18 ديسمبر، 2024 9:42 م

منصب رئيس الجمهورية للسهر على ضمان الإلتزام بالدستور وليس تشريفي

منصب رئيس الجمهورية للسهر على ضمان الإلتزام بالدستور وليس تشريفي

شرع مجلس النواب قانون الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق للسنة المالية ـ 2018 و أرسلها إلى رئيس الجمهورية للمصادقة عليها إلا ّ أنه أعادها إليه لأعادة تدقيقها شكلاً ومضموناً من الناحية الدستورية والقانونية والمالية لوجود نحو 31 نقطة تتقاطع مع التشريعات النافذة. وأوضح المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية في بيان أن إعادة الموازنة جاء إثر قيام خبراء و مستشارين قانونيين و ماليين بدراستها و تدقيقها تفصيلا ً لتشخيص أهم المخالفات الدستورية والقانونية والمالية لبعض المواد أو البنود أو الفقرات المقتضى معالجتها قبل التصديق وكذلك معالجة أي خلل في صياغتها الشكلية. إلا أن عضو في اللجنة القانونية البرلمانية أشار بأنه لا يجوز لرئيس الجمهورية اعادة مشروع قانون الموازنة الاتحادية لأن ذلك يعد مخالفة صريحة لأحكام المادة ٧٣ الفقرة ثالثا ً من الدستور فيما يخص صلاحيات رئيس الجمهورية “يصادق و يصدر القوانين التي يسنها مجلس النواب وتعد مصادقاً عليها بعد مضي خمسة عشر يوماً من تاريخ تسلمها” وبالتالي لايجوز لرئيس الجمهورية اعادة القوانين التي يشرعها مجلس النواب.
و لو تمعنا في مضمون المادة أعلاه لوجدنا بأن لرئيس الجمهورية أن يصادق و يصدر القوانين التي يسنها مجلس النواب و إذا لم يفعل ذلك فتعتبر هذه القوانين مصادقا ً عليها بعد مضي خمسة عشر يوما ً من تاريخ تسلمها. و لكن هذه المادة الدستورية لا تشير إلى حق رئيس الجمهورية برفض المصادقة على القوانين في حالة مخالفتها للدستور. و لكن لو رجعنا إلى المادة المادة 67 من الدستور “رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة و رمز وحدة الوطن، يمثل سيادة البلاد، و يسهر على ضمان الإلتزام بالدستور، و المحافظة على إستقلال العراق، و سيادته، و وحدته، و سلامة أراضيه، وفقاً لأحكام الدستور” لوجدنا بأن من واجبات رئيس الجمهورية السهر على ضمان الإلتزام بالدستور، و بما أن الموازنة حسب تصريحات المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية تشير لوجود نحو 31 نقطة تتقاطع مع التشريعات النافذة فيحق إذن لرئيس الجمهورية إعادتها إلى مجلس النواب لتلافي هذه الخروقات الدستورية.
حسب المادة 71 من الدستور “يؤدي رئيس الجمهورية، اليمين الدستورية أمام مجلس النواب، بالصيغة المنصوص عليها في المادة (50) من الدستور” و المادة 50 من الدستور “أقسم بالله العظيم، أن أؤدي مهماتي و مسؤولياتي القانونية، بتفان و إخلاص، و أن أحافظ على إستقلال العراق و سيادته، و أراعي مصالح شعبه، و أسهر على سلامة أرضه و سماءه و مياهه و ثرواته و نظامه الديمقراطي الإتحادي، و أن أعمل على صيانة الحريات العامة و الخاصة، و إستقلال القضاء، و ألتزم بتطبيق التشريعات بأمانة ٍ و حياد، و الله على ما أقول شهيد” فإن لرئيس الجمهورية الحق بإعادة الموازنة إلى مجلس النواب لوجود مخالفات تشريعية فيها. أما المادة 73 الفقرة ثالثا ً من الدستور فهي لم تشر إلى منع رئيس الجمهورية من إعادة القوانين إلى مجلس النواب إذا كانت فيها مخالفات دستورية. و بناء ً على القاعدة الفقهية “الأصل في الأشياء الإباحة” حسب قول رسول الله صلى الله عليه و آله و صحبه وسلم “ما أحل اللهُ في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عافية، فاقبلوا من الله عافيته؛ فإن الله لم يكن نسيًّا” و قوله سبحانه و تعالى “وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا” (مريم 64)، فإنه يحق لرئيس الجمهورية أن يعيد الموازنة إلى مجلس النواب لوجود مخالفات دستورية فيها.
القضية برمتها تشير إلى وجود خلل في صياغة الدستور بعدم توافق مواده مع بعضها. و للذين يقولون بأن منصب رئيس الجمهورية تشريفي فقط فإنه في هذه الحالة لا موجب أن يكون رئيس الجمهورية رمز وحدة الوطن، و يمثل سيادة البلاد، و يسهر على ضمان الإلتزام بالدستور، و المحافظة على إستقلال العراق، و سيادته، و وحدته، و سلامة أراضيه، و كذلك لا موجب لرئيس الجمهورية أن يؤدي اليمين الدستورية بأن يقسم بالله العظيم بأن يؤدي مهماته و مسؤولياته القانونية، بتفان و إخلاص، و أن يحافظ على إستقلال العراق و سيادته، و أن يراعي مصالح شعبه، و أن يسهر على سلامة أرضه و سماءه و مياهه و ثرواته و نظامه الديمقراطي الإتحادي، و أن يعمل على صيانة الحريات العامة و الخاصة، و إستقلال القضاء، و أن يلتزم بتطبيق التشريعات بأمانة ٍ و حياد و أن يشهد الله على ما يقول.