كثيراً من لم يتفاعل مع احداث جريمة سامراء، تلك الجريمة البشعة التي نفذتها المليشيات التابعة لـ (مقتدى الصدر)، بحق العميد (شريف اسماعيل المرشدي)، عند سيطرة الحويش الواقعة في مدخل سامراء، ولَم تأخذ القضية ذلك الصدى الإعلامي الواسع، على الأقل بمستوى الجريمة، فجميعنا شاهد عدم تفاعل الاعلام المرئي والمسموع والمكتوب، مع تلك القضية بمهنية.
إن المتابع للسياسة بصورة صحيحة، بعيداً عن التأثيرات الايدلوجية والحزبية، يدرك جيداً إن الاعلام مسيطر عليه سيطرة تامة، وبإمكان للأيادي المسيطرة عليه ان تحركه متى ما شاءت، وبالاتجاه الذي تريده، وتسكته متى ما رغبت حسب متطلبات المصلحة، وهذا واضح جداً من خلال حدثين جريا في الساحة العراقية خلال الأيام الماضية.
فَلَو عملنا مقارنة بين قضية النائب عن دولة القانون (عباس البياتي) الذي اخطأ في التعبير، عندما وصف عدد من الاحزاب الشيعية بـ (اصحاب الكساء)، وبين قتل المرشدي، لأدركنا جيداً ان الذي يدير الاعلام هو واحد، فقضية الالبياتي لتفاهتها أخذت صدى إعلامي اوسع من حجمها بكثير، مع ان (عباس البياتي) قدم اعتذاراً رسمياً عن سوء التعبير، لم يصبح من اصحاب الكساء، لكن الهدف كان شخص البياتي نفسه، على العكس من جريمة قتل المرشدي، فإن الأحداث حقيقية، والقتل مَوجود، والجثمان شيعت في بغداد تحت مراسيم عسكرية، لكن التفاعل معها لم يكون بالمستوى الذي يتناسب مع حجم الجريمة.
تلك المعطيات تدل على أمرين:
الاول: هو حدوث اتفاق بين العبادي والصدر بعد قتل المرشدي مباشرةً، حول غلق القضية تدريجياً، بعد امتصاص غضب الشارع الذي استمر لساعات قليلة، وهذا الاحتمال هو الأضعف، لأن المعطيات لا تتناسب مع ما حدث، وهذا ما سنذكره في الاحتمال الثاني.
الثاني: وجود اتفاق مسبق بين الصدر والعبادي حول قتل المرشدي، حيث يسلم المرشدي الى مليشيات الصدر للإقتصاص منه، بسبب قمعه مظاهراتهم في ساحة التحرير، التي راح ضحيتها قرابة الخمسة أشخاص من أنصار الصدر، بالمقابل كسب تأييد الصدر للعبادي لولاية ثانية، لأن الأخير حصل على الموافقة المبدئية من الأمريكان، لتوليه ولاية ثانية، ولكي لا يرغم الاول على تأييد الأخير كرهاً، كما حدث مع المالكي عندما كان الاول رافضاً لها رفضاً قاطعاً، فحاول استغلال العبادي للقصاص من المرشدي.
لعل البعض يعتبر ما طرحناه هو من الخيال، وهذا غير صحيح، فَلَو رجعنا قليلاً الى الوراء في ايّام المظاهرات، نجد إن جميعها كانت تتحرك بإتجاه البرلمان، ولَم تستهدف العبادي مطلقاً، حيث إن العبادي كان يتحرك بحرية كاملة اثناء المظاهرات، ولَم يعتدي عليه احداً حينها، وكان الصدر في كل مرة يذهب فيها الى بغداد، يتصل بالعبادي ليطلب منه ان يزوره في محل إقامته، والعبادي يلبي رغباته بدون تردد، حتى وإن كان مكرهاً، لأن الصدر يعتبر نفسه صاحب الفضل على استمرار حكومة العبادي، وعلى الاخير ان يرد ذلك الفضل بأي طريقة كانت، هذا من جانب.
اما الجانب الآخر: فإن اللذين خدموا بالسلك الأمني، يعرفون جيداً كيف يتحرك القادة الامنيين على السّاحة؛ فلا يمكن ان يتحرك المرشدي بدون علم السيطرات المتواجدة على الطريق الذي سيسلكه، ففي بعض الأحيان تكون هناك محاذير أمنية حسب مكانة ومنصب المتحرك، فتكون معلومات حركته استخباراتية، لا تعلم بها السيطرات الا عند وصول الوفد المتحرك بدقائق قليلة جداً، وبعض المرات يتم ابلاغ جميع السيطرات بالأمر مسبقاً، ويتم الإعداد له جيداً.
فحركة المرشدي معلومة في كل الأحوال، لدى أفراد سيطرة الحويش، التي تديرها (سرايا السلام)، فبمجرد وصول المعني الى مكان التنفيذ اجريت العملية في حقه، بدون اي صدّام مسلح متبادل بين الطرفين، وما حدث من إصابة لعنصرين من حماية المغدور إنما هي إكمال للمسرحية، التي كتبها العبادي ومثلها الصدر.
بالنهاية ستدون أقوال المشتبه بهم, ويحدد المنفذ للعملية, ويحاكم بتهمة القتل الخطأ, ويعوّض ذوي المقتول بمبلغ مناسب من المال, ويسجن القاتل, وتصبح جريمة قتل المرشدي في خبر كان، وينتصر القضاء والعبادي والصدر معاً، وتغلق القضايا العالقة بين الطرفين، ويخرج العبادي بمؤتمرات صحفية رنانة تدعو للقضاء على الفساد والمفسدين, ويخرج علينا الصدر بمظاهرات كبيرة تطالب بالإصلاح المكذوب، وتصفق الجماهير للطرفين، وتنفذ حينها المشاريع الغربية في العراق بمهنية متكاملة، ويداس الفقراء بأقدام الساسة الفاسدين تحت وطأة سلطتهم وقوتهم المصنوعة بحرفية عالية.