المطلب الأول هو من هم العرب؟
هل العرب هم الأعراب؟
العرب: هم نوعان: حضر أهل مدر وأعراب بدو أهل وبر، أما مطلق التسمية ففيها آراء متعددة لانبحثها هنا كي لانحيد عن جادة الموضوع. ونكتفي بشهادة المؤرخ الدكتور جواد علي بقوله:-
المجتمع العربي بدو وحضر ، ويعرف الحضر ، وهم العرب المستقرون بـ ” أهل المدر ” ، عرفوا بذلك لأن أبنية الحضر إنما هي بالمدر . والمدر :- قطع الطين اليابس.
وورد أن أهل البادية إنما قيل لهم (أهل الوبر) ، لأن لهم أخبية الوبر، تمييزاً لهم عن أهل الحضر الذين لهم مبان من المدر.
وتطلق لفظة ” عرب ” على أهل المدر خاصة ، أي على الحضر و ” الحاضر ” و ” الحاضرة ” من العرب ، أما أهل البادية فعرفوا بـ ” أعراب “.
المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام (4/271).
كيف نستدل على أن الأعراب هم ذاتهم العرب بالجنس لا باللغة وما إلى ذلك من بيآتهم المعيشية فقط؟
أولاً:-
من خلال كتاب الله المؤرخ الثقة الأول لهم، نستدل، بما ميز لله تعالى بين المذموم والممدوح من الأعراب بآياته، والمدح والذم للفعل لا للجنس كما هو معلومْ، فليس جنس المخلوق هو المقصد، لأنً كله من خلقه هو، إذ لو نقد الله الجنس لنقد الله نفسه فهو الخالق الفاعل.
ففي المدح قال الله:-
وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ ۚ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ ۚ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ .99.
وفي الذم قال الله في سورة التوبة:-
الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97).
ومن وحي الآية 97 أعلاه أن نفاق هؤلاء المعنيين من غلظتهم وخيانتهم للعهود وتربصهم بالسوء ؛ ليس مطلق الأعراب، كما ليس لأنهم لم يدركوا سنن الله وحدوده، كما يذهب شططاً البعض في التفسير، بل؛ لأنهم لم يأتهم من قبل نذير، والله عليم بإحوالهم لم يرد منهم لا إيماناً ولا حتى أن يعلموا فقط للعلم بحدود ما أنزل الله.
ثانياً في البحث عن..من هم المقصودين بالرسالة والنذير؟
هل هم العرب؟
فهِمَ إبن كثير وغيره المقصد بالعرب من خلال آيات الله التالية:-
لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ ) يَعْنِي بِهِمُ : الْعَرَبَ ؛ فَإِنَّهُ مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِهِ ” انتهى من ” تفسير ابن كثير” (6/ 563) .
كما صرحت الآية التالية . قال الله:
بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) السجدة/ 3 .
ثم في سبأ:
وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) سبأ/ 44 .
فمن الذين نزل الله القرآن بلسانهم وقال ” أنا أنزلناه قرآن عربيا لعلكم تعقلون” ؟
العرب بالطبع!
وها قد عرفنا العرب والأعراب الذين عناهم الله برسالته من ذوي جنس واحد لأن الخطاب بلغة الإثنان العربي والأعرابي.
إذن لماذا يسب العرب أنفسهم؟
للعرب مسيرة تاريخية أرخها الله ثم التاريخ البشري، ولذلك نجيب بما هو الواقع لخصائصهم بما ذمها الله في كتابه، وبذلك لانتجنى عليهم كجنس من البشر وإنما أفعالهم وأخلاقهم المقصودة.
أي ليس المراد العموم والتعميم، ولكن قد بات السكوت عليها كموافقة الخصوص لها، ولكي نحرر الخاص من سجن الأتهام ولانقع في أسره، فنعتزل نقد الظاهرة بالعمومْ وبالتالي لن نفهم السبب، لماذا العرب يسبون أنفسهم إطلاقاً)….
الجواب كما أفهم وأعتقد مع كل الإحترام لهم كبشر. أقول:-
لأن تلكم الأقوام بالتحديد بشكل عام، لامباديء طيبة راسخة فيهم، فبات نفاقهم ظاهرة متفشية همهم مصالحهم وأعرافهم هُبلهم الإجتماعي والحياتي، فهم يهوسون للظالم ويقفون معه بالرغم من قهره لهم ولكرامتهم، فثقافة القول ( إيد الماتكدر تكاونها حبها ..اي قبلها أو بوسها باللهجة العراقية خير دليل على هويتهم المبدئية.
هذا واقعهم أينما حلوا أعتدوا وفسقوا وفسدوا وأفسدوا. دينهم الحق جاههم ومالهم وسلاحهم، وعروبتهم على خلاف مايدعون من شهامة وإباء وكرامة فهي(سلب وخطف وسبي وإستعباد وإستعلاء وتعذيب وقتل وعمالة وخيانة، وتقبيل أيادي قبل الإسلام وبعده، ورثوها ولازالت متجذرة بعروقهم تنفث سمومها في مجتمعاتنا، فتسممت الأجواءْ فظن الناس أنه الدين وهو هكذا أمرهم ونسوا ذم الله لهم ولأخلاقهم مبادئهم.
برحيل الخلافة المتأسلمة، وتقدم الغرب علما وقوة غادر ديار العرب كل العلماء المستعربون لسانا، فبات العرب الأصلاء الممدوحون قرآنا يعانون من الأعراب المذمومين في دولهم العربية.
لذا خفت نسلهم بنور العلم ومسيرته إلى حيث هم بحقيقتهم فحضارتهم التي نسبوها لهم ( العربية الإسلامية) ماتت برحيل العلماء من بقاع وأديان الأرض كافة، فبقوا أشباح لامعنى لهم، سواء ماتوا أو عاشوا.
ولذلك سلكوا درب الماضي يتفاخرون بدينهم ورسولهم وهم لاعلم ولادين، وكأن لاخبر جاء ولاوحي نزل فيهم، أو يتشبثون بالماضي اللاديني بتاريخ سومري وبابلي ونسوا أنهم لم يكن لهم علم بهذه الإصول حتى زمن قريب، لكنهم فرحوا بها بعد أن أخبرهم الغرب بها، فتمسكوا بالماضي السومري والديني ومن يومها لاينفكون تفاخراً خوفاً من أن لو لم يفعلوا هذا فبماذا يتمسكون، إذ لاشاهد حضاري ديني ولالاديني لهم من نسلهم وأيدي أجدادهم الأعراب والعرب، فبربكم بماذا بغير الماضي يتمسكون؟
ولذلك العراقي العربي الشريف الممدوح كمثال يعلم أن العقلية العربية الإعرابية طغت بمبادئها السامة في تصانيفهم المذهبية الشيعية والسنية العربية، لتتجسد بروح قاسية سادية في التعذيب.
وفي الوضائف الحكومية أمراضهم النفسية تكاد متفشية تتقيأ منها، ومن غطرستهم ونفاقهم ونرجسيتهم، وعشقهم لحيازة المنصب للتفاخر به هبلياً، وإذا ماحصل لاسامح الله أن حصل أحدهم على شهادة علمية يزفوه عريساً بهلوانياً منوهول الصدمة، لأن الأمر خارج إمكانية تصوراتهم لعلمهم بجهلهم وأنهم قوما لايقرأون ولذلك كانوا كذلك في الجاهلية يحتفلون لو ظهر فيهم شاعر فظهوره كظهور نبي لا أقل.
هؤلاء هم ممن لاكرامة لهمْ الذين يقبلون أيادي ولحى وغاياتهم وصولية دونية منقطعة النظير.
والله بتنا نخجل بالأنتماء لهذا المسمى العربي القومي لولا ديننا ، فلقد هتكوا مجتمعنا تربوياًْ، وخلقياً، وعوقوه لتنفيذ القانون بضمير وشرف العربي الأصيل، لأنهم حلوا على الخيرين الشرفاء منهم محل السجن والإحتلال الإجتماعي بمنزلِ، فذابت الفروق بين المذموم والممدوح لشيوعهم وكثرتهم ، فحل الكل يسب الكل، فسباب الشريف هو سب لنفسه أيضاً لأنه يسب العرب بالعمومْ إنتقاماً من قهر إنتسابه إليهم جنساً.
تلكم الأقوام تداخلت في كل شعوب شبه جزيرة العرب وخارجها قبل وبعد توسع رقعة الخلافة الأموية والعباسية. فنجح العرب في الغزو لخبرتهم، وفي الإستعباد لعادتهمْ وفي التعالي بفروسيتهم وفي شق البطون دون رحمة لجهلهم كما أرخ الله لغالبيتهم كل الموبقات في كتابه الكريم.
ولذلك في عموم حياة وتاريخ العرب لم تكن خلافتهم إسلامية بعد رحيل الرسول عنها، فقد قتلوا أحب الخلق له وقتلوا كل حق جاء به وهم أساس بذرة الشعوبية وما حصدت من رد فعلت هتكت بتاريخ العراق الحضاري الإجتماعي الإنساني.
فهموا بالسلطة والجاه والمال والمؤامرات والغزوات بإسم الله ليترادف إسمه بدين الغزو والظلم والذبح والإرهاب، ثم فضحوه اليوم بأيديهم ونسبوه ظلما لدين الحق. ولكن أكثر الناس للحق والعلم والموضوعية في البحث منحرفون جاهلون.
ولسبب صعودهم من وادي البداوة إلى جبل الحضارة بسبب نزول كلام الله وإختياره لغتهم لكلماته فقدسوها لإلتصاقها بهم وليس بمعاني التنزيل في آيات الله وكلماته، فظنوا أن ذلك لعلمهم وقوة لغتهم، ونسوا أن الله قال لعلهم يعقلون أو يحدث لهم ذكرى.
يقول الله تعالى في سورة طه:-
وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113).
فكيف سينزله لهم بلغة أخرى؟ وهل لايعلم الله أن لو أنزله بغيرها سيفقهون ولم يفعل؟
أختيار لسانهم لأن نذيرهم عربي منهم فبماذا سيحدثهم بالله عليكم ليفهموا حديثه؟ باللغة الهندية مثلاً؟
فبلسانهم أنزل كتابع لهم عليهم، ويتمنى أن يعقلوه ويقول عسى أن يحدث لهم ذكرى.
ما حمل المجتمعات الأجنبية على فضول للتعرف عليها ودراستها هي لبزوغ النبوة والرسالة وأنتشارها مما سكلة قوة أمام القوى الإمبراطورية الأخرى وما ستخلفه من تبعيات دينية وإقتصادية وعسكرية، لكن العرب فرحوا العرب وظنوا أن متحدثوا العربية الجدد هم العرب فظنوا أن فيهم العلم وقوة اللغة، فنسبوا علوم المستعربين العلماء الذي أسلموا لهم ولبطشهم أنها منهم وفيهم من نتاج علمهم، فسموها الحضارة العربية، ولكون التاريخ ديني فأصبحت حضارة إسلامية فهتكوا حرمة الحق في كتاب الله وجسدوه بعروبتهم الداعشية عبر مسار التاريخ إلى يومنا هذا.
نختم بالسؤال التالي:-
متى تنتهي مبادئهم الداعشية العربجية وينتهجون نهج الحق والأنسانية وثوب أصالة الروح العربية الحقة الشريفة؟