خاص : ترجمة – سعد عبدالعزيز :
نشر (مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي) مقالاً للمحل الإستراتيجي، “يوئيل غوزنسكي”، تناول فيه الدور القطري الداعم لقطاع غزة وما يسببه ذلك من حرج وإزدواجية في سياسة إسرائيل الإقليمية.
إسرائيل بين قطر ومصر..
يقول “غوزنسكي” إن دعم قطر لحركة “حماس” واستثماراتها في “قطاع غزة” يتسق تماماً مع سياستها الخارجية التي تتسم بدعم الإسلام السياسي والسعي لزيادة النفوذ القطري في منطقة الشرق الأوسط, وإن كانت العلاقات بين قطر و”حماس” تعبر عن البراغماتية السياسية أكثر من التطابق الإيديولوجي. لكن دعم قطر لحركة “حماس” والإسلام السياسي، فضلاً عن اتهام القاهرة لها بالتآمر، يفسد العلاقات بينها وبين مصر.
ولذلك فإن إسرائيل تواجه معضلة، لأنه رغم مصلحتها المشتركة مع قطر في تخفيف حدة الأزمة الإنسانية في “قطاع غزة”، إلا أنه ينبغي عليها الحفاظ على علاقتها الإستراتيجية مع مصر وتعزيزها وضمان المشاركة المصرية في جهود المساعدات لغزة, بل وحتى رعايتها.
المساعدات القطرية تمنع اندلاع الحرب..
في أواخر شباط/فبراير الماضي، التقى، في القدس، الوزير الإسرائيلي للتعاون الإقليمي، “تساحي هنغبي”، بالمبعوث القطري لإعادة إعمار قطاع غزة، “محمد العمادي”. ويأتي هذا اللقاء, على غرار اللقاءات السابقة، رغم عدم إرتباط إسرائيل وقطر بعلاقات دبلوماسية رسمية.
لكن الدولتين لهما مصلحة مشتركة في إرسال المساعدات الإنسانية إلى القطاع. حيث ترى إسرائيل أن تلك المساعدات ربما تُسهم في تأجيل المواجهة القادمة مع حركة “حماس”. وكان “العمادي” قد أعلن في إحدى اللقاءات الصحافية إنه ما كان يمكن نقل المساعدات إلى قطاع غزة بدون إسرائيل, مضيفًا: أن “العمل الذي نقوم به في غزة يمنع اندلاع الحرب القادمة”. أما بالنسبة لقطر، فإن المساعدات لقطاع غزة تحقق لها رصيداً؛ لا سيما عند الإدارة الأميركية، حتى تكسبها في صفها لمواجهة الأزمة بينها وبين جيرانها في الخليج.
الدعم القطري يعزز سلطة “حماس”..
يُضيف المحلل الإسرائيلي أن قطر في الحقيقة تنفي دعمها المباشر لحركة “حماس”, لكن مما لا شك فيه أن جزءاً – على الأقل – من المساعدات التي ترسلها قطر إلى القطاع, تصل إلى الحركة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن قطر تستضيف قادة المكتب السياسي لحماس، “خالد مشعل” في السابق؛ والآن “إسماعيل هنية”، (حتى لو لم يمكث في أراضيها بشكل دائم مثل سلفه).
ولقد تم تعزيز العلاقة بين قطر وقطاع غزة في عام 2012، بعد زيارة الأمير، “حمد بن خليفة”، لقطاع غزة. ووفقاً لمصادر قطرية، فقد أنفقت الدوحة، منذ انتهاء عملية “الجرف الصامد”، 800 مليون دولار في القطاع. ويُعد دعم قطر لحركة “حماس” هو الأكبر مقارنة بأية دولة عربية أخرى. ويعزز الدعم القطري قدرات سلطات “حماس” في القطاع، لا سيما عبر دفع الرواتب وتحسين الخدمات الإنسانية واستكمال مشاريع البُنى التحتية.
واشنطن تدعم التعاون بين تل أبيب والدوحة..
يؤكد المحلل الإسرائيلي على أن من مصلحة قطر تحسين صورتها عبر زيادة المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، كوسيلة للتقرب من الولايات المتحدة والحصول على دعمها في ضوء الأزمة القائمة بينها وبين بعض جيرانها في الخليج العربي. وتحاول واشنطن، من جانبها، تحقيق المصالحة بين الفرقاء الخليجيين، وكان مبعوث الرئيس “ترامب” للشرق الأوسط، “غيسون غرينبلات”، قد أعلن مؤخراً أن التعاون بين إسرائيل وقطر من شأنه أن يساعد سكان غزة.
إزدواجية السياسة الإسرائيلية تجاه قطر..
تعمل قطر في قطاع غزة بموافقة إسرائيل وبمساعدتها. فهناك علاقات تجارية، (غير مباشرة)، بين الدولتين، وإن كانت على نطاق ضيق. ويزور إسرائيليون الإمارة القطرية كما يزور قطريون إسرائيل لأغراض دينية في المقام الأول.
وقال “العمادي” إنه شخصياً زار إسرائيل 20 مرة منذ إنتهاء عملية “الجرف الصامد”. بالإضافة إلى ذلك، فإن إسرائيل لا تعتبر قطر دولة معادية، رغم أن جهاز الأمن القومي فيها يحذر المواطنين الإسرائيليين من زيارة قطر. في الوقت نفسه، أعرب مسؤولون إسرائيليون، خلال السنوات الأخيرة، عن انتقادهم الشديد لقطر وطالبوا بعزلتها دولياً بزعم أنها تدعم الإرهاب.
ومع ذلك، فإن تعاون إسرائيل معها في مجال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة لم يتوقف، وليس هذا فحسب بل إنه إزداد في السنوات الأخيرة. وهكذا، فإن سياسة إسرائيل المُعلنة على الأقل تجاه قطر وتدخلها في قطاع غزة تتسم بشيئ من الإزدواجية.
قطر تلعب دور الوسيط..
يبدو أن السياسة الإسرائيلية تجاه قطر تقوم على أساس أن فوائد التعاون معها أكثر من الأضرار، ومن تلك الفوائد التضييق على إيران والحد من نفوذها على “حماس” وعلى مجريات الأحداث في قطاع غزة. علاوة على ذلك، يمكن الاستفادة من قطر كقناة اتصال ووسيطً له تأثير على “حماس”، وبالفعل، هناك تقارير عن قيام قطر بمحاولات للوساطة بين إسرائيل و”حماس”، لا سيما من أجل تبادل الأسرى. وهناك مواضيع أخرى ذُكرت في هذا السياق مثل السعي لإنشاء ميناء بحري قبالة سواحل “قطاع غزة” وإنشاء مطار على أراضيها. بالإضافة إلى ذلك ، ذكرت مصادر صحافية أنه بناء على طلب من إسرائيل والولايات المتحدة، توقفت قطر عن إستضافة مسؤول حماس، “صالح العاروري”، الذي انتقل للإقامة في لبنان. وعلاوة على ذلك ، فإن لإسرائيل مصلحة في توجيه المساعدات القطرية إلى المجال (المدني – الإنساني)، إدراكاً منها بأن تلك المساعدات ستؤدي إلى تحسن الوضع الإنساني الصعب في القطاع وستحول دون اندلاع مواجهة محتملة بينها وبين “حماس”، التي قد تلجأ إلى التصعيد العسكري، لصرف الانتقادات الشعبية عنها وتوجيهها نحو إسرائيل، وإتخاذ ذلك وسيلة لشرعنة وضعها في القطاع.
الإمارات تدعم “دحلان”..
يرى “غوزنسكي” أن الخلافات بين دول الخليج تجعل سياساتها تجاه قطاع غزة غير موحدة. وتود الدول المجاورة لقطر منع تدخلها في القطاع، والسعي لإرسال مساعدات من دولة الإمارات العربية المتحدة إلى قطاع غزة عبر، “محمد دحلان”, الذي يتمتع بنفوذ ومكانة في الشارع الغزي، ليس فقط لأن أصوله من القطاع أو لأنه معارض لـ”محمود عباس”، ولكن أيضاً بفضل قدرته على إرسال الأموال من دولة “الإمارات العربية المتحدة” إلى المشاريع الأهلية والعائلات المحتاجة. وتأمل “الإمارات العربية المتحدة” في أن يحل “دحلان” محل “عباس” ليقود “حركة فتح” و”السلطة الفلسطينية”.
السلطة الفلسطينية تعرقل إعادة الإعمار..
ختاماً يؤكد المحلل الإسرائيلي على أن المبعوث القطري، “العمادي”، كان قد أعلن؛ خلال لقاءات إعلامية، إن السلطة الفلسطينية تعرقل جهود إعادة إعمار القطاع، خاصة فيما يتعلق بتوفير الكهرباء للسكان.
أما إسرائيل التي دعت إلى مساعدة “عباس” لإنجاح عملية المصالحة بين “فتح” و”حماس”، فقد تعاونت مع السلطة الفلسطينية وقلصت إمدادات الكهرباء إلى قطاع غزة، لكن بعدما تفاقمت الأوضاع الإنسانية في القطاع, مارست إسرائيل ضغوطاً على السلطة لتغيير سياستها والعودة إلى تزويد الكهرباء وفقاً للمعدلات السابقة. ويعكس هذا السلوك الإسرائيلي إزدواجية موقفها بين الرغبة في دعم السلطة الفلسطينية والحاجة إلى الإسهام في معالجة الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، التي تعني تعزيز مكانة “حماس” وإضعاف السلطة الفلسطينية.