تقتضي الإستراتيجية الإمريكية ،التي وضعها الرئيس دونالد ترمب والبنتاغون بعد إستلامه مقاليد الرئاسة ،في مواجهة الارهاب الدولي والقضاء عليه ،أن يقود تحالفاً عسكرياً دوليا كبيراً ، كالذي أنشأه الرئيس بوش الإبن لغزو العراق وإحتلاله، وظلّت المهمة عسيرة على الرئيس ترمب حتى يومنا هذا ، ومرد هذا الفشل يعود لفشل السياسة الأمريكية الخارجية، التي خلفها كتركة ثقيلة الرئيس السابق باراك اوباما له ، ولفشل الرئيس بوش الأبن في غزوه للعراق وإنشاء الديمقراطية الموعودة فيه،والتي تحوّلت الى كارثة حقيقية لأمريكا ، بعد إفتضاح نوايا بوش وأكاذيبه ،في إمتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل والعلاقة مع القاعدة، وفشل مايسمى بالمعارضة الغعراقية في قيادة العراق وتحويله الى بؤرة فساد طائفية عفنية، أحرقت الأخضر واليابس ، وتسليم العراق كلياً لايران ،من قبل أوباما بعد سحبه للجيش الامريكي وهزيمته في العراق عام 2011، ومن هنا فَقد العالم ثقته في الأدارة الامريكية اللاحقة ، لذلك عندما أراد الرئيس ترمب ترميم ما خلفه أسلافه واجه صعوبة بالغة، حتى داخل كابينته الوزارية ،وحصلت الكثير من الاقالات والفضائح ، كان آخرها إقالة وزير الخارجية ريكس تيلرسون،لفشله في أهم ملفين لترمب هما ملف إيران النووي والعسكري ،وملف كوريا الشمالية، إضافة الى مشاكل الرئيس ترمب في أماكن أخرى، مع روسيا وتركيا والاتحاد الاوروبي ،والتي وصلت حد إعلان الحرب مع تركيا ، كل هذه السياسات الفاشلة تحمّلها وسببها وزير خارجيته تيلرسون، اليوم تبدو الإستراتيجية الامريكية ناقصة، أمام هول الأحداث وجسامتها في المنطقة ،والتسريع في مواجهة الأوضاع الكارثية تتطلب العزم والاصرار للذهاب الى النهاية ،في تنفيذ إستراتيجية غير ناقصة في مواجهة أكثر من عدو في المنطقة ، ومن هؤلاء تركيا وروسيا وإيران ، أما تركيا فيمكن التفاوض معها وترك الرئيس أردوغان يحسم قضية إقامة دولة كرية بنفسه في الحدود التركية السورية ،مع ضبط إيقاع سلاح قوات الحماية القوات الكردية السورية وحزب العمال الكردستاني ، في معركة عفرين غصن الزيتون ، حتى وإن إنتقلت معركة غصن الزيتون الى الحدود التركية العراقية للقضاء على حزب العمال الكردستاني بمشاركة العراق في معركة شرق الفرات ، وهذا يجعل من العلاقة الامريكية مع تركيا مرهونة بوأد الحلم الكردي في المنطقة ، أما روسيا فهناك تدخلات وضغوطات أوربية من قبل فرنسا وبريطانية والمانية لتحييدها في سوريا ، وظهور أزمة تسميم الجاسوس الروسي في بريطانية وتهديد بريطانية وإتهامها لروسيا ،وتصاعد حدة التهديدات البريطانية لها ،جعل روسيا في موقف صعب جدا ومن الضعف السياسي الواهن ، وهذا ما ظهر في إرسال امريكا وفرنسا وبريطانيا حاملات الطائرات والصواريخ والبوارج الحربية الى سوريا لتحتشد هناك ، لكن الرئيس بوتين عقد تفاهمات مع الادارة الامريكية سابقا، ويمكن تفعيلها الآن ،وهي ضمان المصالح الروسية والهيمنة وتقاسم النفوذ مع هذه الاطراف في سوريا، مقابل السكوت على تحجيم إيران وطردها من سوريا والعراق، وإذا إقتضى الامر فإعلان الحرب عليها ، ومن هنا يكمن التحشد الامريكي – الغربي في سوريا ، ضد إيران والضغط على النظام السوري وتهديده امريكيا، وحسب الواشنطن بوست تقول( تستعد امريكا لتوجيه ضربة لسوريا) ، أو تصريح وزير الخارجية الروسي لافروف ( تهديد امريكا ضرب دمشق امرا غير مقبول ) ، إذن هل نشهد ضربة امريكية إستباقية لدمشق حسب معلومات لافروف ، للضغط على بشار الاسد ، للرضوخ وطرد حزب الله والميليشيات العراقية والحرس الثوري الايراني من سوريا، جميع المعطيات على الارض تؤكد أن هناك عملا عسكريا محدوداً على الاراضي السورية ، ولكن الحرب في مكان آخر تماما ، وما تهديدات إيران بسحب الأعتراف بالاتفاق النووي الايراني مع امريكا ودول الغرب إلا عملية جس نبض لأمريكا ، في حين كانت عملية إقالة تيلرسون من أحد أسبابها ،إصرار تيلرسون على عدم الانسحاب من الاتفاق النووي الايراني ، بمعنى أن الانسحاب الامريكي قاب قوسين أو ادنى ،كورقة استفزازية لايران ، وللغوص أكثر في مستنقعات لاتخرج منها في العراق وسوريا واليمن ، وهكذا صدرات تحذيرات شديدة اللهجة ضد إيران، تقول وتحذَر إيران من التدخل وتزوير الانتخابات العراقية ،وهذا فخ آخر لإيران لإيجاد مبررات لمواجهتها عسكريا وأرضية مقنعة للتدخل عسكريا ، ناهيك عن تهديدات ميليشيات عراقية ومطالبات الاحزاب العراقية رحيل القوات الامريكية فورا من العراق، والذهاب الى حكومة الاغلبية الدكتاتورية الطائفية ،للإستفراد في السلطة لصالح ايران ، من هنا فالمواجهة (حتمّية ) مع إيران قبل نهاية هذا العام ، وتصفية الاوضاع في سوريا ،على وفق تفاهمات دولية وأوربية وروسية هناك ،حتى وإن تطلب الامر ضربة محدودة (تأديبية) لنظام الاسد ، وما يجري في الغوطة، هو تمرين للضربة وإستعداد لمواجتها وإمتصاص الصدمة ، فالقوة المفرطة لروسيا والقوات السورية وحزب الله والميليشيات العراقية في معارك الغوطة ، جعل من الإستراتيجية الامريكية الاصرار على خوض الحرب هناك بأية صورية كمبرر لأعلانها، عليه فالإستراتيجية الامريكية الناقصة في كل من سوريا والعراق، جعلت التغول الايراني وميليشياته واضحة وأكثر قوة يستحيل مواجهتها ألآن دون إنشاء تحالف دولي ، وعزل وتحييد كل من تركيا وروسيا عن هذه الحرب، وهذا ما تفعله الان ادارة ترمب، في تغيير بعض بنود إسترلتيجيتها إبتداءا من تغيير وزير الخارجية ،وتعيين مايكل بومبيو الأشد عداء لإيران من تيلرسون، وتعيين هاسل لوكالة المخابرات الامريكية ، أي تأثيث البيت الامريكي من الداخل ، مرورا بعقد اجتماعات مع القوى الوطنية العراقية وبشتى مستوياتها ومنها قيادات وطنية وقومية وبعثية ، لمواجهة مرحلة مابعد الانتخابات العراقية ، التي سيتقرر مصير العراق ومصير إيران معا ، وما الزيارة المرتقبة لولي العهد السعودي للعراق، إلا تمهيداَ لإحتواء العراق، والتي نجحت القيادة السعودية بسحب البساط من تحت أقدام إيران، وإعادته الى محيطه العربي، وذلك بدعمه عسكريا واقتصاديا واعلاميا ،وترميم العلاقات مع دول الخليج العربي، وهذا ما يفسر الهجوم الشرس لأتباع إيران في العراق على السعودية ،وعلى زيارة ولي العهد السعودي ، وهذا أيضا دليل على نجاح المملكة بإرسال رسالة واضحة للادارة الامريكية، أن السعودية يمكن لها أن تلعب دورا إيجابيا مؤثراً في المنطقة ،يصبّ في صالح الأستراتيجية الأمريكية ،في مرحلة ما بعد القضاء على داعش، والاستعداد لمواجهة إيران والتحالف مع امريكا، إذا شنّت امريكا وحلفاؤها الحرب عليها ، إذا لم تستجب للنداءات الدولية ،بسحب قواتها وميليشياتها من كل العراق وسوريا واليمن، وتفكيك سلاح حزب الله اللبناني ، إن جميع المؤشرات والتصريحات والاستعدات تؤكد التصعيد العسكري ضد إيران وحزب الله ، في وقت تتفاوض المعارضة السورية مع النظام ،برعاية أممية ودوولية لتحييد النظام السوري، والتوصل الى هدنة مع المعارضة، وعزل التنظيم الارهابي لداعش والنصرة ، وهذا يسهّل عملية ابقاء النظام السوري والذهاب الى إنتخابات وتغيير سلمي للسلطة، وكتابة الدستور السوري الجديد ،على وفق تفاهمات أساسية مع المعارضة، وهذا واضح وجلي ،إذن الاستراتيجية الامريكية الناقصة ،أخرّت التغييرات الجذرية في المنطقة ،بعد الإنتهاء من معركتي الموصل التاريخية والرقة الإستراتيجية، وهذا ما تعمل إدارة الرئيس ترمب ،على إستعادة الوعي الامريكي في معالجة الفشل الامريكي في المنطقة وتعثّر إستراتيجيتها الناقصة في الشرق الاوسط…..