18 ديسمبر، 2024 10:19 م

قبل نحو عام ونيًّف، كتبت مقالة عن “لغة النقد الحداثي”، تناولت فيها المظاهر السلبية في موضوعات النقد الأدبي، وركّزت على ما هو شائع ويشيع أكثر في عتمة لغة النقد وغموضها، وابتعاد النقد عن مبادئه وأصوله وغائيته، ما جعل الناقد يلجأ الى استخدام عبارات مصنوعة بتكلف ولجوئه الى اصطلاحات لا تعرفها مدارس النقدالقديمة ولا الحديثة، ولا النقود العربية ولا الأجنبية، ووجدت أن الفرية الكبرى هي في لصقها بالحداثة و الاتجاهات الحداثية في النقد، وقد دللت على قولي بمقتبسات من عيّنات لبعض الكتاب من دون ذكر أسمائهم!
ورغم جدل العلاقة والتأثير المزدوج المتبادل بين نصوص الأدب بمختلف ألوانه وبين النقد، وهو ما تؤكده الدراسات المنهجية عند العرب وعند غيرهم، مما دفع النقد الأدبي ليؤكد حقيقة ذات وجهين وهو أن الأدب الرفيع في شتى عصور ازدهاره قد أفرز بالضرورة نقداً رفيعاً، ومن ناحية أخرى فأن النقد بدوره ساهم بفعالية برفع مستوى الابداع الأدبي ودفع بعجلة تقدمه وحماه من عوامل التردي التي أحاقت به في حقب تاريخية معتمة أو رمادية..
إن ما رَسَتْ عليه الحالةُ الأدبية وخاصة في الشعر يفسر ما رسا عليه النقد، فقصيدة النثر تحديداً تكرر نفسها وتعبر عن نمطية في أغلب الأعمال المطروحة وهذا ما أنعكس على النقد، ولا أغالي إذا ما قلت أن الخطاب النقدي نفسه ساهم في تردي الحالة الشعرية العربية عموماً ..
ومن يُلقي نظرة سريعة على ما هو مطروح من نقود أدبية سيُصدَم بتدني المستوى وتكراره مع تراجع مهول في المفردات النقدية وغياب حكم القيمة النقدية في جل ما هو مطروح في المقالات، والمنتديات والمحافل الأدبية واللقاءات المبثوثة على الهواء وحتى الدراسات الأكاديمية؛ ناهيك عن تراجع لغة النصوص المنقودة والناقدة!!
وقد وجد قسم واسع ممن يمارس هذا النوع من النقّد ملاذاً مُسعفاً في عناوين مثل: قراءة في قصيدة.. أو قراءة في قصة أو رواية…الخ وزاد قسم آخر ليجد في مصطلح التأويل حرية في التشريق والتغريب في النصوص.. ولا أغالي قط إذا ما قلت أن هؤلاء أصحاب القراءات والتأويلات لا أظنهم يفقهون ما يقرأون ولا ما ينقدون..
وزِدْ على الغموض في اصطناع الجمل وتفخيم العبارات وغياب الحكم النقدي، تجد غياباً حقيقيا في الكشف عن مكامن الجمال وغياب الوقوف على خصائص اسلوب النص المنقود لغة وفكرة وفناً وعدم الوقوف على الهِنات أو مواطن الضعف التي من الطبيعي أن لا يسلم منها نص شعري أو نثري.. يحل محلها إطراء ومجملات وتبريرات بعبارات لا تكشف عن أبعاد النص ودلالاته وموحياته..
ويلعب جنس الكاتب أو الشاعر أهمية، فإذا كان صاحب النص من الجنس اللطيف ستقرأ عجباً من المديح والإطراء الزائف؛ وهكذا يضيع الأخضر بسعر اليابس، وهكذا تُخلَق أوهام لدى صاحبة النص أو صاحبه بأنها مبدعة أو مبدع. وقد ابتُذلت كلمة إبداع و مبدع أيما ابتذال…
وهناك ظواهر أصبحت شائعة، فتجد ناقداً عربياً ينشر كل يوم – نعم كل يوم – عنواناً دعائياً قوامه نصف صفحة وإذا زاد يصبح صفحة عن شاعرة، تجد مقالته منشورة في عشرة مواقع على الأقل، والسؤال: متى يقرأ هذا الناقد النص ومتى ينقده؟ وماذا يجد القارىء غير المدح والإطناب والجمل المفخّمة؟
أعرف سيدة أمطرتنا بالعشرات من المجموعات الشعرية والقصص والروايات، وحين قرأت لها حوارأ قامت به مع أحد الشعراء هالني لغتها المتداعية، ولم أجد لها جملة سليمة واحدة! ناهيك عن سذاجة الأسئلة المطروحة..
والمصيبة أن بعض الصحف والمواقع تبرّز البعض من النتاجات الهزيلة على حساب مقالات ثقافية جادة..والأنكى أن البعض من المواقع خصص جوائز تقديرية معنوية وأناط بمسؤولية أختيار العشرة الفائزين الى لجنة، أتيح لي ان أعرف أسماءها، أحدهم يطلق على نفسه “بروفسور” تخذ على عاتقة تشجيع بعض الشواعر وتصحيح نصوصهن ليقترحهن من الفائزات، و في اللجنة هناك شخصان من عشيرة قدما شويعراً من العشيرة ذاتها لم يكتب في الموقع سوى مقالٍ يتيم ليفوز.. ولجذب الكتاب العرب تكرر منح جوائز لكاتبات عربيات لا يحسنّ كتابة مقال قصير سليم. والأمثلة من هذا القبيل تتكرر كل عام!!
وإذا كانت مهمة النقد هو التربية الجمالية ونشر القيم الإنسانية، وإرهاف الذائقة الجمعية، والعمل على إنمائها واكتشاف المواهب وتشجيعها والأخذ بيدها على طريق الإبداع… فهل يمكن للنقد البناء أن يمارس مهمته؟ وما هو السبيل للنهوض بالنقد كمسؤولية أدبية وأخلاقية؟ السؤال مطروح على الجميع..
-للموضوع صلة-