جاهر غالبية الكرد بمشاعرهم القومية على وقع الازمة واظهروا دليلاً اخر يضاف الى الادلة الكثيرة الموجودة في ملف القضية الكردية في العراق بان الاخوة الاكراد لم ولن يتمكنوا من الانتماء الى العراق كدولة منذ حروبهم في الجبال في بداية الاربعينات. طبعاً هذا الكلام هو نتيجة لدراسة مطولة تحت الانجاز تُظهر ان وجود الاقليم الكردي على وضعه الحالي مضر جداً بجسد الدولة العراقية ولا امل من تنازل القيادات الكردية او الشعب الكردي الواقع تحت تاثير الاعلام القومي الانفصالي العاطفي, لا أمل من التنازل في يوم من الايام لا في الماضي ولا في المستقبل من التشرف او الانتماء الى الدولة العراقية, على العكس من سلوك وشعور الاكراد الاتراك والايرانين. مع ان ادلة كثيرة في السياسة المعاصرة تبين ان انتماء الموطن الى دولة قوية وكبيرة له فرص اكثر في التطور والاحترام ونيل حقوقه وابعاد الدولة عن الارتهان الى التحالفات الدولية كما هو حاصل في دول عربية غنية وصغيرة… دعم الاكراد الى الدولة العراقية يعطي فرصة لتقوية مشروع الدولة الفدرالية لانهم لاعب اساسي, لكنهم بعيدين عن هذا التمني واقرب الى طموحهم القومي في اقامة دولتهم.
العراقيون باعتقادي سواء كانو في السلطة العراقية او كشعب عراقي لايستنكرون على الاكراد هذه المشاعر وهذا الطموح فالانتماء الى الوطن العراقي والدولة العراقية هو انتماء طوعي نفسي وعاطفي وهناك الكثير من الاكراد وخصوصاً الذين ولدوا في بغداد او مناطق خارج المحافظات الكردية الثلاث يمتلكون مشاعر الانتماء الى الوطن العراقي وهم قادرون على التوازن بين المشاعر القومية والمشاعر الوطنية وشغل الكثير منهم مناصب مهمة في الدولة العراقية, الا ان هؤلاء هم اقلية لا يمكن التاسيس عليهم بضم القومية الكردية لنسيج المجتمع العراقي بأي طريقة كانت.
والجدير ذكره هنا لايمكن استخدام القوة وقمع التمرد الكردي اذا ما حاول المطالبة باكثر من حقوق اقليم تابع لدولة, لان استخدام القوة لايمكن القضاء على الازمة بشكل نهاثي ولا اعتقد ان هناك مبررات موجودة لضرب الاقليم عسكرياً لان هذا العمل ستكون نتائجه خطيرة على الجانبين, المصادمة العسكرية مع الاقليم سوف لا توفر الحل لكلا الطرفين وهو اسلوب بات قديماً في حالة العراق الراهن لان الانظمة التي سبقت النظام الحالي دخلت بمواجهات عسكرية كثيرة مع الاكراد ولن تحقق نتائج ايجابية بالنسبة لاجندات الحكومات السابقة . في نفس الوقت لن يسفيد الاكراد تاريخياً من ذلك القتال فالوضع الجديد للاكراد خلقته الظروف الدولية التي اقرت باقامة منطقة عازلة للاكراد لمنع الطيران والجيش العراقي للنظام السابق من اجتياحها للمناطق الكردية بعد الانتفاضة الشعبية التي تلت غزو الكويت .
واقعية الفدرالية وطموح الدولة
تاسيساً على تلك الحقائق التاريخية على القيادة العراقية في بغداد حسم امور الاقليم الكردي بالحوار المباشر للاخوة الاكراد ووضع عدة خيارات سلمية امامهم, منها على سبيل المثال:-
الاحتمال الاول: ان الحكومة العراقية الحالية واية حكومة عراقية قادمة مكلفة باقامة دولة عراقية موحدة وقوية, وهذا الامر يستدعي الانصياع التام لقوانين هذه الدولة من قبل جميع الاطراف والاحزاب والجماعات والمحافظات والاقاليم, وان حكومة الاقليم تلوح بالقوة وتحشد عسكرياً لارهاب الدولة من اجل التغاضي عن تهريب النفط واختراق الدبلوماسية العراقية وتصرف الاقليم كدولة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً…هذه الامور وغيرها لايمكن ان تقبل به اية حكومة سواء حكومة المالكي اوغيرها لان التغاضي والمجاملة بحقوق الشعب يعرقل مشروع انشاء دولة عراقية.
وعليه بما ان القيادات الكردية في الوقت الحاضرغير قادرة على اعلان الانفصال فعليهم اذن الانصياع الى قوانين الدولة العراقية لانه الخيار الوحيد الموجود امامهم. اقامة دولة في الوقت الحاضر مجازفة بالشعب الكردي وبانجازاته وان الفدرالية التي تحققت هي الحل الامثل لتطوير الشعب الكردي وبناء محافظاته وتحسين وضعه الاقتصادي والاجتماعي ومسح اثار التخلف والدكتاتورية التي خلفتها الانظمة السابقة على العراق ككل.
القيادات الكردية لو كانت حريصة على الشعب الكردي سوف تبحث عن سياسة توفيقية مع المركز للمحافظة على الميزانية وماتوفرها الدولة العراقية من حماية حدود كردستان وحماية الداخل بالتنسيق مع البيشمركة كما هو مطروح في اقتراحات الحكومة المركزية.
الاحتمال الثاني: واعتقد ان الدولة ستجد نفسها مظطرة له هو عرض مشروع الانفصال على الاستفتاء الشعبي لانفصال الاقليم وترك كركوك فيما بعد لحلول مشابهة. هذا الاستفتاء هو لوضع الشعب الكردي والقيادات الكردية امام مسؤولياتهم في تحمل تبعات الانفصال في حالة التصويت عليه. لانه وكما سمعناه من تصريحات وقرأناه من افكار ومقالات ان الشعب الكردي بدوافع عاطفية واعلامية ودوافع تركية… مصر على الاستمرار بمواجهة المركز وفي نفس الوقت لا احد من تلك القيادات يطرح مشروع الانفصال, بمعنى اخر ان القيادات السياسية الكردية تلعب لعبة خطرة فهي تستخدم علاقاتها الاقليمية وتلوح بعقود النفط الكبيرة والطويلة الامد مع تركيا وفي نفس الوقت تحاور الحكومة المركزية من اجل الضغط عليها للقبول بسياسة الامر الواقع مع تنفيذ طموح وممارسة الدولة تحت مسمى الفدرالية.
حكومة بغداد ومن ورائها اكثر من ثلثي الشعب العراقي- حسب القراءات في الصحافة العراقية, مواقع, صحف فضائيات وتصريحات – يسود الاعتقاد لديهم بان القيادات الكردية تتذاكى عليهم وتستخدم الضغوط الاقليمية والداخلية كالاتفاق مع منافسي المالكي واثارة الطوائف والقوميات الاخرى للضغط على الحكومة من اجل بقاء الفدرالية الكردية والاستفادة من الميزانية المخصصة 17% من ميزانية العراق وفي نفس الوقت ممارسة الدولة عملياً وابرام عقود النفط واستثمار الثروات الطبيعية مع تركيا ودول اخرى.
الاحتمال الثالث اذا رفض السياسيون الاكراد واستمروا بالتحشيد العسكري والقومي وتصوير العملية كانها حرب بين قوميتين واستغلوا العواطف القومية للشعب الكردي مع احتفاظهم بحق ممارسة الدولة الكردية تحت غطاء فدرالي فان الحكومة العراقية تتخذ خطوة من جانبها في ابعاد جميع السياسيين الاكراد من المركز وفصل الاقليم سياسياً واقتصادياً وعسكرياً . اتمنى ان لا تصل الامور لهذا الحد ولكن مع الاخبار الواردة من هناك وقراءاتنا في الصحافة العربية والامريكية نجد الامور تُدفع بهذا الاتجاه. زيارة السيد مسعود البرزاني الى المليشيا الكردية على حدود محافظة كركوك وابرام عقود التنقيب مع النفط مؤخراً مع الاتراك على الرغم من رفض الامريكان لها تُخبر ان اقليم كردستان ذاهب بالصراع بعيدأً مع المركز وتعريض الامن الوطني العراقي الى الخطر.