العراقيون مضغوطون , يكاد يكون ذلك ساريا عليهم كلهم طبعا الا بعض الناس الذين لا تؤثر عليهم عوامل الضغط , مضغوط حسب لغة وسائل التواصل الاجتماعي السائدة بين الاجيال الجديدة يعني ( ضايج او مستَفَز) وغالبا ما يستخدمها الشباب لاستفزاز بعضهم البعض على وسائل التواصل الاجتماعي.. لماذا العراقيون مضغوطون ؟
يمكن ان أزعم بأن أهم اسباب انضغاطهم مايلي :
1-المناخ : علاقة العراقيين بالمناخ علاقة سيئة فمناخ العراق يكاد يكون أسوأ مناخ على الارض ففي شهري تموز وآب الماضيين لم تنزل درجة الحرارة عن 50 مئوي وكادت ان تبقى عالقة لولا دعاء المؤمنين وانتهاء خزين الطاقة الحرارية.المناخ الحار يجعل الادمغة تغلي وتفقد القدرة على التركيز والتفكير ويتحول الانسان الى كائن مُدمِر ومُدمَر , والمشاكل والعركات في شوارعنا دليل لايقبل التكذيب وخصوصا بين السائقين مَن لاتتوفر في سياراتهم اجهزة التكييف وبين اصحاب الكيات والركاب او العبرية كما تسمى باللهجة المحلية.ارتفاع درجات الحرارة يقتل الحرث والنسل فالبشر يمشون (مخنطلون) فاقدو الطاقة والقدرة تحت لهيب اشعة الشمس التي لاترحم والاسؤا ان هذا الشعب لم يُكيف نفسه للتعامل مع درجات الحرارة فأغلب الناس يستحون من ارتداء غطاء الراس او حمل الشمسية بالرغم من ان اسمها شمسية ويتصورونها مطرية فقط .انا اعتقد ان احد اسباب الطلاق الذي يقال انه وصل الى 60% من عدد الزيجات الجديدة هو ارتفاع درجات الحرارة .الشتاء اصبح ربيع والصيف اصبح جحيم والربيع والخريف اصبحا صيفا.حتى تسعينات القرن الماضي كنا نشاهد في صباحات بعض ايام الشتاء ثلجا على زجاج السيارات ويبدو ان ذلك اصبح من الذكريات الجميلة ولن نشاهده او الاجيال القادمة.
2-فقدان الطاقة الكهربائية : خلال ال15 سنة الماضية لم تستطع اي حكومة توفير طاقة كهربائية لرُبع ساعات اليوم كحد اعلى في ايام اشهر الصيف وهذا يعني ان يترك الانسان يتقلى في حرارة الصيف وهو يعاني من صاحب المولدة الاهلية الذي لم تستطع اي حكومة وضع تعليمات تنظم العلاقة بينه وبين الجمهور من مشتركيه وابقت الناس تحت رحمتهم وهم بلا رحمة اساسا فسعر الامبير في عز الصيف يصل في بعض المناطق (الطاكة) الى ثلاثين الفا .ولكي تستطيع تشغيل مبردتين وثلاجة ومجمدة وتلفزيون وبنكات سقفية عدد اربعة واضاءة تحتاج مالايقل عن ثمانية امبيرات اي بسعر (240000) مئتان واربعون الفا وهو راتب موظف حكومي او متقاعد. تم صرف مليارات الدولارات منذ 15 عاما على الكهرباء وفشلت اي حكومة في اصلاحها والسبب الاكثر معقولية هو ابقاء الناس في دوخة تحت مسمى( الفوضى الخلاقة او نظرية الدوامة) ولا اعتقد ان الحكومة ستستطيع اصلاحها لان الموضوع اكبر من الحكومة وهو بأيدي امينة ولن تتمكن اي حكومة من اصلاحها الا اذا انتقل الشعب العراقي من الشعوب الدايخة بسبب رداءة الخدمات الى الشعوب الدايخة بسبب ضغط العمل كما في الدول المتقدمة.
3-البطالة : الدولة في العراق هي المتكفل الوحيد بتوفير فرص العمل اما القطاع الخاص فقد تم تدميره منذ الحرب العراقية الايرانية حيث تم تجنيد جميع الرجال في عمر العمل للخدمة العسكرية وحل محلهم العمال المصريين في ذلك الوقت وانهارت المعامل والمحلات وتغيرت سلوكيات العاملين في القطاع الخاص وفقدت الاخلاقيات المهنية الراسخة والتي تشكل الرابط الاساسي والهام للعاملين في هذا القطاع وحاليا القطاع الخاص هو قطاع مُستغِل يستغل الفقراء لتشغيلهم باقل الاجور وهو قطاع طفيلي غير منظم يقوم اساسا على التجارة والخدمات البسيطة كالمطاعم ومحلات التسوق والنقل ويداربشكل فردي ولا توجد شوكات تدير العمل في القطاع الخاص , و المشكلة الهامة في العراق هي عدم وجود حد ادنى للاجور في القطاع الخاص . كما ان الاجور تمنح على اساس اليومية اوالاسبوعية وليس على اساس عدد ساعات العمل ,مما يؤدي الى فوضى في الاجور ,كما ان الوضع الاقتصادي السيء يلجيء الشباب الى العمل اضطرارا تحت اي ظروف لتوفير المعيشة لعوائلهم .واغلب الشباب الان الذين لديهم رأسمال صغير او يتلقون مساعدة من اهلهم يشترون سيارة سايبا او ما في مستواها وهي ارخص انواع السيارات للعمل كتاكسي او خط لنقل الطلاب الى المدارس او الكليات او يفتحون دكان على شكل اسواق منزلية ,اما الذين لايمتلكون رأسمال فيعملون اما باعة متجولين اوعمالا في المحلات والمطاعم والافران او حمالين في الشورجة .وبسبب طبيعة المجتمع العراقي العشائرية وتسبب ابنائه بمشاكل لاصحاب الاعمال تتدخل فيها عشائرهم لدى حدوث اي مشكلة بين العامل وصاحب العمل , اصبح اصحاب الاعمال يتجنبون تشغيل العمال العراقيين خصوصا في المطاعم والاسواق الكبيرة ويشغلون عمالا بنغاليين او باكستانيين لكون اجورهم اقل ومشاكلهم اقل وساعات تشغيلهم اكثر ولا يمتنعون عن اي عمل يُكلفون به ,البطالة مشكلة كبيرة ولم يطرح اي من السياسيين العراقيين اي مشروع انتخابي يتضمن معالجات لمشاكل الناس والبطالة اهمها بشكل واضح.
4-الفساد : هو احد اهم المعوقات الرئيسية لوضع العراق على سكة قطار الدول غير الفاشلة ,كان العراق حتى الثمانينات من اقل الدول فسادا ولكن منذ الحرب العراقية الايرانية بدأ الفساد ينهش الجهاز العسكري في البداية حيث كان يتم منح الاجازات للجنود من قبل ضباطهم وآمريهم مقابل اموال وهم يقومون بالعمل او يعتمدون على اهاليهم لتسديد تلك الاموال لقاء تخلصهم من المعارك الطاحنة التي كانت تدور على جبهات القتال وعلاقة الفساد بالحروب معروفة على مدى التاريخ . بعد دخول البلد تحت الحصار في التسعينات وعدم قدرة الدولة على صرف رواتب معقولة للموظفين , ادى ذلك الى استشراء الفساد واصبح من المعتاد ان يتلقى الموظف الرشى والعمولات من المراجعين لقاء العمل الحكومي او يترك الوظيفة في حالة عدم قبوله الرشى ليعمل في عمل خارج اجهزة الدولة اي في القطاع الخاص.بعد 2003 اصبح الفساد سلوكا يوميا سائدا لدى جميع العراقيين وجزء من العادات والتقاليد والاعراف فالواسطة والهدايا والعمولات والتعيين لقاء اموال يعتبر سلوكا طبيعيا ومن لايقوم به يعتبر شخص غير طبيعي ولايُقدِر الاخرين ولايحترمهم ويتعرض الى انتقادات شديدة من اقاربه ومعارفه تصل الى حد مقاطعته .كما انه يكسب عداء الكثير من الجهات المتنفذة اذا رفض الاستجابة للواسطات او رفض اجابة طلباتهم .كما ان عدم قيام الموظف بعمله على الوجه الاكمل وقضاء ساعات العمل بالتدخين و الحكايات وتصفح الفيس بوك والتمشي هو سلوك يومي لأغلب الموظفين الا فيما ندر واكاد اجزم بان عدد العاملين الذين يسيرون دوائر الدولة بشكل صحيح ويعملون ساعات عمل كاملة لايتجاوز 20 % من القوة العاملة اما بقية العاملين فلا يعملون الا اقل من 10% من وقت العمل وهذا يعني ان 20% من الموظفين الحكوميين الحاليين يمكن ان يديروا دوائر الدولة في الظروف الصحيحة ولاضرب مثلا ,احدى دوائر الدولة كان عدد موظفيها لايتعدى 120 موظفا قبل عام 2003 وتعمل بشكل اعتيادي في ذلك الزمن , الان عدد موظفيها يتجاوز ال1500 موظف ويشكو الكثيرمن المراجعين من ادائها . الواسطة والمحسوبية والمنسوبية والرشوة والاكرامية والهدايا والعمولات والاختلاس وهدر المال العام والسرقة من اموال الدولة وهدر ساعات العمل وهدر موارد الدولة والتعيينات على اساس غير مشروع واستخدام موارد الدولة لاغراض شخصية او حزبية او فئوية والاهمال والاستغلال الخاطيء لموارد الدولة هي سلوكيات يومية فاسدة تمارس في الدوائر الحكومية بشكل روتيني ولا يمكن الاصلاح الا بتغيير مفاهيم الناس حول الفساد فالكل يشكو من الفساد ويتهم اجهزة الدولة ولكن بمجرد أن تأتيه الفرصة ليخوض فيه تجده يغرق نفسه بأمتيازات الفساد.
5-الكسل : من أهم صفات المواطن العراقي التي تعود عليها نتيجة الحروب والمخاطر الامنية والتربية البيتة التي لاتشجع على العمل وتشجع على الحصول على المكرمات التي تقدمها الدولة الريعية الى المواطن والتربية المدرسية التي تعلم على الحفظ والتحفيظ ولاتشجع على العمل والظروف المناخية القاسية التي يتعرض اليها أدت الى اعتياده على الكسل وتضييع الوقت بالحديث والجدال والمناقشات والفيس بوك والنوم والجلوس في المقاهي ولعب الدومينو والطاولي والتدخين والشاي .وهو داء يحتاج الى جهود جبارة لأعادة برمجة جسم الانسان وعقله لتعويده على العمل وتجنيبه الكسل .فالمواطن يعتبر أن العمل ليس من واجبات الانسان ويعتقد انه من الممكن ان يحصل على امتيازات بلا ان يعمل , طالما انه يرى ان الكثيرين استطاعوا ان يحصلوا على وظائف وامتيازات واموال بدون وجه حق او جد او اجتهاد .واصبح اجيال من الشباب الذين اكملوا دراستهم ولم يحصلوا على تعيين يفضلون قاعدة( ما الفوزالا للنيام) حيث ان اغلبهم يقضي يومه نائما وليله على وسائل التواصل الاجتماعي.
6-فقدان الامن والامان :العراقي يفتقد الامن بسبب الحروب والطائفية والفساد . فهو معرض الى جميع ما يمكن توقُعه اوما لايمكن توقُعه من المخاطر من انفجارات الى اختطاف الى قتل بالخطأ او بالصح الى حوادث السيارات الى السرقة الى الحجز الى الاعتقال بغرض الابتزاز الى اخره من المخاطر.وهو من مسببات عدم تحسن الوضع الاقتصادي لعدم قدرة المستثمرين باستثمار اموالهم في بلد يفتقد الى الامن وسبب لهروب الكفاءات العراقية الى الخارج.
7-الازدحام :الازدحام مشكلة كبيرة فلكي تستطيع الوصول الى عملك او الخروج لقضاء مشوار تحتاج الى ساعات تضيعها في الطريق . لا توجد لدى الجهات الحكومية اي مشاريع لحل مشكلة الازدحام وفقدان النظام المروري حيث لا يتم تطبيق اي تعليمات او ضوابط مرورية وحركة السيارات والسابلة تسير تحت قاعدة (ألك يابو ذراع) وقاعدة(ياغالب يا مغلوب) بسبب وجود دائرة مرور مملوءة بغير المختصين وغير المتعلمين و غير المؤهلين وليست لدى هذه الدائرة اي خطط اصلاح او مشاريع لاعادة الاعتبار لنفسها في الشارع . وليذهب الناس ووقتهم الى قير , ولايبدو أن هناك جهة مهتمة بالموضوع او تكلف نفسها بحثه .ولا نعرف لماذا لا تقوم دوائر المرور والبلديات بتشغيل الاشارات الضوئية وتفعيل الضبط المروري واعادة تخطيط الممرات في الشوارع ونصب كاميرات مراقبة لضبط المخالفات ومحاسبة المخالفين ويبدو أن الاسرار عند عالم الاسرار.
8-شركات الهواتف النقالة والنت لو سألت اي مواطن كم يذهب من موارده الى شركات النقال والنت لوجدت النسبة تفوق جميع دول الجوار في مقابل الحصول على خدمات رديئة جدا لكون شركات النقال والنت مملوكة لمتنفذين او تحت غطائهم.ولا توجد خدمات اردأ من الخدمات المقدمة في العراق للمستخدمين فهي خدمات متخلفة وبطيئة وغالية ولا يوجد من يراقب او يحاسب.
ماذا يحدث لاي مجتمع يقع تحت مثل هذه العوامل غير الانضغاط.