23 نوفمبر، 2024 2:40 ص
Search
Close this search box.

قدسية الشهادة…

الشهيد هو شخص يملك روحاً كبيرة، روحاً تضع أمامها هدفاً سامياً ومقدساً، وهو الشخص الذي يقدم نفسه في سبيل العقيدة، هو الانسان الذي يجاهد ويناضل في سبيل الحق والحقيقة والفضيلة، ولا يريد شيئاً لنفسه، ولم يعمل لها.

ثمة كلمات لها في عرف البشرية عامه، وفي عرف المسلمين خاصة قدسيه وعظمة واحترام. ومن الطبيعي أن اللفظ لا يحمل طابع القداسة بنفسه، بل بما ينطوي عليه من معنى.

جميع المجتمعات البشريه تنظر بعين التقديس إلى بعض المفاهيم مع اختلاف طفيف بينهما. وهذا التقديس يرتبط بجوانب خاصة من نفسيه هذه المجتمعات في حقل تقييمها للأمور غير المادية. والشهيد كلمه لها في الإطار الإسلامي قداسة خاصة. والإنسان الذي يعيش المفاهيم الإسلامية ينظر إلى هذه الكلمة وكأنها مؤطرة بهالة من نور.

كلمة الشهيد مقرونة بالقداسة والعظمة في جميع اعراف المجموعات البشرية مع اختلاف بينهما في الموازين والمقاييس، ولسنا بصدد الحديث عن المفهوم غير الإسلامي لهذه الكلمة.

الشهيد هو الذي نال درجة الشهادة أي الذي بذل نفسه، على طريق الأهداف الإسلامية السامية، ومن أجل تحقيق القيم الإنسانية الواقعية. والإنسان الشهيد في المفهوم الإسلامي يبلغ بشهادته أسمى درجة يمكن أن يصلها الإنسان في مسيرته التكاملية.

وقد قال السيد محمد الصدر: أعظم أنواع الشهادة عند العارفين، هو ان يصبح الفرد شاهداً أو مشاهداً لدرجات الرحمات الخاصة العليا المعدة عند الله سبحانه لأوليائه والخاصة من خلقه. ولعل المقتول في سبيل الله تعالى، إنما سمى بذلك لأجل بلوغه شيئاً من هذه الدرجات من اجل همته في طاعة الله عز وجل، حتى حصول الوفاة له.

كل أولئك الذين خدموا البشرية بشكل من الأشكال لهم حق على بني الإنسان، سواء أسدوا خدماتهم عن طريق العلم أم الفكر أم الفلسفة و الاختراع والاكتشاف أم الأخلاق والحكمة العملية. لكن أحدا من هؤلاء ليس له على البشرية حق كما الشهيد. ومن هنا فان ما يكنه أبناء البشر من تعاطف وانشداد تجاه الشهداء يفوق ما يكنوه تجاه سائر خدمة البشرية.

الإستشهاد، وهو الموت الذي يتجه نحوه القتيل تحقيقا لهدف مقدس إنساني، أو في سبيل الله، على حد التعبير القرآني، مع ما يحتمله أو يظنه أو يعلمه من أخطار في طريقه.

وللشهادة ركنان كما يقول العلامة مرتضى المطهري:

الأول: قدسية الهدف، والموت على طريق تحقيق هذا الهدف المقدس، أي أن يكون في سبيل الله.

الثاني: أن تكون الشهادة قد تمت عن علم ووعي.

وللشهادة وجهان: وجه مقدس في انتسابها للمقتول.. ووجهه بشع إجرامي في انتسابها للقاتل.

ويضيف السيد الصدر: ان الشهادة في سبيل الله سبحانه وتعالى، تجعل لجسم الفرد احتراماً وتقديساً، عاليين، مما يترتب عليه عدة نتائج:

1- عدم تعريضه لعمليات الغسل والتكفين.

2- احترام ثيابه ايضاً ودفنها معه.

3- احترام كل ما سقط منه حتى الدم، فيدفن معه.

4- عدم حاجته إلى الحنوط. وهو المحتوي على الرائحة الطيبة لأن رائحة الشهيد عند الله أعلى من ذلك.

اذن الشهيد مثل شمعة مشتعلة مميزة، خدمته من نوع الاحتراق والفناء، يمنح النور في مقابل الفناء، يعطي الآخرين الضوء مقابل الاحتراق والعدم لكي يجلس الآخرون براحة، ويعملون باطمئنان، نعم إن الشهداء هم شموع محافل البشرية، إنهم يحترقون ويضيئون محفل الوجود.

ومنطق الشهيد هو ذاك التركيب العجيب الذي يتألف من شوق العارف العاشق لله سبحانه وتعالى إذا امتزج وتآلف مع منطق المصلح، منطق الشهيد منطق الاحتراق والنور، منطق الحل والجذب في المجتمع من أجل إحياء المجتمع، منطق نفخ الروح في أعضاء القيم الإنسانية الميتة، منطق الحماسة. إن أكبر ميزة للشهيد هي إيجاد الحماسة، الشهيد إذا سقط فإن كل قطرة من دمه تتبدل إلى عشرات القطرات وآلاف القطرات، بل إلى بحر من الدماء وتضخ الحياة في عروق المجتمع وبدنه.

الشهادة تكسب قدسيتها من أنها فداء وتضحية في سبيل هدف مقدس، لكنها تضحية تنبع من وعي الشهيد وإدراكه بتمام وجوده وكيانه، من هنا تأتي قدسية الشهادة.

والشهادة من منطلق أنها عمل واع واختياري، وفي سبيل هدف مقدس ومنزهة من أي دافع لمنفعة شخصية، ومبرّأة من أي نوع من الأنانية، فهي عمل بطولي وممجد ومحل للاكبار والافتخار.

فالشهيد يعشق الحياة ويفكر بها. لكن رؤيته لها قائمة على السر السرمديّ، ذاك الذي يشرح تعلّق الروح بحبائل الكرامة. فللشهيد قدسية خاصة تتبلور معالمها في الدنيا قبل الآخرة، مرتكزة على مصداقية العبادة والتأمل؛ لتصل إلى درجة الرقي الروحي المتلاقي مع أعلى درجات العشق. وهذا الرقي مورده العلاقة الحميمة بخط أهل البيت عليهم السلام والنهل من علومهم وثقافتهم الطاهرة الرسالية، وبالسير على خط دربهم المقدس.

وعليه فان الشهيد يسجل بدمه ملحمة يحيي بها روح الحماسة في مجتمع ماتت فيه روح الحماسة وخاصة الحماسة الإلهية. ولهذا فالإسلام بحاجة دوماً إلى شهيد .. لأنه بحاجة مستمرة إلى حماسة متجددة.. وإلى ولادة متجددة.

المصادر:

ــ ماوراء الفقه، السيد محمد الصدر، ج1، ق1، ص245.

ــ شهيد يتحدث عن شهيد(روى جديدة)، العلامة مرتضى المطهري، ج1، ص253 ومابعدها.

ــ الشهادة في فكر السيد الخميني، ص13 ومابعدها.

أحدث المقالات

أحدث المقالات