“لا خيار للفاسدين سوى الاعتراف وتسليم الأموال إلى الحكومة”… هذا ما يراه رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي، لكنّه في الواقع ليس سوى أحلام عصافير.
لم يحصل في أيّ بلد أن تقدّم الفاسدون والمُفسدون مالياً وإدارياً من تلقاء أنفسهم وبأريحية، فاعترفوا بفسادهم وإفسادهم، وأعادوا ما نهبوه من مال وسواه إلى الدولة. الفاسدون والمفسدون العراقيون ليسوا استثناءً من هذه القاعدة، ولن يكونوا … ليسوا شرفاء ولو بأدنى درجة ليذهبوا إلى الخيار الوحيد الذي يحدّده لهم العبادي المرّة بعد الأخرى، وآخرها التي كانت أول من أمس.
ما يُفترض أن يعرفه السيد العبادي أنّ الفاسدين والمُفسدين لديهم خيارات كثيرة للإفلات من الملاحقة والعقاب. وهنا في العراق بالذات وجد الفاسدون والمُفسدون مئة طريقة وطريقة في الأقل ليتحصّنوا ويبقوا بعيدين عن كل سوء يمكن أن يطولهم، بل حدث مراراً أن نجحوا في تلفيق التُّهم للشرفاء والنزيهين الذين سعوا للمساعدة في كشف فسادهم أو إثباته.
مَنْ يُفترض أن يكون لديه خيار وحيد على هذا الصعيد هو رئيس الحكومة ذاته. لكن لدينا رئيس حكومة يتحدّث كثيراً جداً جداً في شأن مكافحة الفساد، بيد أنه لا يفعل حتى القليل لترجمة ما يقول!
الفاسدون والمُفسدون يراهم السيد العبادي أشباحاً تصعب مطارتهم والإمساك بهم، إلّا أنهم في الواقع معلومون بنسبة 80 بالمئة في الأقل .. معظمهم، وبخاصة كبارهم، لديهم ملفّات ثخينة في هيئة النزاهة وفي ديوان الرقابة المالية، وكذلك في بعض دوائر المفتشين العموميين غير الفاسدة في الوزارات، لكنّ المشكلة الأكبر أنّ الكثير من هذه الملفّات، وبخاصة الكبيرة المتورّطة فيها الأحزاب المتنفّذة في الدولة وقيادات هذه الأحزاب، تعمل جهات عدّة، بينها أجهزة حكومية وبعض كبار المسؤولين في الحكومة وفي مجلس النواب، على عرقلة الكشف عنها ومتابعتها لكي تصل إلى القضاء.. ووراء ذلك اعتبارات سياسية وحزبية وشخصية.
إعلان السيد العبادي بأنه ما من خيار أمام الفاسدين غير الاعتراف وتسليم الأموال التي نهبوها إلى الحكومة، ينطوي على حسن نيّة حيال الفاسدين والمُفسدين. وهذا الإعلان إنّما يشجّعهم على مواصلة فسادهم من دون خشية أو ريبة مِن أيّ شيء.
الإجراء الصحيح هو ألّا يبقى رئيس الحكومة جالساً على كرسيّه الوثير أو واقفاً خلف منصّة المؤتمرات الصحافية الأسبوعية، يدعو ويناشد الفاسدين ويُهيب بهم أن يكونوا ” خوش وِلِد” فيأتونه ليعترفوا ويردّوا إليه ما نهبوا. .. الإجراء الصحيح هو أن يكون العبادي نفسه “خوش وَلَد”، فيتقدّم نحو الفاسدين والمُفسدين من دون تردّد لزلزلة الأرض تحت أقدامهم .. بالقانون، وبالقوّة اللازمة لإنفاذ القانون.
في مكافحة الفساد لا مجال البتّة لأحلام العصافير من رئيس الحكومة أو من غيره.