خاص : ترجمة – سعد عبدالعزيز :
نشر الموقع الإسرائيلي (ميدا) الناطق باللغة العبرية مقالاً مترجماً للمحلل السياسي الأميركي، “ریحان سلام”، الكاتب في المجلة الأميركية نصف شهرية (ناشيونال ريفيو). يتناول المقال تداعيات الانتخابات الإيطالية على مستقبل “اتحاد اليورو” في ظل تنامي موجة الشكوكية الأوروبية وتزايد التأييد الشعبي للأحزاب المناهضة للاتحاد الأوربي في عدد من دول الاتحاد.
صخب الانتخابات الإيطالية فاق إثارة حفل “الأوسكار”..
يقول “سلام”: “إن الذين تابعوا حفل توزيع جوائز الأوسكار، الأسبوع قبل الماضي، أملاً في الحصول على وجبة دسمة من الإثارة والتشويق، قد ضيعوا على أنفسهم فرصة متابعة حدث أكثر إثارة وتشويقاً جرى في الوقت نفسه. إنه حدث الإعلان عن نتائج الانتخابات البرلمانية الإيطالية، الذي فاق الحدث الهوليوودي الكبير إثارة وصخباً. فلقد كشفت الانتخابات الإيطالية أن غالبية الشعب الإيطالي خرجت ضد الاتحاد الأوربي وصوَّتت لصالح الأحزاب الشعبوية المتطرفة المناهضة لاتحاد اليورو والداعية إلى كف يده عن أي تدخل في إدارة شؤون روما”.
“سالفيني” الأوفر حظاً في تشكيل الحكومة..
يضيف الكاتب قائلاً: “تعتبر حركة (النجوم الخمسة) – التي أسسها الممثل الكوميدي السابق “بيبي غريللو” – أبرز الأحزاب الشعبوية الفائزة في الانتخابات، حيث حصلت بمفردها على أكثر من 32٪ من الأصوات. وحل في المركز الثاني حزب (رابطة الشمال) اليميني المتطرف؛ بزعامة “ماتيو سالفيني” بحصوله على نسبة 17.4٪. ولكن “سالفيني” صاحب مركز الوصافة حزبيًّا يبدو الأوفر حظاً في تشكيل الحكومة المقبلة؛ وذلك لأن تحالف قوى اليمين والوسط الذي يقوده حصل على نسبة تقارب 36% من مقاعد البرلمان الجديد، حيث يشارك في ذلك التحالف حزب (إيطاليا إلى الأمام)؛ برئاسة “سيلفيو برلسكوني” بنسبة 14%، وحزب (أشقاء إيطاليا) ذي التوجهات الفاشية بنسبة 4.3%”.
ويرى الكاتب الأميركي أن كلاً من “غريللو” و”سالفيني” يخوضا صراعاً محموماً على تشكيل الحكومة الجديدة. ويبدو أن هذا الصراع لن يحسم سريعاً؛ إذ يرى كل منها أنه الأحق برسم خريطة الحقائب الوزارية وصياغة مستقبل السياسة الإيطالية. كما يبدو أن هذا الصراع المستعر بين الطرفين الآن سيؤثر على المستقبل السياسي في إيطاليا وسيطيل أمد أية تحولات سياسية في البلاد.
إيطاليا.. صداع جديد في رأس الاتحاد..
يرى، “سلام”، أن نتائج الانتخابات الإيطالية أقضت مضاجع أولئك الذين استبشروا بعودة التكامل الأوروبي – الذي تعرض لهزة عنيفة وتراجع خطوات عديدة بفعل إنسحاب بريطانيا – مرة أخرى إلى المسار الصحيح بعد هزيمة القوميين في هولندا في الانتخابات، التي جرت في آذار/مارس من العام 2017، واستلام “إيمانويل ماكرون” مفاتيح قصر (الإليزيه)، في أيار/مايو من العام نفسه، وعودة “أنغيلا ميركل” – المخلصة للاتحاد – بشق الأنفس إلى السلطة في ألمانيا وانتخابها، في أيلول/سبتمبر الماضي، مستشارة لفترة رابعة.
“ميركل”.. الضامن الأكبر لبقاء الاتحاد..
يؤكد المُحلل الأميركي على أن الحالة الألمانية شكلت، خلال الأشهر السابقة، هاجساً يهدد مصير “الاتحاد الأوروبي”، فلم يشعر الحريصون على مستقبل الاتحاد بشيء من الإطمئنان إلا قبل أيام قلائل؛ حين أُعلِن عن نجاح حزب “الاتحاد المسيحي الديمقراطي” الذي تترأسه “ميركل” في إستكمال المفاوضات مع “الحزب الديمقراطي الاجتماعي” لتشكيل اتئلاف حكومي كبير معه.
ويضيف: “لقد أعلن الائتلاف المشكل حديثاً تحت قبة «البوندستاغ» عن عزمه إجراء إصلاحات في منظومة الاتحاد الأوروبي؛ بهدف تقريب وجهات نظر الدول الأعضاء وعدم تكرار تجربة انفصال بريطانيا، حيث إن عنوان الفصل الأول من البرنامج الائتلافي بين الحزبين هو «بداية جديدة لأوروبا»”.
ويعتقد “سلام” أن سبب تأخر تشكيل حكومة جديدة في ألمانيا، كل تلك الفترة، يرجع إلى أن حزب “ميركل”، الذي رغم تحصله على أكبر نسبة من العدد الكلي للأصوات، (33%)، إلا أنه و”الحزب الديمقراطي الاجتماعي” قد خسرا من قوتهما المعهودة في مقابل الطفرة الكبيرة التي حققها “حزب البديل من أجل ألمانيا”؛ الذي أصبح ثالث أكبر حزب في البلاد، وحقق أول تمثيل برلماني له في تاريخه.
ويرى أنه في ظل تربُّص حزب “البديل من أجل ألمانيا” وإنتظاره اللحظة المناسبة، وفي ظل حالة الضعف الاستثنائية التي تمر بها “ميركل”، يصعب تصديق أن الائتلاف الحكومي الألماني سيكون قادرًا على تنفيذ إصلاحات كبرى في الوقت الراهن.
مصير الاتحاد مرهون بالاعتراف أو المكابرة..
ختاماً يقول “سلام”: “لقد رأينا جميعاً كيف شمتت العواصم الأوروبية في لندن بسبب الصعوبات التي تواجهها في تنفيذ إجراءات الإنسحاب من الاتحاد، ومن الأمانة أن نقول إن حكومة “تيريزا ماي” تعاني فعلاً من هذا الأمر وتكافح من أجل البقاء. ولكن نتائج الانتخابات الإيطالية، التي نزلت كالصاعقة على رءوس بقية دول أوروبا، أتت لتكشف أن الاتحاد يمر بوعكة شديدة، وأن الاعتراف بوجود خلل في منظومة الاتحاد هو الخطوة الأولى للحفاظ عليه، كما أن استمرار المكابرة لا يصب إلا في مصلحة التيارات القومية والشعبوية التي تناهض الوحدة الأوروبية”.