خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في شريط مصور لمدة 25 دقيقة ضرب تنظيم (داعش) عرض الحائط بكل التكهنات والتحليلات السابقة حول بقائه وما يتخذه من أساليب انتقامية بعد هزيمته بالعراق وسوريا؛ وفقدانه عواصمه للخلافة كما كان يطلق عليها، حيث دعا تنظيم الدولة الإسلامية، في الشريط المصور، المسلمين للتوجه إلى معاقله في أفغانستان وخصوصاً في ولايتي: “غوزغان” (شمال) و”ننغرهار” (شرق).
والشريط الذي أعدته، “ولاية خراسان”، الاسم السابق لأفغانستان، بثته على الإنترنت في الرابع من آذار/مارس 2018، تحت عنوان (أرض الله الواسعة)، يظهر مقاتلين وخصوصاً في جبال “تورا بورا”، (شرق)، هازئاً بوعد الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، بالقضاء على التنظيم المتطرف في أفغانستان وباكستان.
وفي نيسان/إبريل 2017، ألقت الولايات المتحدة على هذه المنطقة القنبلة، الأكثر قوة في ترسانتها والمسماة؛ “أم القنابل”.
في الشريط المصور يقول أحد المقاتلين باللغة العربية: “كان الكفار في هذه السنة أشد من قبل، لكن إرادة الله فوق كل شيء”.
ويضيف: “ليكن المَن من الله بفتح مناطق غبرهار وتورا بورا وزيرتنكي وغوزغان في شمال خراسان”، معتبراً أنه “ينبغي على المسلمين في كل مكان أن يهاجروا إلى دولة الإسلام ويعيشوا تحت ظلالها لينعموا بحكم الشريعة وعدلها”.
تنديد بحركة «طالبان»..
ندد الشريط بحركة “طالبان” متهماً إياها بفرض ضرائب والتعويل على صناعة “الهيرويين”.
وكان تنظيم الدولة الإسلامية قد ظهر في أفغانستان بداية 2015، وخصوصا في شرقها، (ننغرهار وكونار)، ثم تمدد في صيف 2017 شمالاً؛ وتحديداً في أقاليم عدة من ولاية “غوزغان”.
ويتواجه التنظيم والحركة في أفغانستان ولم يتعاونا إلا لماماً؛ كما حصل في ولاية “سربول” في آب/أغسطس 2017، ضد إقليم ذي غالبية شيعية.
الأول من نوعه..
المحلل في مجموعة الأزمات الدولية، “برهان عثمان”، قال: “حتى الآن كان التنظيم والحركة يدعوان المسلمين، المقيمين في خراسان، إلى التوجه للمناطق التي يسيطران عليها”، معتبراً أن هذا النداء لتنظيم الدولة الإسلامية هو الأول من نوعه وثمة رهان لدى مطلقيه على أن يلقى صدى.
وفي أفغانستان، يضم التنظيم في صفوفه أجانب، وخصوصاً باكستانيين ومواطنين من آسيا الوسطى، إضافة إلى شيشانيين.
وسجل الخريف الفائت وجود فرنسيين وعرب في إقليم “درزاب” بولاية “غوزغان”.
وأعلن التنظيم مسؤوليته عن العديد من الإعتداءات الدامية في “كابول”، منذ تموز/يوليو 2016، والتي استهدفت خصوصاً مساجد للشيعة، إضافة إلى إعتداء على أكبر مستشفى عسكري في البلاد في آذار/مارس 2017.
الهجرة الأبرز بعد إنحساره جغرافياً..
يقول الباحث في التيارات الإسلامية، “مصطفى زهران”، أنه في إعلان هو الأول من نوعه لـ”ولاية خراسان”، التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، هدف من خلاله التنظيم إلى الإعلان صراحة وبشكل مباشر أنصاره وكافة المسلمين في العالم إلى الهجرة إلى أرض الخلافة الإسلامية الجديدة، “ولاية خراسان”، عوضاً عن مراكز دولته التي فقدها مؤخراً في كل من “الرقة” و”الموصل”؛ وبذلك تكون الهجرة الأبرز للتنظيم بعد إنحساره جغرافياً.
ويوضح؛ أنه تتجلى أهمية تلك الدعوة في أنها جاءت مخالفة لكافة التحليلات والتقارير التي أكدت على عودة التنظيم إلى عمل الميليشيا أو ما يقارب “حرب العصابات” وحسب، والتي تتبعها بطبيعة الحال التشكيلات الجماعاتية والتنظيمات المحلية.
يؤكد على طبيعة التنظيم الدولاتي..
أكد “زهران” على أن هذا الإعلان جاء ليؤكد على طبيعة هذا التنظيم “الدولاتي” في المقام الأول؛ ومشدداً عليه، وأنه رغم خسارته لمعاقل تمركزه الرئيسة وإنحساره الجغرافي لديه من القدرة على فتح أراض وتمركزات وعواصم بديله ما يؤكد على تحركه بإيديولوجية “الدولة” وآلياتها وإستراتيجيتها، فضلاً عن ما تعكسه من مدى تموضع “الأرض” في عقلية هذا التنظيم الراديكالي، بالتوازي مع عدم قبوله بإرتداد هذه الفكرة أو إنتفائها، وهي أبرز مدلولات هذا الإعلان الجديد نحو الهجرة إلى “ولاية خراسان”، إحدى ولاياته المترامية الأطراف، والتي أضحت منذ هذه الدعوة أبرزها وربما تصبح مركز رئيس وعاصمة جديدة مستقبلاً.
تمثل دفعاً معنوياً للتنظيم..
الدعوة التي جاءت إنطلاقاً من الولاية وبدت وكأنها إجتهادية من أبنائها ورموزها وقاداتها لمؤازرة التنظيم من جهة، ولفهمهم مدى قدرتهم على بسط نفوذهم أكثر في حال تفعيل هذه الهجرة، توازياً مع تراجع سيطرة “طالبان” على مواقع عدة هناك، وسقوط عدد من القرى والمواقع مثل؛ “وزير تنكي” و”زوزغان” وغيرهما، في قبضة الولاية المبايعة لتنظيم (داعش) و”البغدادي”.. تأتي بمثابة الدفع المعنوي للتنظيم وإعطاء بدائل له، ليتعافى من كبوته الحالية بعد فقدانه لأهم معاقله.
على مشارف معركة تنافسية بين التنظيم و«طالبان»..
أشار إلى أن التنظيم إرتحل إلى معقل هجرة الجهادية العالمية الأولى في بواكيرها ومنطلقاتها التاريخية منذ المعركة الكبرى التي شهدت سقوط الاتحاد السوفياتي، وبطبيعة الحال بدى وكأنه مزاحمة لتنظيم “القاعدة” المتواجد منذ عقد ويزيد، ما يعني أننا على مشارف إنتقال لمعركة جديدة بين التنظيمين يتحولان إلى مساحات أخرى في ظل التنافسية العالمية بين التنظيمين، ويبقى السؤال الأهم ما هي ردة فعل التنظيم الأم –تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) – على هذه الدعوة، وما هو تعليق خليفتهم “البغدادي” ؟
بيئة خصبة لإنتشار الفكر المتشدد..
حول أسباب اختيار (داعش) لتلك المنطقة، قال “عبدالشكور عامر”، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، إن تنظيم (داعش) يستمد وجوده وقوته في دول جنوب شرقي آسيا من انتشار الفكر المتشدد فى تلك المنطقة، الذي يعود إلى فترة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي سابقاً والكتلة الغربية بقيادة الولايات المتحدة.
وأضاف “عامر” أنه خلال فترة الحرب الباردة، حصلت جماعات متشددة في جنوب شرقي آسيا، على دعم أميركى وغربي بالسلاح والمال والأفراد، ما أنتج جيلاً من المتشددين الإسلاميين في صورة جماعات متعددة الأفكار والإيديولوجيات، كتنظيم “القاعدة” وحركة “طالبان”، وجماعة “أبو سياف” في الفلبين، ما حول جنوب شرقي آسيا لمنطقة صراع بين القوى والجماعات المتطرفة.
“داعش“ يخطط لإنشاء شبه دولة «ولاية خراسان»..
كان مدير هيئة مكافحة الإرهاب بمنظمة شنغهاي للتعاون، “يفغيني سيسويف”، قد أعلن عن خطط عناصر (داعش) لإنشاء شبه دولة تسمى، “ولاية خراسان”، ستشمل أراضي دول جنوب شرق آسيا وآسيا الوسطى.
قائلاً “سيسويف”، في حديث أدلى به لوكالة (إنترفاكس): “الوضع في أفغانستان يثير قلقاً شديداً، إذ يتمركز بمحافظاتها الشمالية مقاتلو تنظيم (داعش) الذين يصل عددهم إلى حوالي 3 آلاف مقاتل حاربوا سابقاً في الشرق الأوسط و80% منهم منحدرون من روسيا والصين ودول آسيا الوسطى”.
ومضى قائلاً: “يبدو أن الوضع في أفغانستان يزداد سوءاً، نظراً لأن عناصر (داعش)، خلافاً لحركة (طالبان)، التي يسيطر 70 ألفاً من عناصرها على 60% من أراضي أفغانستان ويشنون أكثر من 90% من الهجمات على القوات الحكومية، يتمسكون بفكرة إنشاء شبه دولة أخرى ستحمل عنوان (ولاية خراسان)؛ وستشمل أراضي كل من أفغانستان وإيران وبنغلاديش وباكستان والهند ودول آسيا الوسطى”.
خلايا نائمة لتدبير عمليات في المدن الكبرى..
ذكر “يفغيني سيسويف” أن مقاتلي (داعش) الإرهابي؛ بعد دحرهم في سوريا والعراق يقومون بإعادة نشر قواتهم في كل من روسيا وأوروبا وجنوب شرق آسيا وآسيا الوسطى، حيث ينشؤون “خلايا نائمة” لتدبير عمليات إرهابية في المدن الكبرى.
وأشار مدير “هيئة مكافحة الإرهاب بمنظمة شنغهاي للتعاون”؛ إلى إزدياد خطر وقوع عمليات إرهابية بمشاركة الإرهابيين الأجانب الذين يعودون إلى الدول التي خرجوا منها، مضيفاً أن تعزيز القوات العسكرية المضادة للإرهابيين في سوريا والعراق وتكثيف جهودها لطردهم من تلك المناطق أدى إلى تغيير تكتيكات الإرهابيين.
وقال “سيسويف”: “هزيمة (داعش) في سوريا، التي حررت من قبضته أكثر من 90% من أراضيها، دفعت عناصره الناجين إلى تغيير أماكن إقامتهم وتنشيط خلاياهم الغربية. وتقوم الهيئات الخاصة التي أنشأها (داعش) بتجنيد وتدريب وإعادة نشر الجماعات التخريبية الإرهابية إلى روسيا وأوروبا ودول جنوب شرق آسيا وآسيا الوسطى”.
تستخدم تكتيك «الاختبار العشوائي»..
أضاف أن هذه الجماعات تستخدم تكتيك “اختبار عشوائي” لأهداف تشن هجمات إرهابية في مدن كبرى بمشاركة عناصر “جهاد” تدربوا عبر الإنترنت.
وفي معرض إجابته عن سؤال حول عدد المقاتلين العائدين إلى بلدانهم، قال “سيسويف”؛ إن قائمة الهيكل الإقليمي لمكافحة الإرهاب، التابع لـ”منظمة شنغهاي للتعاون”، تضم أكثر من 4200 شخص ينتقلون إلى مناطق ذات نشاط إرهابي عالٍ، ويعتزمون المشاركة في نزاعات مسلحة إلى جانب المنظمات الإرهابية ويعودون إلى أراضي دول أعضاء “منظمة شنغهاي للتعاون”.
وتشير معطيات “الهيكل الإقليمي لمكافحة الإرهاب” إلى أن عدد المقاتلين الأجانب الذين حاربوا في صفوف الجماعات الإرهابية خلال مرحلة إزدهار أنشطتها بسوريا والعراق قد وصل إلى 40 ألف مقاتل منحدرين من 110 دول.
وأضاف “سيسويف” أن بعض المصادر تشير إلى أن أكثر من 5000 مقاتل عادوا إلى الدول التي خرجوا منها.
كما أعلن مدير “هيئة مكافحة الإرهاب بمنظمة شنغهاي للتعاون”؛ أن أكثر من 4500 شخص مطلوبون لدى المباحث الدولية بتهمة أو بإشتباه في إرتكابهم الجرائم الإرهابية والمتطرفة.
وذكر “سيسويف” أن دول أعضاء “منظمة شنغهاي للتعاون” قامت، خلال العامين الأخيرين، بحذف أو تقييد إيصال إلى زهاء مئات آلاف المواقع الإلكترونية المحتوية على أكثر من 4 ملايين مادة إعلامية تحمل طابعاً متطرفاً أو إرهابياً.
يشكل قاعدة جديدة لفلوله..
فى شباط/فبراير الماضي، حذر أيضاً رئيس “مركز مكافحة الإرهاب” في رابطة الدول المستقلة، “أندريه نوفيكوف”، من أن تنظيم (داعش) الإرهابي الذي مني بهزائم قاضية في سوريا والعراق أخذ يوسع انتشاره في أفغانستان وباكستان.
وقال “نوفيكوف” إن هذا التنظيم الإرهابي سيعتمد خطة نقل المسلحين من آسيا الوسطى وشمال القوقاز والشرق الأوسط إلى أفغانستان وباكستان قريباً بإتباع نفس الطريقة التي تم استخدامها لإرسالهم إلى سوريا والعراق من قبل.
وتابع “نوفيكوف”: إنه “بعد التخلص من معظم النواة القتالية لـ (داعش) فى سوريا والعراق؛ فإنه يجري نقل فلوله إلى مناطق أخرى، وهكذا لا بد من القول إنه يجري تشكيل قاعدة جديدة للتنظيم لتجميع هذه الفلول في أفغانستان وباكستان بدلاً من التي خسرها في سوريا والعراق”.
كذلك حذر مسؤولون أفغان، الشهر الماضى، من (داعش) بالجزائر وفرنسا الذين يقومون بتدريب إرهابيين فى ولاية “غوزغان”، شمال أفغانستان، كما يشهد إقليم “ننغرهار”، على الحدود مع باكستان، نفوذاً كبيراً للمجموعات الإرهابية التابعة لتنظيم (داعش) وحركة “طالبان” اللذين يسيطران على مناطق نائية في المناطق الجبلية.