لقد فكرت طويلاً و ملياً و اجهدت نفسي كثيراً و اثقلتها بما لا تطيق و حاولت جاداً ان أنساه و ان يتجاوزه ذاكرتي و لكنه كان حاضراً عند كل انين و قطرة دم تسال و صرخة طفلٍ و أمٍ و مسنٍ و قطرة دمع و رأس قلم و حنين مهاجر يحلم بوطنه و ازقة مدينته التي خرج منها مرغماً , وسط كل هذه الامتزاجات و الافكار سؤال يراود في مخيلتي وربما في فكر الكثير و اكون صادقاً بأن ما اعيشه و ابحث عنه لست وحيداً بل لم ولن اكون فالطريق مليئ بأمثالي يبحثون عن جواب تلكم السؤال كل بأسلوبه و شاكلته هذا السؤال دفعني الى البحث المستفيض و قراءة الاحداث بدقة و هذا السؤال الذي غالباً ما اجاب عنها المؤرخين و القادة و الباحثين و لكن جوابهم لم يطفئ غليلي و لم يشبع عطشي لانها و ان كان حقيقة و لكنها في قرارة نفسي هي جزء من الحقيقة و تنقصها جزء مهم و حساس و عليه يقف الاجزاء الاخرى . هذا السؤال هو ما هو السبب الذي جعل الشعب الكوردي ممزقاً بين اجندات دول العالم و ما هو سر وجودهم كمادة دسمة على طاولة المفاوضات و الحوارات و على دم شبابه و عجز مسنه و دمعة إمرأته و طفل فاقد ابويه منتشلاً من تحت الانقاض تتم الاتفاقات و تقسيم الكعكة بينهم و ما ان يخرج راسه من حجره إلا و تبدأ دول الاضداد المجاورة والعالم بنسج المؤامرات و توقيع الاتفاقات و كأنهم وجودوا ليقفوا في وجه طموحات هذا الشعب المسكين المغلوب على أمره .
لقد حاول الكثير الاجابة على هذا السؤال و منهم من ربطها بالظروف الموضوعية و المصالح الدولية و الموقع الجغرافي و وجود الثروات الطبيعية و عدم قدرة القيادات السياسية من لعب دورها و الاستفادة من الفرص و استغلالها و ما الى ذلك من اسباب و قد اتفق معهم و لكني قد اختلف معهم في فقرة واحدة وهي حقيقة مُرة مرارة الحنظل و ثقيلة كثقل الجبال و هي ان حُبنا لقوميتنا تحمل علامات استفهام عديدة و اننا لم نكون صادقين مع ارضنا و مياهنا و سماءنا – مع تقديري لكن من احب قوميته و ناضل من اجلها و ضحى بالنفيس من اجلها – فلكل قاعدة شواذ , اذ ان الظروف و الوقائع الداخلية و منهجية الاعداء زرع في نفوسنا الولاء للمناطق و المدن و الاحزاب و القوى السياسية اكثر من ولاءنا لقوميتنا الكوردية فكل تيار و اتجاه ربط وجود الشعب الكوردي بوجوده و يرفع شعاراً قومياً براقاً و يجعل من نفسه حامياً و حارساً امنياً لحقوق الشعب الكوردي ، و يصنف غيره بالخيانة و اداة المؤامرة بيد الاعداء، لذا بات حب الاحزاب و القوى السياسية اولى من حب القومية و الوطن مع العلم ان هذه الاحزاب والقوى و جدت لخدمة القومية و هذه ليست دعوة للعنصرية او الشوفينية لأن حبي لقوميتي لا تعني بأي شكل إنكار الاخر او التجاوز على حقوقه , و ان طبيعة الشعب الكوردي بات مناسباً لزرع مثل هذه الافكار فقد قيل قديماً ان الشعب الكوردي شعب يحب غيره اكثر من نفسه و مثله الافغان و ان الدلائل الواضحة على ما ذهبت اليه :
ان احترامنا و حبنا لضحايا و مناسبات قوميتنا لا ترتقى الى المستوى المطلوب فمثلاً شاءت الاقدار ان تصادف مناسبة مرور ثلاثين عاماً على مجزرة حلبجة في 16/3/1988 يوم الجمعة ، و اجلالاً لهم جرى العرف ان تطلق صفارات الانذار و تقف حركة السير لمدة خمس دقائق في الساعة الحادي عشر صباحاً و يقف الجميع بصمت و في يوم الجمعة لم تخرج الا القليل من المواطنين الى الشارع و حتى غالبيتهم لم تعرف المناسبة إلا بعد ان سمع صوت الصفارات او شاهد في التلفاز و ربما كان غارقاً في نوم عميق ذهب به الى احلام نرجسية خائبة ، و هذا على سبيل المثال لا الحصر . و اذا كان مبررنا انها وقعت منذ زمن فأن مأساة كركوك و طوز خورماتو و عفرين لا تزال جراحاً ينزف الدم منها و ان احتجاجاتنا و استنكارنا لم تخرج من اطار شبكات التواصل الاجتماعي او آصدار البيانات من هنا و هناك .
ان حبنا و احترامنا لتراثنا تحمل الكثير من الاستفهامات فالقادة و العظماء و الحكام جزء مهم من تاريخنا و العالم اجمع تفتخر بهؤلاء القادة الذين ضحو بجل حياتهم في سبيل اوطانهم و حقوق شعوبهم ، اما نحن فقد جعلناهم رموزاً حزبية و مناطقية بدلاً من وضعهم في اوسع نطاق فالشمالي لا يعترف بقادة و عظماء الجنوب و الشرقي لا يعترف بالغربي و العكس صحيح تماماً .
و عليه فأذا كان حبنا لقوميتنا ضعيفة و ربما هناك من يفضل القوميات الاخرى على قوميته ، فأننا ننتظر الاسوء و الاسوء و يكون الاتي ادهى و امر ، و ان العالم غير مسؤول عن زرع حب القوميات في نفوس شعوبها و انما الشعوب هي التي تفتخر بأنتماءاتها القومية و تدافع عنها و تضحي من اجلها و اكرر انها ليست دعوة للعنصرية و انما هي التعامل بالمثل وهو حق طبيعي و انساني مشروع .