العراق مصغّراً، هو مطار النجف.. تحديداً العراق الحالي الواقع تحت حكم الإسلام السياسي.
العسف الدكتاتوري والحروب العبثية المُدمّرة والمُهلكة، هما أكثر ما كابدهما العراقيون في عهد النظام السابق، نظام البعث وصدام حسين .. والعراق الحالي الذي يجسّد مطار النجف صورة مصغرة له، أكثر ما يكابده هو الفساد الإداري والمالي السافر والمنفلت الذي تمارسه وتديره وتنظّمه أحزاب الإسلام السياسي، منفردة ومجتمعة، بوصفها الأحزاب المتنفّذة في السلطة الاتحادية وفي سلطات المحافظات الوسطى والجنوبية.
أمس نشرت “المدى” ( الصفحة الثالثة) قصة موثّقة عن مطار النجف، ملّخصها أن المطار الذي بُني بالمال العام المخصّص لتنمية الأقاليم، هيمنتْ عليه خمسة أحزاب متنفّذة في محافظة النجف، ومتنفذة في بغداد عبر الحكومة ومجلس النواب وما يسمى بالهيئات المستقلة، وجعلت منه ملكية خاصة تتصرّف بها على هواها، كما لو أن المطار دولة مستقلة لا علاقة لها بمحافظة النجف التي تتحكّم بها الأحزاب الإسلامية الخمسة ولا بالدولة العراقية التي تتحكّم بها هي الأخرى الأحزاب الخمسة ذاتها .. الإسلامية دائماً وأبداً.
أقلّ التقديرات تشير الى أن الأحزاب الخمسة استحوذت على 500 مليون دولار هي صافي عائدات المطار على مدى عشر سنين، وأن إدارة المطار المُؤلفة من ممثلين عن الأحزاب الخمسة، لم تترك فرصة للفساد من دون أن تنتهزها وتستثمرها، بشهادة النائب عن محافظة النجف صادق اللبّان الذي شغل في وقت سابق منصب المشرف العام على مطار النجف، وصرّح علناً مراراً بأن إدارة المطار الحزبية غير شرعية وأنها تقوم بأعمال منافية للقانون.
القصة التي نشرتها “المدى” أمس أوضحت أن الإدارة الحزبية للمطار تمارس سلطة أقوى من سلطة الحكومة العراقية والدولة العراقية كلها، فهي لا تبالي بالمناشدات والمطالبات والتحذيرات، ولا بالأوامر الديوانية الصادرة عن رئيس مجلس الوزراء المتعلقة بفرض سلطة الدولة على المطار.
البعض من الإسلاميين من أصدقائنا وزملائنا في حياة المنفى أيام المعارضة للنظام السابق، يعاتبوننا لأننا لا نكفّ عن الكتابة عن الفساد الإداري والمالي لأحزاب الإسلام السياسي وعن فشل هذه الأحزاب في إدارة الدولة. هم لا يدركون أننا إنّما نقدّم لهم خدمة مجانية بالكشف عن عيوب تجربتهم المرّة في الحكم.
يُمكننا بكل بساطة أن نتوقف عن كتابة من هذا النوع .. إنها مهنة أسهل من مهنة النقد والمعارضة، لكنّ ما العواقب التي ستكون؟.. الفساد يتضاعف والأخطاء تتراكم، وهو ما يمكن أن يقود الى انفجار شعبي عظيم في يوم من الأيام.
ذات مرّة قلتُ لأحد هؤلاء الأصدقاء من عهد المعارضة: الأمر الجيد أن العراقيين في يوم 9نيسان 2003 وبعده، لم يسحلوا بعثيين انتقاماً لما حلّ بهم من مصائب في عهد صدام، لكنّني أخشى حقّاً من أن يلجأ عراقيون الى عمليات السحل في حقّكم (الإسلاميين) يوم يسقط فيه نظامكم…
المؤسف أن هذه الخشية لم تزل قائمة!