كتابات – خاص
إيران ثم إيران وإيران … يبدو أنها كلمة السر الأولى في قرار الإطاحة بوزير الخارجية الأمريكي “ريكس تيلرسون” وتعيين بدلا منه “مايك بومبيو” رئيس أقوى أجهزة الاستخبارات في العالم الـ “سي آي إيه”!
فقد رأى الكاتب والصحفي العراقي حامد شهاب في مقال كتبه تعليقا على إقالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوزير خارجيته، أن السبب الرئيس في تلك الخطوة الرئاسية هو محاولة استعادة النفوذ والهيمنة الأمريكية حول العالم بمواجهة شرسة للتحديات التي باتت تواجه واشنطن في عدة مناطق خاصة الشرق الأوسط حيث تتمدد إيران، وشرق آسيا متمثلا في قواعد التعامل مع تهديدات كوريا الشمالية سواء بالاتفاق أو بمواقف حاسمة حازمة، وهو ما لم يستطع تيلرسون تقديمه في هذين الملفين.
اختيار بعناية
وفق شهاب، فإن اختيار وزير الخارجية الجديد قد جرى بعناية هذه المرة فهو رأس المخابرات الأمريكية، التي ظلت لسنوات تدير لعبة توزيع الأدوار داخل أروقة البيت الأبيض، وهي من يرسم خطط السياسة الأمريكية وخارطة انطلاقتها، وتضع استراتيجيات الهيمنة والقدرات الخارقة للولايات المتحدة، فضلا عن كونها صاحبة السطوة والنفوذ وفوق كل ألاجهزة الأمريكية قوة ومكانة، وبالأخير فإنها تبقى مركز الثقل الذي ليس بمقدور أي رئيس أمريكي سواء “ترامب” أو حتى سابقيه تجاهل دورها في رسم استراتيجيات التحرك الأمريكي على مستوى العالم سواء في داخل الكرة الأرضية أو خارجها في الفضاء!.
أطماع إيران وتمددها أول المواجهات
يرى الكاتب العراقي أن تحديات كثيرة بدا الرئيس الأميريكي عاجزا عن التعامل معها هو وإدارته، أبرزها الملف النووي الإيراني وأطماع طهران في منطقة الشرق الأوسط سواء في العراق أو سوريا ولبنان واليمن، والملف النووي الكوري الشمالي والقمة المرتقبة التي جرى الاتفاق على عقدها بين رئيسي البلدين.
ولم يتوقف الأمر عند التحديات السابقة، بل يؤكد “شهاب” أن فشل إدارة ترامب وصل إلى ملف العلاقات مع دول أوروبا، والموقف من إسرائيل وقضية القدس ونقل السفارة الأمريكية، والعلاقات مع روسيا والعمل على وقف التدخل الروسي في الشأن الأميريكي واختراقات موسكو لواشنطن، وأنه كان لابد من التفوق الأميريكي والمحافظة على سياسات الهيمنة التي اعتادت واشنطن على اتباعها لعقود.
الاستخبارات الأمريكية أطلعته على خطورة الموقف
أيقن “ترامب” من تلك التقارير التي تأتيه من الاستخبارات الأميريكية أن “تيلرسون” لن يكون ذاك الشخص الذي يستطيع مواجهة جميع هذه التحديات التي ربما يكون هو سببا فيها، وأن انعكاسات تلك الاحداث الهامة على مستقبل الولايات المتحدة في السنوات المقبلة ستزداد سوءا إذا ما استمر الرجل في منصبه.
ومن هنا كانت الخطوة المفاجئة التي أقدم عليها الرئيس الأمريكي بإقالة وزير خارجيته وتعيين مدير المخابرات الأمريكية السي آي إيه” مايك بومبيو ” مكانه، وقرار ترامب اللاحق بتعيين ” جينا هاسبل ” معاونة رئيس المخابرات الامريكية على رأس وكالة الاستخبارات المركزية لتصبح أول امرأة تتولى هذا المنصب، وهي أكبر ضابطة مخابرات أميريكية عملت لسنوات طوال في “السي آي أي ” وحصلت على أكبر الجوائز الرئاسية خلال فترة عملها داخل أخطر أجهزة الأمن القومي الأمريكي حساسية ومكانة، بل وأدارت عملها بإتقان وفطنة كبيرتين، فكان أن حظيت باهتمام ترامب الذي عينها رئيسة لأكبر جهاز أمني وهو السي آي أي بعد استشارة “بومبيو” نفسه.
الكاتب العراقي يكشف عبر استشرافه لحركة التغيير الأخيرة، أن ترامب سيعتمد بشكل كلي على “هاسبل” لتنفيذ طموحاته التي يخطط لها منذ تقلد سدة الرئاسة في البيت الأبيض والتي لا تعرف الرحمة أو المواربة أو سياسة ما بين بين.. فقط الحزم والحسم!.
مجلس الشيوخ سيوافق
فضلا عن أن اختياره لرئيس جهاز الاستخبارات الأمريكية لمنصب وزير الخارجية، يبدو أنه قد حسم قبل أيام من إعلان القرار وأنه نجح في أخذ الموافقة على تعيينه، بإشارته إلى أن “بومبيو” استحق عندما كان مدير سي آي إيه ثناء الحزبين على تعزيزه جمع المعلومات الاستخباراتية وتطويره القدرات الهجومية والدفاعية وإقامته علاقات وثيقة مع حلفاء في أوساط الاستخبارات، وهو هنا يستبق قرار مجلس الشيوخ بالتصديق بالموافقة على تلك الاختيارات، بالتسويق للرجل ويذكرهم بأنهم هم من أثنوا عليه!.
التفاوض مع كوريا الشمالية
رأي آخر تطرق إليه كاتب المقال، بالإشارة إلى أن أحد أسباب تغيير “تيلرسون” هو الحاجة إلى فريق دبلوماسي بحنكة رجال الاستخبارات قبل إجراء المفاوضات المرتقبة مع كوريا الشمالية، وهو ما يفسره “شهاب” بأن “مايك بومبيو” تولى مهامه الجديدة بعد أيام فقط على الإعلان المفاجىء عن قمة بين الرئيس الأمريكي والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون لم يحدد موعدها ولا مكان انعقادها.
لكن رغم ذلك ستظل “إيران” وملفها النووي وتمددها في الشرق الأوسط هي كلمة السر في الإطاحة بوزير الخارجية ريكس تيلرسون من منصبه، وهو ما فسره ترامب نفسه بإعلانه عن وجود خلافات مع “تيلرسون” خصوصا في الملف النووي الإيراني، إذ قال ترامب نصا: كنا متفقين بشكل جيد لكن اختلفنا حول بعض الأمور”، فأنا أرى الاتفاق (النووي الإيراني) رهيبا، بينما اعتبره (تيلرسون) مقبولا وأردت إلغاءه أو القيام بأمر ما بينما كان موقفه مختلفا بعض الشيء، ولذلك لم نتفق في مواقفنا، هكذا برر ترامب إقالة تيلرسون.. لكن يبقى السؤال ماذا ينتوي الرئيس الأميريكي لإيران خلال الفترة المقبلة.
الخطوات المقبلة ستتلاحق سريعا
يؤكد الكاتب والصحفي العراقي في مقاله أن ترامب على عجل من أمره لاتخاذ خطوة ربما هي الأكبر منذ توليه السلطة مع بدايات عام 2017 تجاه إيران وكوريا الشمالية، وهو ما استدعى دعوته إلى تثبيت وزير الخارجية الجديد في منصبه سريعا، إما لاتخاذ خطوات أو عقوبات عسكرية تحتاج نبرة شرسة وتخطيط استخباراتي للتمويه في الحديث ربما لا يملكه “تيلرسون”، في مواجهة طهران وبيونج يانج إذا ما حدث تفاوض.
المؤكد وفق ما يرى “شهاب” أن قرارات ترامب الاخيرة تتفق مع استراتيجيته بأن يكون هناك تغيير دراماتيكي في السياسة الخارجية الأمريكية يعيد للولايات المتحدة فرض هيمنتها على مقدرات العالم ، ويضع حدا للتوسع الايراني في المنطقة.
كما أنه يريد النظر في إعادة تقييم هذا الملف وعدم المضي به وإيجاد خطط لإلغائه وتصعيد لهجة العداء مع ايران!.
ثم يأتي الملف الكوري الشمالي والقمة المرتقبة بينهما لتلقي بظلالها على تلك الأزمة الحادة التي يريد “ترامب” من خلالها تطويع قدرات بيونغ يانغ لكي لا تظل مهددا للأمن القومي الأمريكي ومصالح واشنطن في منطقة جنوب شرقي آسيا والمحيط الهادي.
مراقبة روسيا وتسريع نقل السفارة الإسرائيلية
ورغم تركيزه على الملفين الإيراني والكوري الشمالي، إلا أن الكاتب أضاف كذلك نية ترامب بتلك التغيرات مراقبة نوايا روسيا واختراقها للداخل الأمريكي والعلاقة مع إسرائيل وقضية نقل السفارة الأمريكية إلى القدس على انها تحديات ينبغي على إدارة ترامب إظهار مزيد من الحزم إزاء تلك الملفات، بما يتفق ومنهج فرض سياسة الأمر الواقع، لكي تبقى الولايات المتحدة القوة الوحيدة المهيمنة على مقدرات العالم، فكان من الضروري الاستعانة بشخصية تحظى بثقة النواب الأمريكيين فضلا عن أنها لا تقيم علاقات صداقة وود مع العرب أو غيرهم!