثوار على مناطق الانتشار الرئيسية في شمال وجنوب سوريا ، ولايمكن تغيير هذه النظرة مالم تحصل سوريا على تحديثات هامة على أنظمة التوجيه لصواريخ الدفاع الجوي وإضافة إمكانية متقدمة للحرب الالكترونية ضد الطائرات الاسرائيلية الحديثة.
خلاصة القول إن المسرحية اقتضت أن تكون فيها مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران في أجواء سوريا للمرة الأولى من خلال انطلاق طائرة مسيرة ايرانية وإسقاطها مباشرة من قبل الطيران الاسرائيلي وقيام إسرائيل باتخاذها ذريعة لمهاجمة أهداف في سوريا ينتج عنها اسقاط طائرة اسرائيلية متقدمة من طراز F-16I ولكن القدر شاء ان تسقط فوق الارض المحتلة وليس فوق الاراضي السورية إثناء الغارة !! ، ومن ثم تكتفي اسرائيل بهذا القدر من الغارات ولاتعاود القيام بأي غارات إنتقامية اخرى على الأراضي السورية وتقوم اسرائيل بالطلب من الحكومة الروسية للتدخل العاجل لمنع التصعيد الاقليمي ، نظراً لوجود علاقات وطيدة بين روسيا ونظام بشار الأسد ونظام الملالي في إيران وحزب الله من جهة وإسرائيل من جهة أخرى ، وقد التزمت الأطراف جميعا بالوساطة الروسية لحد هذه النقطة .
عاموس يدلين رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق كشف في مقابلة تلفزيونية على قناة روسيا اليوم مع الاعلامي الكبير د.سلام مسافر عن تدخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واتصالاته بعد الإشتباك حالت دون تطور الأمر إلى حرب كبيرة في المنطقة تشمل إيران .
https://www.youtube.com/watch?time_continue=832&v=2is9O4zoUq0
هنا تحققت الاهداف الرئيسية من المسرحية وهي تلميع صورة نظام الملالي في طهران كقطب لمحور المقاومة الخادعة ضد اسرائيل وشرعنة وجوده العسكري في سوريا بالاضافة الى شرعنة وجود وكلائه من المليشيات الشيعية اللبنانية والعراقية والافغانية بضمانة الوجود العسكري الروسي حيث سيكون له ثقله في ديمومة الوضع الراهن ولعب دور الوسيط الاكثر نفوذاً في الازمة السورية ، وأخيرا ظهور إسرائيل بمظهر الضحية التي تم اختراق مجالها الجوي وخسارتها لطائرة عسكرية متقدمة في المواجهة مع محور الممانعة الخادعة ومحاولة كسب التعاطف الدولي لمساعدتها في الدفاع عن حدودها بالتعاون مع المجتمع الدولي .