تحت عنوان (نعم دولة رئيس الوزراء حان للتحالف الشيعي الكردي ان ينتهي فقد كنا ضحاياه) نشر مؤخرا النائب السابق ظافر العاني مقالا تعرض فيه للتحالف الشيعي- الكردي ولأمور اخرى كألاجتثاث وفضيحة سجن ابو غريب و(تهميش السنة) وغيرها. وكعادته جانب العاني الحقيقة والصواب والموضوعية في الطرح قافزا على الكثير من الحقائق والشواهد التاريخية أومشوها لبعضها. وقبل الاجابة على المغالطات الكثيرة التي عج بها مقال النائب السابق أجدها فرصة لفتح باب النقاش لمعرفة حقيقة ما جرى في العراق منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في عشرينيات القرن المنصرم, وأدعو الكتاب والباحثين للمشاركة في هذا النقاش لإثرائه وإماطة اللثام عن الحقائق وبعضها “حادة كنصل السيف”* والتي سعى ويسعى البعض لطمسها.
ففي عقيدتي ان ما حدث في 9/4/2003 وما بعده هو نتيجة حتمية للأسس الخاطئة التي شُيدت عليها الدولة العراقية الحديثة على يدي سلطات الاحتلال البريطاني والأباء السنة المؤسسين للنظام السياسي الحديث والذين دخلوا في تحالف انتهازي مع المحتل ضد الكثرة الكاثرة من ابناء الشعب العراقي وذلك من اجل الفوز بالامتيازات من ناحية, ولدوافع طائفية مقيتة عند بعضهم من ناحية اخرى وكما سيتبين لنا في ثنايا هذا المقال, وهو الامر الذي يحاول البعض جاهداً تجنب الخوض فيه عند التحدث عن الازمات السياسية التي مرَّ بها العراق منذ عام 1920 ولساعة كتابة هذه السطور.
ان ما نعيشه اليوم هو تحصيل حاصل للمعادلة السياسية المجحفة التي بنيت عليها الدولة العراقية الحديثة على يد الانكليز, ومن هنا ينبغي على كل باحث موضوعي العودة الى جذور المشكلة والازمة عند تناولها لا القفز عليها وتشويه الحقائق او بترها, والتحالف الشيعي – الكردي الذي هاجمه النائب السابق هو واحد من افرازات تلك المعادلة الظالمة وليس وليد الساعة, لذا كان الاجدر به العودة الى الجذور الحقيقية للمشكلة ولكنه لم ولن يفعل ذلك لانه يخشى اكتشاف الحقيقة المرة والتي ستخبره ان الشيعة والاكراد كانوا ضحايا التحالف النكد بين الاحتلال البريطاني والنخبة السياسية السنية التي شكلت النواة الاولى للنظام السياسي الحديث في العراق, ولزاماً علينا هنا التفريق بين النخبة السياسية وبين عوام ابناء الطائفة السنية, اذ لايمكن اخذ طائفة بأكملها بجريرة حفنة من ابنائها طوعت لهم انفسهم تهميش اخوانهم في الوطن من الشيعة والاكراد, وعليه فحيثما وجدت كلمة (السنة) في ثنايا هذا الحديث فإن المقصود بها النخب السياسية والعسكرية والتكنوقراط السنة الذين تداولوا على الحكم والسلطة في العراق وليس جمهور ابناء السنة.
الجذور التاريخية
زعم كاتب المقال ان التحالف الشيعي- الكردي موجه ضد السنة وأنهم “ضحاياهذا التحالف” وهنا تبدأ مسرحية تدليس وتزييف الحقائق التي تعودنا على سماعها من البعض, اذ ان التحالف الشيعي-الكردي لم يكن يوما ما موجها ضد طائفة معينة _كما يحاول كاتب المقال تصويره_ بل كان ضد الانظمة الديكتاتورية التي تعاقبت على حكم العراق منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة بين عامي 1920و1921 وفقا لأتفاقية كوكس- النقيب والتي تم بموجبها دعم الاقلية وتهميش الاكثرية تنفيذا للمبدأ الاستعماري البغيض فرق تسد, وتماشيا وسياسة الاحتلال البريطاني حينها في الدول المُستعَمَرة تلك السياسة التي قامت على مبدأ تسليط الاقليات في المنطقة ومنحها ألامتيازات على حساب الاكثرية كائنا من تكون الاكثرية (طائفية,عرقية, قبلية) وبذلك تظل الاقلية معتمدة في بقائها على الاحتلال والقوى الخارجية ومحتاجة اليها دوماً وهذا مايعرف بـ(سياسة الاستقواء بالخارج) وبهذه السياسة تضمن القوى الخارجية وجودها المستمرفي الدول المُستعَمَرة طالما بقت الاقلية في دفة الحكم, وهكذا تم تشييخ أسر صغيرة في دول الخليج كأقليات موالية للاستعمار البريطاني على حساب الاكثرية من ابناء تلك الدول, وأصدق نموذج على ذلك نظام آل سعود في شبه جزيرة العرب بعد ان نكث البريطانيون بوعودهم التي قطعوها مع الشريف حسين أمير مكة والحجاز, وقصة اقصاءه عن الحكم واستبدال آل سعود مكانه معروفة. واما في العراق فقد كان الحكم من نصيب الاقلية السياسية التي سايرت الاحتلال ولم تعترض عليه, وكانت أغلب النخب التي قادت العراق قد خرجت من رحم الاقلية السياسية وهم من ابناء الطائفة السنية مع وجود مشاركة لليهود كما في حالة الوزير ساسون حزقيل حيث تشكلت النواة الاولى للنظام السياسي في العراق بغياب واضح للأكثرية السكانية والاغلبية السياسية من الشيعة والاكراد التي رفضت الاحتلال.
من الحقائق التاريخية ان سلطات الاحتلال البريطاني عاقبت الشيعة والاكراد لانهم قاوموا قواتها عند دخولها العراق حيث واجهت في معارك الشعيبة والرارنجية مقاومة شرسة وتكبدت خسائر جسيمة على يدي المجاهدين المقاومين, ولعل اهزوجة (الطوب احسن لو مكواري) خير شاهد على ما حدث يوم قاتل ابناء الاكثرية بصدور عارية الا من الايمان بالله وحب العراق قوات الاحتلال البريطاني المدججة بالاسلحة الثقيلة والطائرات, بينما انبطح الاخرون امام تلك القوات, ويذكر لنا التاريخ نصوصا من مقولات ومراسلات السيد عبد الرحمن النقيب _ رئيس وزراء اول حكومة عراقية_ تحت الاحتلال للمس بيل سكرتيرة الحاكم العسكري وتعظيمة للاحتلال ومقولته الشهيرة لها ” خاتون انتم أمة عظيمة منتصرة ونحن أمة مهزومة فيحق لكم حكمنا”, وتشويهه المستمر ولدوافع طائفية سمعة الاكثرية في حين كان زعماء الاكثرية المهمشة يشحذون همم اتباعهم لإعلان الثورة الكبرى والتي عرفت بثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني وكانت قد سبقتها ثورة النجف الاشرف عام 1919.
يوم كان اجدادنا يستبسلون لتلبية نداء الثورة,ويخوضون الجهاد, ويرخصون أرواحهم في سبيل الوطن المحتل, كان اجداد الطائفيين_الذين استأثروا بالحكم فيما بعد_ يمسحون اكتاف المحتل في سبيل الحصول على الامتيازات, ويستقوون به ضد أخوانهم في الوطن فكان لهم ما ارادوا حيث نصبهم المحتل حكاماً على العراق مكافأة لهم لتخليهم عن دولة الخلافة العثمانية التي طالما أغدقت عليهم بعطاياها وبالالقاب على اعتبار انهم من طائفتها بينما صبت جام غضبها على الاكثرية المخالفة لها بالانتماء الطائفي, وحرمتها من ابسط حقوقها حتى شاع بين العراقيين مقولة (لا من الخشب ماشه ولا من الشيعة باشا) والباشا لقب كانت تمنحه السلطات العثمانية للعسكريين الذين يصلون الى رتبة عالية, فأخذوا الوطن والحكم والامتيازات وأخذ أجدادنا الثوار المجاهدين الوطنية التي كان نتاجها التهميش والاقصاء والسجون والتهجير والمقابر الجماعية لهم ولإحفادهم وأخيرا وليس آخرا الارهاب الاعمى المتواصل ليومنا هذا.
لقد اختلطت دماء الشيعة بالاكراد دفاعا عن حياض العراق, وعن بيضة الاسلام في حركة الجهاد التي قادها المجتهدون والمراجع الشيعة فكانت هذه البداية للتحالف التاريخي بينهم ليستمر بعد ذلك طيلة عقود, واذا ما قرر النظام العارفي الطائفي محاربة الاكراد للقضاء على ثورتهم مستعينا بفتاوى علماء السوء من وعاظ السلاطين تصدت له المرجعية الشيعية في النجف الاشرف وألقمته حجرا حينما أفتت بحرمة قتل الاكراد اواضطهادهم كونهم مسلمين (ودم المسلم على المسلم حرام) لتقوي هذه الفتوى التاريخية التي اصدرها المرجع الراحل محسن الحكيم (رضوان الله عليه) عرى التحالف الشيعي- الكردي وليصل بعد ذلك الى ذروته خلال سنوات مقارعة النظام الصدامي البعثي. هذه نبذه سريعة جدا للجذور التاريخية للتحالف الشيعي- الكردي والمراحل التي مر بها _ولو أردت لأفضت ولكن حرصا مني على الاختصار_ وهو كما ذكرنا تحالف موجه ضد الاحتلال البريطاني ومن بعده صنيعته الانظمة الديكتاتورية الطائفية , فلم يكن ولن يكون يوما من الايام موجها ضد ملة او نحلة او “ثأرا” من احد.
تمذهب الدولة
وضعت اتفاقية كوكس- النقيب الاساس لما عرف بمبدأ (تمذهب الدولة) والذي على ضوءه تسلم السنة من البريطانيين حكم العراق, واستمروا فيه حتى عام 2003 بإستثناء مدة حكم الزعيم عبد الكريم قاسم والذي حاول صادقا رفع الحيف الذي لحق بالاكثرية, لكن الطائفيين لم يمهلوه كثيرا, وسارعوا الى القضاء عليه بإنقلاب دموي ليعود العراق الى المربع الاول حيث حول النظام العارفي الطائفية السياسية الى خطة عمل ومنهج, وبالغ كثيرا في إستخدامها مما ادى الى تمذهب مؤسسات الدولة العراقية, ولم يسلم من ذلك حتى الاقتصاد العراقي والتجارة حيث سارع النظام العارفي لاصدار حزمة من القوانين التي جرد بموجبها الصناعيين والتجار الشيعة والاكراد من رؤوس اموالهم تحت يافطة التأميم والتحول الى النظام الاشتراكي في حين كانت الغاية السياسية من وراء ذلك هي تجريد الاكثرية من مصادر قوتها الاقتصادية التي يمكن ان تستغل ضد النظام الحاكم وهي ذات السياسة التي أتبعها صدام فيما بعد .
ان تمذهب الدولة مثلَ وعكسَ الطائفية السياسية بأبشع صورها حينما حصر الحكم وامتيازته بيد طائفة بعينها وحرم الاخرين منه, ومن هنا شعر الشيعة والاكراد بالغبن رغم التضحيات الجسيمة التي قدموها في سبيل الحصول على استقلال العراق وحصوله على سيادته الناجزة, وكانوا يتوقعون من اخوانهم السنة انصافهم لاسيما بعد انتهاء مرحلة الاحتلال البريطاني المباشر للعراق ودخول العراق الى عصبة الامم المتحدة عام 1932 كدولة مستقلة ذات سيادة. بيد ان شيئا من ذلك لم يحدث حيث استمرت الاقلية بالاستئثار بالحكم ضاربة بعرض الحائط مطالب الاكثرية التي لم تجد امامها سبيل سوى التحالف فيما بينها من اجل نيل حقوقها .
المرجعية وفضيحة ابو غريب
يعتبر السيد ظافرالعاني ماحدث للسنة مع الامريكان وللسجناء في (سجن ابوغريب) “ثمرة” من ثمرات التحالف الشيعي- الكردي لفترة ماقبل الاحتلال, ويستغرب من عدم صدور اي تنديد _على حد زعمه_ من المرجعية الشيعية حينها لهذه الفضيحة مستثنيا من ذلك السيدين مقتدى الصدر والصرخي, وهو بهذا الطرح يعيد تأكيد نظرته الى التحالف الشيعي- الكردي من كونه تحالف موجه ضد السنة في العراق, ولا ادري كيف توصل العاني الى هذا الربط, فسجناء (أبوغريب) كان فيهم السني والشيعي, وكونه لم يسمع بتنديد من المرجعية الشيعية فليس معناه ان المرجعية لم تندد ولم تستنكر هذه الفضيحة (فعدم العلم لايعني عدم الوجود) كما يقول الفلاسفة, علما ان المرجعية الدينية في النجف الاشرف احرص من غيرها على كرامة كل العراقيين, ويكفي هنا ان استشهد بما ينقل دائما عن المراجع العظام في النجف الاشرف قولهم (لاتقولوا اخواننا السنة بل قولوا انفسنا السنة) اي ان المراجع يشددون على اتباعهم النظر الى السني على انه نفس الشيعي اذ ان (الإخوّة) تحصيل حاصل بالنسبة لهم, هكذا ينظر الشيعة ومرجعيتهم للسنة,وبهذه العقلية المنفتحة يتعاملون,ولم افهم ما علاقة التحالف الشيعي- الكردي ماقبل الاحتلال بالمرجعية الدينية في النجف الاشرف؟ ولا ادري لماذا نسى او تناسى السيد العاني موقف المرجعية الدينية الرافض للعنف الطائفي, اذا لولاها لكان العراق غرق في دوامة العنف الطائفي وهذا أمرلاينكره حصيف منصف. واقطع جازما انه لو كان هنالك “تشجيع”من المرجعية الدينية “لما يقاسيه العرب السنة مع الامريكان” على حد زعم السيد ظافر العاني لما بقي سني واحد في بغداد أو ديالى حيث يتواجد الشيعة والاكراد بكثرة في هاتين المدينتين. فعلى السيد ظافر العاني ان يشكر الله والمرجعية الدينية التي حقنت دماء العراقيين لا ان يشكك فيها.
الاجتثاث والسنة
وفي مغالطة واضحة وصريحة يزعم النائب السابق ان عدم تطبيق الاجتثاث بحق الاكراد مع ان ” بعضهم كانوا وزراء في عهد صدام وفرسان في قواته ومخبرين لأجهزته الامنية” سببه وجود التحالف الشيعي-الكردي. ونحن نتساءل لوكان الامر كذلك فلماذا لم يمنع هذا التحالف اجتثاث البعثيين الشيعة هذا اولا, ولأن الاجتثاث وبكل بساطة كان ومازال يطبق بحق الاشخاص الذين يتقدمون لشغل مناصب وظيفية في الدولة هذا ثانيا, وعليه لو ان كرديا بعثيا تقدم بطلب الحصول على وظيفة في اجهزة الدولة لطبق بحقه الاجتثاث, وأنا شخصيا على علم ببعض الحالات لأكراد شملهم قانون الاجتثاث مما حال دون حصولهم على مبتغاهم, بل اكثر من ذلك ان حالات كثيرة من البعثيين تم استثنائهم من الاجتثاث بغض النظرعن هويتهم الطائفية او العرقية وافضل مثل على ذلك هو رفع الاجتثاث عن “الدكتور صالح المطلق واخرين ” بعد ان اعلنوا برائتهم من حزب البعث الصدامي ووقعوا على تلك البراءة, وبعض من هؤلاء يشغل حاليا مناصب قيادية عليا في السلم الوظيفي فهذا دليل على عدم وجود “تطهير طائفي” بحق السنة كما زعم السيد ظافر العاني والذي استفاد هو شخصيا من الاستثناء من الاجتثاث بعد ان قدم براءته من البعث .
تهميش السنة
لم ينس السيد ظافر العاني في مقاله عزف سمفونية (تهميش السنة) والتي مافتئنا نسمعها منذ عام 2003 وهي سمفونية نغماتها طائفية, فهل السنة كما يدعي السيد النائب السابق مهمشون حقا في النظام السياسي الجديد في العراق ؟
اولاً ماذا نفهم سياسيا من مفردة (تهميش)؟ التهميش يعني الاقصاء عن قصد وعمد, والذي يقدح في ذهن المستمع لهذه الكلمة ان الاكثرية السكانية_وهم هنا الشيعة والاكراد_ اقصت وابعدت الاقلية العددية _السنة_ عن مفاصل الحكم وأمتيازاته وعن صنع القرار السياسي. فهل صورة الحكم الحالي في العراق كذلك؟ الجواب ووفقا للمعطيات على ارض الواقع هو لا. ومادام السيد العاني يتحدث عن (تهميش السنة) صراحة, فدعونا نتحدث مثله بصراحة لنرى ماذا يقول واقع الحال في العراق.
واقع الحال يقول ان أبناء السنة موجودون في كل مفاصل الدولة والحكم, ويشاركون في صناعة القرار السياسي من اعلى مستوى الى ادناه, ويتمتعون بامتيازات الحكم من دون فرق عن بقية شرائح وفئات الشعب العراقي. ولنتكلم بلغة الارقام حتى يتبين الخيط الابيض من الاسود وحتى يحصحص الحق, فنقول ان الحكم في العراق الحالي يقوم على مبدأ فصل السلطات الثلاث اي التنفيذية والتشريعية والقضائية, هذه اعمدة الحكم في العراق, ويتفرع عنها اجهزة ومؤسسات تخضع جميعا لمبدأ المحاصصة الطائفية والعرقية على اساس النسب التي منحت السنة نسبة اكبرمن نسبتهم الواقعية التي يقدرها معهد (سمشين الامريكي للدراسات الاسترايجية ) في احسن حالاتها بـ 12% (اثنى عشر بالمائة) ومع ذلك فقد منحوا حصة ونسبة اكبر من ذلك, وبالتأكيد فإن الزيادة في نسبة السنة جاءت على حساب نسبة الشيعة, لا ضير في ذلك اذا كان هذا الامر يُشعر السنة بالطمأنينة هذا هو لسان حال الشيعة (أم الولد).
ان مقارنة موضوعية بين حال الشيعة والاكراد ايام حكم الانظمة السنية لهم من عام 1920 والى عام 2003 وبين حال السنة من بعد التغيير في عام 2003 والى ساعة كتابة هذه السطور تكشف ان السنة_ونقصد النخب السياسية السنية_ همشوا الشيعة والاكراد طيلة فترة حكمهم التي ربت على الثلاث وثمانون سنة, ناهيك عن الظلم والحيف الذي لحق بالشيعة والاكراد على يد الانظمة السنية التي تعاقبت على حكم العراق بإستثناء فترة الزعيم عبد الكريم قاسم والتي لم تدم طويلا, والكل شهد نهاية حكم الانظمة السنية والتي كان حصيلتها مئات المقابر الجماعية التي ضمت رفات مئات الألوف من الشيعة والاكراد, وبالتأكيد فإننا لانأخذ ابناء الطائفة السنية بجريرة الانظمة والسلطات السنية, ونحن هنا نتحدث عن تاريخ قريب ولا نحاول ” ارجاعها الى الف عام مضت” على حد تعبير السيد ظافر العاني.
ان ممثلي السنة اليوم في مجلس النواب _السلطة التشريعية_ هم من السنة انفسهم ومن ابناء المدن السنية, بينما كان ينوب عن المدن الشيعة والكردية سُنة في ايام حكم الانظمة السنية في تطبيق تعسفي لمبدأ (تمذهب الدولة) الذي مرَّ ذكره, وفي ممارسة عملية قسرية لسياسة الاستحواذ الطائفي, وما ينطبق على السلطة التشريعية ينطبق هو الاخر على السلطة التنفيذية, فقد درج العرف السياسي والوظيفي _أيام حكم السنة_ على تعيين متصرفين وقائمي مقام او محافظين من السنة في المناطق والمدن الشيعية والكردية حتى أمست القاب مثل الدوري والحديثي والتكريتي والعاني تحكم تلك المدن او تمثلهم في مجلس النواب سواء في العهد الملكي او العهد الجمهوري.
ان المحافظات السنية الثلاث_ذات الاغلبية السنية_ يحكمها اليوم مثلما كانت من قبل ابناءها , ولم يحدث ان عُيّن شيعيا او كرديا في العهد الجديد محافظا او قائمقاما في محافظة ذات اغلبية سنية, حالة واحدة حدثت حينما اراد القائد العام للقوات المسلحة السيد نوري المالكي تعيين مديرا للشرطة من اهالي الكوت في مدينة الموصل بعد تدهور الاوضاع الامنية فيها فرفض اهل المدينة ذلك واعتبروه (تدخلا) في شؤنهم الداخلية وطالبوا ان يكون مدير الشرطة منهم فكان لهم ما ارادوا.
ان سنة العراق في ظل نظام الحكم الحالي يعيشون_وهذه ليست مِنّةٌ من احد_ افضل مما عاشه الشيعة والاكراد في ظل الحكم السني الذي ناهز على الثلاثة والثمانين عاما, يوم عاش الشيعة والاكراد التهميش بأجلى صوره وحيث ان ” من مجموع مدة (68) عاما أشغل رئاسة الوزراء فيها خمسة رجال شيعة لمدة اقل من ثلاث سنوات اي بنسبة 4,48% ومن بين 59 وزارة ملكية ألف الوزارة خمس مرات رؤساء وزراء شيعة اي بنسبة 8,47%. اما في العهد الجمهوري مابين عامي (1958-1988) فقد اشغل رئاسة الوزراء رجل شيعي واحد ولمدة عشرة شهور خلال ثلاثين عاما اي بنسبة 2,7%. ” (العلوي,الشيعة والدولة القومية في العراق, ص200). والشئ بالشئ يذكر ان وصول الشيعة الى رئاسة الوزراء في عهد الانظمة السنية كان بعد مرور (25) عاما على تأسيس الدولة العراقية الحديثة بينما اعتلى السنة اعلى المناصب القيادية في عهد (الحكم الشيعي) من اول يوم تشكل فيه مجلس الحكم في عام 2003 حيث تناوبوا على رئاسته شأنهم شأن الشيعة والكرد.
واذا ما اردنا الاستمرار بالتحدث بلغة الارقام في وقتنا الراهن فسنرى ان السنة موجودون في كل مفاصل الدولة بدءً برئاسة الجمهورية حيث يمثلون بنائب رئيس الجمهورية, مرورا برئاسة الوزراء حيث موجودون بشخص نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات, ورئاسة مجلس النواب التي يتمثلون فيها بشخص رئيس المجلس بالاضافة الى عشرات النواب والوزراء والسفراء ومئات المدراء العامين وقادة الجيش والضباط واصحاب الدرجات الخاصة.
فعن اي تهميش يتحدثون ؟ وهل يمكن لمواطن من الدرجة الثانية كما يزعمون ان يشغل كل هذه المناصب السيادية الحساسة ؟ ياليت الشيعة والاكراد في ظل الانظمة السنية التي تعاقبت على حكمهم قد عومِلوا كما يُعامل السنة اليوم في ظل التحالف الشيعي- الكردي في العراق. ان ظلم الشيعة وتهميشهم سُنة دأبت عليها الانظمة السنية ليس في العراق فحسب بل في اغلب دول المنطقة التي يتواجد فيها الشيعة ودونك مايحدث الان من قتل وتهميش واقصاء للشيعة في البحرين وهم الاغلبية الساحقة, وما يتعرض له الشيعة في السعودية من اقصاء رغم ان النفط السعودي يأتي من مناطقهم. نتمنى ان يُعامل الشيعة في هذه الدول بعشر معشار ما يُعامل السنة في العراق حاليا.
أخلص للقول ان تصريحات السيد ظافر العاني عن (تهميش السنة) مزاعم وادعاءات لايقوم عليها دليل, وان من يسمع البعض يتحدث عن (تهميش السنة) وعن سياسة (التميز المناطقي) لمدنهم يتخيل له ان المناطق الشيعية قد تحولت الى جنة عدن, وان ناطحات السحاب في الناصرية و كربلاء و العمارة فاقت في ارتفاعها وعددها ناطحات السحاب في مانهاتن او شيكاغو, وان سوق العورة او سوق مريدي في مدينة الصدر بات يضاهي (دبي ستي سنتر مول), او ان سوق التجار في الديوانية بدأ ينافس اسواق (هارودز) في لندن , وان ميناء ام فلوس في البصرة بات اشبه بميناء شنغهاي.
ان واقع الحال يقول ان مدن الشيعة ومناطقهم الغنية بالنفط والثروات الطبيعية والبشرية لاتزال الاكثر تخلفا في العراق رغم ان موارد العراق بمعظمها تأتي منها, ومع ذلك فأن الشيعة لايزالون يصرون _ رغم ما في ذلك الاصرار من اذى لهم_ على وحدة العراق ارضا وشعبا لا لشئ الا لانهم وطنيون حقا أخذوا الوطنية وغيرهم أخذ الوطن كما يقول الكاتب والمؤرخ الكبير حسن العلوي. إن السيد ظافر العاني ضاق ذرعا من (التهميش) بحسب زعمه للسنة خلال السنوات الثمان الماضية, فما عسى الشيعة والاكراد ان يقولوا وهم الذين همشوا لأكثر من ثمانين عاما. ترى هل سيتحسس العاني وأمثاله معاناتنا وعذاباتنا التي كابدناها طوال العقود الثمان المنصرمة يوم قدر لعبد الحسن وعبد الحسين وكاكا حمه ان يعيشوا الذل والهوان والتهميش والاقصاء؟ أشك في ذلك مادام الغلو الطائفي هو المنطلق الذي ينطلق منه في قراءة التاريخ والتعاطي مع مفرداته.
كلمة اخيرة
أن المغلطات التي ساقها السيد ظافر العاني في مقاله المشار اليه في أعلاه حول التحالف الشيعي -الكردي جعلتني أكتب ما كتبت ردا عليه, وفتحا لباب النقاش, وتوضيحا للحقائق, وانني اتطلع ان يشارك زملائنا الكتاب والباحثون في هذا النقاش علنا نصل الى كلمة سواء نحفظ بها وحدة شعبنا ووطننا ونبني بلادنا التي انهكتها سنوات الحروب, ولم أخط هذه الاسطر مدافعا عن تحالف ما او مقدسا له ففي عالم السياسة كل شيء قابل للتغيير, وكم اتوق الى اليوم الذي ارى فيه تحالفا عراقيا يشترك في الجميع لبناء عراق ديمقراطي موحد. إن توضيح واقع التحالف الشيعي- الكردي لايعني بالضرورة تزكية سياسات هذا التحالف او أنه مقدس لاينتقد مثلما هو ليس بـ”مشبوه”, او ان موقفنا المؤيد له سيدوم للأبد, اننا مع هذا التحالف مادام هذا التحالف يعمل لأجل مصلحة كل العراقيين ونتمنى ان يتوسع ليشترك به الاخرين وليشمل جميع فئات الشعب, فالعراق بحاجة الى كل ابناءه, وباب التوبة مفتوح أمام من أخطا يوما في حساباته السياسية وجلَّ من لايخطأ.
وكم تمنيت لو أن السيد ظافر العاني وبدلا من استغراقه في مهاجمة التحالف ومحاولته غير (البريئة ولا الصافية) لخلط الاوراق والتصيد بالمياه العكرة ان يقف مع نفسه هنيئة ويسائلها لماذا أستمرالتحالف الشيعي-الكردي بعد عام2003؟ وما اسباب بقائه لحد الان رغم الفتورالذي أصابه الان بسبب الازمة السياسية الراهنة؟ ولماذا فضل الشيعة وهم عرب أقحاح الاستمرار بالتحالف مع الاكراد وليس مع اشقائهم السنة ؟
والجواب على هذه الاسئلة هو ان احجام السنة عن المشاركة بالعملية السياسية, ومقاطعتهم أياها,ووقوفهم ضد العملية الديمقراطية الفتية, وتحول مناطقهم في البداية الى حواضن للمجاميع الارهابية, وتأليبهم المحيط العربي على الشيعة, وتخوينهم اياهم واتهامهم تارة بـ(الصفوية) وأخرى بـ(الطائفية) اجبر الشيعة على الاستمرار في تحالفهم مع الاكراد لاسيما انهم والاكراد اضحوا ومدنهم واحيائهم هدفا سهلاً للارهاب الاسود الذي باركه بعض السنة على اعتبار انه (جهاد) ضد (الروافض) الشيعة, وعلى اعتبار انه (مقاومة) “للاحتلال الامريكي- الايراني”.
اقولها صادقا إن المتطرفين السنة لم يتركوا للشيعة خيارا سوى الاستمرار بتحالفهم مع الاكراد, وبكلمة أخرى ان تحالف(السنة- الارهاب) دفع الشيعة ولايزال يدفعهم للاستمرار في تحالفهم مع الاكراد, وفي عقيدتي أن الكرة في ملعب السنة, وأن الفرصة لاتزال سانحة أمام المعتدلين منهم لتصحيح اخطاء المدة الماضية, وإعادة تقييم مواقفهم من الشيعة, فقدرنا أن نعيش معاً, ودم يعرب الذي في عروقنا واحد, وجذورنا واحدة. اللهم أشهد اللهم اني بلغت.
*كل مافي اقواس الاقتباس من عبارات هو من كلام السيد ظافر العاني والذي يمكن ان تجدوه في الرابط ادناه.
http://ipairaq.com/?p=66816