14 نوفمبر، 2024 8:16 م
Search
Close this search box.

العلاقات الإسرائيلية-الروسية في سياق الأزمة السورية

العلاقات الإسرائيلية-الروسية في سياق الأزمة السورية

إعداد/ مهند مصطفى
رأت إسرائيل في التدخل العسكري الروسي في سوريا مؤشرًا على صعود تأثير موسكو في البيئة الإقليمية، فبادرت إلى إرساء تفاهمات معها بهدف منع نقل أي أسلحة نوعية من سوريا إلى لبنان، ولتحول دون وصول الحرب إلى حدودها، ولتستمر في هجماتها العسكرية في الساحة السورية متى شاءت ذلك.

تهدف هذه الورقة إلى تحليل العلاقات الروسية-الإسرائيلية في سياق الملف والأزمة السورية، وخاصة مع بداية التدخل العسكري الروسي في سوريا. وترى أن إسرائيل استطاعت أن تبلور تفاهمات مع روسيا بشأن الملف السوري، وذلك على الرغم من التناقضات البيِّنة بين حلفاء روسيا في المنطقة عمومًا وفي الأزمة السورية خصوصًا، أسهمت في ضمان مصالحها الأمنية على الجبهة السورية. إلا أن ذلك لا يعني أن روسيا تسعى إلى بلورة المشهد السوري بناء على المصالح الإسرائيلية، علاوة أن روسيا تحاول أن تلعب دورًا إقليميًّا مؤثِّرًا ولذلك فهي تريد أن تحافظ على توازن المصالح بين حلفائها في المنطقة وبين إسرائيل؛ حيث باتت الأخيرة قوة إقليمية تحتاج روسيا إلى أخذ مصالحها بعين الاعتبار أيضًا إذا أرادت أن تكون، أي روسيا، قوة إقليمية. استطاعت إسرائيل عبر بلورة تفاهمات مع روسيا الحفاظ على مصالحها الأمنية في الأزمة السورية؛ حيث إن المصالح الأمنية لا تزال الاعتبار الأساسي في التعامل والموقف الإسرائيليين من الأزمة أكثر من مستقبل سوريا، وحدَّدت إسرائيل منذ اندلاع الأزمة السورية موقفًا محايدًا من الحرب الدائرة فيها (رغم تباين المواقف داخل النخب السياسية والأمنية بشأن ذلك)، إلا في حالة نقل سلاح من سوريا إلى حزب الله، واقتراب الحرب على الحدود الإسرائيلية، وانتهاك السيادة الاسرائيلية، ففي هذه الحالات تتدخل إسرائيل، واستمرت إسرائيل بالحفاظ على هذا الإطار من مصالحها الأمنية حتى بعد دخول القوات الروسية إلى سوريا.

مقدمة

تندرج الأزمة السورية في التصورات الإسرائيلية بالدرجة الأولى كمشكلة أمنية، فليس هنالك موقف رسمي واضح في إسرائيل تجاه مستقبل سوريا، وتعرف إسرائيل أن قدرتها على تحديد هذا المستقبل هامشية. في نفس الوقت تدرك إسرائيل التغييرات الحاصلة على البيئة الإقليمية، وحضور روسيا كقوة مؤثِّرة على الأحداث في المنطقة عمومًا، وفي سوريا خصوصًا.

ظهرت روسيا كقوة دولية عائدة إلى الشرق الأوسط، ولأنها قوة دولية فإنها تحتاج إلى المراوغة في ساحة تتقاطع وتتناقض فيها المصالح بين حلفائها في المنطقة، ولا يعني ذلك بالنسبة لها التناقض في سياساتها وتصوراتها الاستراتيجية في المنطقة؛ فهي من جهة لديها تحالف مع إيران وسوريا، وتدعم النظام السوري، وفي نفس الوقت تحاول الظهور كطرف وسيط كما كان في مؤتمر جنيف(1).

وعلى الجانب الإسرائيلي، فإن روسيا، رغم دعمها لإيران، ترى في العلاقة مع إسرائيل هدفًا مهمًّا من أهدافها في الشرق الأوسط، كما أن إسرائيل تفهم أهمية الدور الروسي العائد بقوة إلى المنطقة وهو ما أشار إليه وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، بوغي يعلون، في عدة مناسبات ومحاضرات له؛ حيث اعتبر يعلون في محاضرة له أن عودة روسيا إلى المنطقة بقوة عبر المشهد السوري، جاءت نتيجة غياب الولايات المتحدة عن هذا المشهد وترددها في اتخاذ موقف مثابر، يتمثَّل بدعم المحور السُّنِّي العربي الذي يحارب المحور الشيعي هناك. واعتبر يعلون أن روسيا هي التي تقود تطورات هذا المشهد ابتداء من تسليح النظام، مرورًا بتفكيكه من سلاحه الكيماوي وانتهاء بعقد مؤتمر جنيف 2. كل ذلك تقوده وتبلوره وتضبط إيقاعه روسيا في ظل غياب الولايات المتحدة، ويعتقد يعلون أن هذا الغياب ليس قسريًّا بل إراديًّا؛ فالولايات المتحدة قررت الانسحاب من المنطقة، وفي نفس الوقت اعتبر يعلون أنه ليس هنالك قوة في العالم تستطيع أو راغبة في أخذ مكانة الولايات المتحدة كشرطي للعالم (هذا المصطلح الذي استعمله يعلون) مما يُعقِّد الوضع أكثر فأكثر(2).

كما أن إسرائيل تبذل جهودًا كبيرة للحفاظ على العلاقة مع روسيا؛ وذلك بسبب أن الأخيرة هي المزوِّد الأساسي للسلاح لإيران وسوريا وعلاقتها مع روسيا مهمة في هذا المجال؛ فقد نجحت إسرائيل مرارًا بمنع تزويد سوريا بصواريخ متقدمة مضادة للطائرات بسبب هذه العلاقة، وفي نفس الوقت تفهم إسرائيل المصالح الروسية في المنطقة ومحدودية قدرتها على التأثير العميق على السياسات الروسية. ولأهمية روسيا لإسرائيل، وخاصة في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها المنطقة على المحور الإيراني والسوري، قام نتنياهو بزيارة روسيا مرتين، الأولى في مايو/أيار 2013، والثانية في نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام. وكان موضوع المباحثات الأساسي بين نتنياهو وبوتين هو الملف النووي الإيراني، وزارها ثلاث مرات في العام 2016 لبحث الملف السوري والتدخل الروسي في سوريا.

ظهر قبل دخول القوت الروسية إلى سوريا بعض التوتر بين الدولتين في أعقاب الموقف الإسرائيلي من الأزمة السورية، وخاصة من السلاح الكيميائي السوري. ولكن بعد أن تم التوصل إلى اتفاق بشأن السلاح الكيماوي السوري، تحدَّث بوتين عن السلاح النووي الإسرائيلي؛ ففي كلمة له في إحدى المنتديات في موسكو قال: “تم بناء السلاح الكيماوي السوري كردِّ فعل على السلاح النووي الإسرائيلي”، وأكَّد “أن التفوق التكنولوجي الإسرائيلي لا يُلزمها بالاحتفاظ بسلاح نووي؛ فالنووي يجعلها هدفًا”، وذكر أنه في إسرائيل هنالك جهات تعارض السلاح النووي، وذكر في كلامه موردخاي فاعنونو. وقال بوتين خلال اللقاء: إن على إسرائيل أن تتنازل في النهاية عن السلاح النووي كما فعلت سوريا مع السلاح الكيماوي. وقال: إن إسرائيل على عكس روسيا ليست عضوًا في الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن والتي يحق لها امتلاك سلاح كيماوي(3).

ظهر الموقف الروسي المتنوع في هذه اللقاءات التي جمعت الزعيمين؛ فمن جهة أكد بوتين أنه يؤيد الموقف الإيراني حول ضرورة تسوية الملف النووي من خلال اتفاق نهائي، ولكنه أكد دعمه للمصالح الأمنية الإسرائيلية(4). كما وعد بوتين نتنياهو بمنع عقد اجتماع اللجنة التابعة للأمم المتحدة التي تعمل على إخلاء الشرق الأوسط من السلاح النووي والتي كانت ستركِّز على الملف النووي الإسرائيلي. وجاء هذا الوعد على الرغم من أن بوتين هو الذي بادر إلى اجتماع هذه اللجنة، وعلى ما يبدو كانت روسيا ترغب في الضغط على إسرائيل في هذا الشأن، لتقليل حدَّة المعارضة الإسرائيلية لاتفاق جنيف مع إيران(5). إلا أن الموضوع الإيراني تراجع في أجندة إسرائيل بعد توقيع الاتفاق النووي، وتحولت الأزمة السورية إلى الملف المهم بين البلدين بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا أواخر عام 2015.

التدخل الروسي في سوريا والعلاقة مع إسرائيل

انطلقت العلاقات الروسية-الإسرائيلية بعد التدخل الروسي العسكري في سوريا من تفهم الطرفين للمصالح السياسية للبلدين في البيئة الإقليمية والدولية، ويحمل التفهم الإسرائيلي للمصالح الروسية في سوريا دورًا إيجابيًّا في توثيق العلاقة بينهما؛ لذلك فإن إسرائيل امتنعت سابقًا عن التنديد بالحرب الروسية على جورجيا، أو ضمِّ شبه جزيرة القرم وتدخلها في الحرب الأهلية المحدودة في أوكرانيا، مخالفة في ذلك الموقف الأميركي الرسمي الذي يعتبر روسيا تهديدًا دوليًّا جديًّا في عهد الرئيس بوتين، وتكرر الأمر نفسه في التدخل العسكري الروسي في سوريا عام 2015؛ حيث استغلت إسرائيل ذلك لبناء تفاهمات عسكرية وسياسية مع روسيا فور تدخل الأخيرة في سوريا(6). وتعتبر إسرائيل أن التدخل الروسي الفاعل في المنطقة هو مؤشر لصعودها كقوة دولية مؤثِّرة على البيئة الإقليمية، وربما يفوق التأثير الأميركي، خاصة بعد توتر علاقة الأخيرة مع حلفائها التقليديين في المنطقة فترة إدارة أوباما. وصرَّح مسؤولون إسرائيليون أكثر من مرة، وخاصة وزير الدفاع السابق، بوغي يعلون، بأن الولايات المتحدة تركت فراغًا كبيرًا في الشرق الأوسط؛ مما حدا بروسيا لاستغلاله ودخولها للمنطقة عبره. وكان وزير الدفاع الإسرائيلي السابق مثابرًا في انتقاد الولايات المتحدة وسياساتها في المنطقة، واعتبر أن سياسة “الجلوس على الجدار” التي تتبعها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط تدل على ضعفها أمام التدخل الروسي(7).

فورًا بعد دخول القوات الروسية إلى الأراضي السورية، بادر نتنياهو للقاء بوتين في موسكو، وجرى اللقاء السريع في سبتمبر/أيلول 2015، ورافق نتنياهو في الزيارة، بشكل غير مسبوق، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، هرتسي هليفي، وانضم إليهما لاحقًا رئيس هيئة الأركان، غادي إيزنكوت. وكان اللقاء يهدف إلى ترتيب التفاهمات بين البلدين في أعقاب الحضور العسكري الروسي في سوريا، وأوضحت إسرائيل لروسيا أنها لا تفضِّل طرفًا على الآخر في الصراع الدائر في الساحة السورية(8). كما أوضحت إسرائيل مصالحها الثلاث في سوريا، والتي تتمثل في:

1. منع نقل أسلحة من سوريا إلى حزب الله.

2. منع انتقال الحرب إلى الحدود الإسرائيلية.

3. “حق” إسرائيل في الدفاع عن نفسها أو توجيه ضربات استباقية لعمليات موجهة ضد إسرائيل من المناطق السورية.

وبالفعل شنَّت إسرائيل للمرة الأولى، بعد زيارة نتنياهو لروسيا، هجومًا على مواقع للجيش السوري في مركز هضبة الجولان، في أكتوبر/تشرين الأول 2015، في أعقاب سقوط قذائف بالخطأ في شمال الهضبة. وكان قد سَبَقَ هذا الأخير هجوم آخر عشية دخول القوات الروسية لسوريا، وذلك في نهاية سبتمبر/أيلول، لنفس السبب(9). كما اغتالت إسرائيل سمير القنطار في دمشق (20 ديسمبر/كانون الأول 2015) رغم الوجود الروسي في سوريا، وهو ما يدل على حرص روسيا على عدم المساس بالمصالح الإسرائيلية التي حددتها الأخيرة لنفسها قبل التدخل الروسي. ويعتقد خبراء إسرائيليون أن التدخل الروسي في سوريا أسهم بالذات في تعزيز العلاقات والتفاهمات بين البلدين فيما يتعلق بالبيئة الإقليمية؛ حيث يتفق الطرفان على ضرورة الحفاظ على الاستقرار في المنطقة من خلال وجود أنظمة سلطوية غير ديمقراطية. وفي نفس الوقت يشير خبراء إلى أن هناك تخوفًا من ترك روسيا لسلاح روسي متقدم للجيش السوري بعد انسحابها، مثل الصواريخ المضادة للطائرات، كما أن التواجد الروسي يُعزِّز “المحور الشيعي” في المنطقة على حساب المحور السنِّي المُعتدل، حسب التسميات الإسرائيلية(10).

مع تعقُّد الأزمة السورية فإن إسرائيل باتت أكثر ضبابية في رؤيتها لمستقبل سوريا، وربما كان الأمر يعود إلى تباين المواقف داخل النخب السياسية والأمنية الإسرائيلية حول مستقبل سوريا؛ فهناك من يفضِّل ذهاب الأسد، لأنه يمثِّل المحور الإيراني الذي تعتبره إسرائيل الخطر المركزي عليها، وآخرون يعتبرون بقاء الأسد لم يضرَّ بمصلحة إسرائيل الأمنية كونها خَبِرته في الماضي وردعته عسكريًّا، وتعرف التعامل معه، ومع ذلك فإن إسرائيل تصرِّح دائمًا بأنها لا تفضِّل طرفًا على الآخر، ويحمل هذا الموقف، إضافة إلى الاعتبارات الاستراتيجية الإسرائيلية، محاولة إسرائيلية للحفاظ على علاقات مع جميع الأطراف؛ فمن جهة تعلن إسرائيل عن تعزيز تحالفها وعلاقاتها مع الدول “السنِّية المعتدلة”، كما تسمِّيها، والتي ترغب في إسقاط الأسد، ومن جهة أخرى تعزِّز تفاهماتها مع روسيا والتي تعمل على إبقاء الأسد، ما يشير إلى أن إسرائيل ترى في مسألة بقاء أو ذهاب الأسد مسألة هامشية بالنسبة لحفاظها على مصالحها الأمنية على المدى القصير، ومصالحها الاستراتيجية على المدى البعيد.

ومما يزيد من قوة الادِّعاء على تفاهمات روسية-إسرائيلية بالنسبة للتدخل الروسي في سوريا، هو التأكيد الروسي على أن حزب الله لا يحصل على أسلحة روسية متطورة؛ فقد أبدت إسرائيل تخوفاتها من حصول حزب الله على أسلحة روسية مُتَقَدِّمَة بعد نشر تقارير في وسائل إعلام أجنبية عن حصول حزب الله على مثل هذه الأسلحة؛ الأمر الذي نفاه السفير الإسرائيلي في روسيا، زيفي حيفتس، خلال لقاء خاص واستثنائي معه في لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، كما نفاه السفير الروسي في إسرائيل، والذي طمأن الإسرائيليين بأن روسيا أجرت تحقيقًا داخليًّا في أعقاب النشر الإعلامي وتبيَّن أن المعلومات الواردة فيه غير صحيحة(11).

وقد استمر التعاون وبناء التفاهمات بين البلدين بشأن الموضوع السوري في العام 2016 أيضًا؛ فبعد أن تم الاتفاق على إطار للعمل المشترك بين البلدين بعد دخول القوات الروسية إلى سوريا أواخر عام 2015، طلبت إسرائيل من روسيا أن يتم الاتفاق من جديد بين البلدين في أعقاب قيام روسيا بنصب صواريخ مضادة للطائرات في سوريا في أكتوبر/تشرين الأول من نوع “إس 300″؛ حيث توجَّه الجيش الإسرائيلي إلى نظيره الروسي بطلب ذلك. والجدير بالذكر أن تقديم الطلب جرى عبر الخط الساخن الذي فُتِح بين البلدين نهاية العام 2015(12). وخلال العام الحالي لم يتوقف التنسيق بين روسيا وإسرائيل حول الملف السوري حيث تحدَّث نتنياهو مع بوتين هاتفيًّا ثلاث مرات بشأن سوريا ومرة بشأن التصويت على قرار مجلس الأمن بشأن المستوطنات الذي صوَّتت روسيا لصالحه بالنهاية. كما زار نتنياهو والرئيس الإسرائيلي، رؤوبين ريفلين، روسيا أربع مرات خلال العام 2016، ما يدل على التفاهمات بين البلدين بشأن الملف السوري؛ حيث تدرك روسيا الحساسية الإسرائيلية من اقتراب الصراع في سوريا إلى الحدود الإسرائيلية، وتمتنع عن تزويد حلفائها في المنطقة، خصوم إسرائيل طبعًا، بأسلحة تهدد التفوق العسكري الإسرائيلي، علاوة على التفهم الروسي للضربات التي تشنُّها إسرائيل بين الفينة والأخرى على قوافل أسلحة تدَّعي إسرائيل أنه يتم نقلها إلى حزب الله في لبنان(13).

وأشار عاموس يدلين، الذي شغل سابقًا منصب رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، إلى أن التدخل الروسي في سوريا أنقذ النظام السوري من هزيمة، وأشار يدلين إلى أن التدخل الروسي في سوريا قلَّص مساحة المناورة العسكرية الإسرائيلية المسموح بها في المجال الجوي السوري؛ حيث إن روسيا لم تمنع إسرائيل من القصف داخل سوريا، إلا أن إسرائيل تمتنع عن الاقتراب من دائرة الصواريخ المضادة للطائرات التي نصبتها روسيا في سوريا(14).

ويعدِّد يدلين مجموعة من الانعكاسات الإيجابية للتدخل الروسي في سوريا على إسرائيل:

أولًا: استقرار الوضع في سوريا (نسبيًّا طبعًا)؛ الأمر الذي يسمح بالتوصل إلى تسوية حول مستقبل سوريا؛ حيث تفضِّل إسرائيل الاستقرار في الساحة السورية لكي يكون لها عنوان سياسي داخل البلد تستطيع التعامل معه وبناء تصورات تجاهه، وعلى الرغم من أن إسرائيل لم تصرِّح بشكل سوريا الذي تريده بعد هذه الأزمة إلا أن الاستقرار ووضوح الرؤية في الساحة السورية هو مهم لإسرائيل، وهذا حدث بفضل التدخل الروسي على حدِّ تصور يدلين.

ثانيًا: التنسيق مع روسيا أظهر إسرائيل كدولة مهمة ومستقرة وذات مصداقية في المنطقة.

ثالثًا: التفاهمات التكتيكية مع روسيا حول الملف الروسي تشكِّل منطلقًا لتفاهمات استراتيجية في المستقبل، خاصة أن الدولتين ملتزمتان بالتفاهمات التكتيكية ما يعزِّز الثقة بينهما مستقبلًا.

وأخيرًا، فإن التدخل الروسي وتَعَزُّز قوة المعسكر الشيعي -أعداء إسرائيل- يسهم في تعزيز علاقة إسرائيل مع الدول العربية السنِّية في المنطقة التي قد ترى في إسرائيل قوة إقليمية وحليفة مهمة في حربها ضد المحور الشيعي.

في المقابل، يعدِّد يدلين الانعكاسات السلبية للتدخل الروسي على إسرائيل، ومنها: تعزيز قوة المعسكر الشيعي في المنطقة وذلك في وضعه على الحدود الإسرائيلية، وتزويد حلفاء روسيا: إيران-حزب الله-النظام السوري، بسلاح روسي مُتقدِّم، وتزويدهم بقدرات ومعلومات استخباراتية عن إسرائيل وتعزيز القدرات القتالية لحزب الله، واقتراب هذا المحور من الحدود مع إسرائيل، فكل ذلك، حسب يدلين، سوف يهدِّد أمن إسرائيل في المستقبل. كما أسهم التدخل الروسي في المنطقة في دخول سلاح روسي مُتقدِّم إلى الساحة السورية، وسيبقى جزء منه في سوريا بعد الحرب وسيكون جزءًا من السلاح الموجه لإسرائيل.

أما يعقوب عميدرور، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي ومستشار نتنياهو السابق للأمن القومي، فيشير إلى أن هنالك خلافات بين روسيا وإسرائيل حول مجموعة من القضايا وأهمها تزويد روسيا لأعداء إسرائيل بالسلاح وخاصة إيران وحزب الله، إلا أن روسيا تفهَّمت المصالح الإسرائيلية في سوريا التي تمثَّلت بإعطاء إسرائيل إمكانية للتصرف بمساحة معينة للحفاظ على مصالحها. ويشير عميدرور إلى أن ذلك يعبِّر عن الشرعية التي حصلت عليها إسرائيل للعمل في سوريا(15). ويعتقد عميدرور أن إسرائيل تصرفت بواقعية في علاقتها مع روسيا في الملف السوري ومجمل الشرق الأوسط، فهي تفهم أنها لا تستطيع تحقيق كل مصالحها مع روسيا، مثل منع نقل صواريخ ضد الطائرات لسوريا وإيران (إس 300)، لكنها تستطيع أن تؤجِّل وتعوق نقل هذا السلاح وبكميات لخصومها في المنطقة. ويختلف عميدرور مع يدلين في أنه لا يجب المبالغة في التفاهمات بين روسيا وإسرائيل؛ حيث إن هذه التفاهمات هي تقنية ولا تحمل بالضرورة انعكاسات استراتيجية بعيدة المدى للعلاقة بين البلدين، ولكن لا يقلِّل عميدرور من إنجاز إسرائيل في وضع هذه التفاهمات لمنع الصدام بين الدولتين كما حدث مع تركيا وروسيا، وهو لا يتوقع من روسيا أن تمنع إيران وحزب الله من تنظيم “أعمال عدائية” ضد إسرائيل. وفي مقال آخر كتبه عميدرور بُعيد دخول القوات الروسية إلى سوريا، أشار إلى أن على إسرائيل أن تتكيف مع سوريا تكون فيها إيران دولة مركزية في صياغة مستقبل سوريا؛ حيث إن روسيا ستُشرك إيران في كل نقاش حول مستقبل سوريا(16).

خاتمة

استطاعت إسرائيل، رغم الحلف بين روسيا وأعداء إسرائيل في الساحة السورية، أن تبني تفاهمات مع روسيا حول مصالحها الأمنية في سوريا، وتتمثل هذه المصالح في منع نقل سلاح من الساحة السورية إلى لبنان، ومنع اقتراب الحرب من الحدود الإسرائيلية، ومنح إسرائيل حق الرد على هجمات عليها من أطراف داخل الساحة السورية. ومما سهَّل التوصل إلى هذه التفاهمات التأكيد الإسرائيلي للجانب الروسي على أنها محايِدة في الصراع في سوريا ولا تدعم طرفًا ضد الآخر وأنها لا ترى نفسها شريكًا في تحديد مستقبل سوريا؛ الأمر الذي دفع روسيا إلى الأخذ بعين الاعتبار المصالح الإسرائيلية ذات الطابع الأمني في سوريا. ومع ذلك، فإن تحليلًا لكمية الهجمات التي شنَّتها إسرائيل قبل التدخل الروسي وبعده يشير إلى أن روسيا لا تمنح إسرائيل حرية التصرف الكامل حتى في هذه المصالح، فكمية الضربات تراجعت بعد دخول روسيا عمَّا كانت قبله، وربما يعود الأمر أيضًا إلى حرص روسيا على عدم إعطاء سلاح مُتقدِّم لأعداء إسرائيل في سوريا. هنالك خلاف في إسرائيل بين من يعتقد أن هذه التفاهمات قد تؤدي إلى علاقات استراتيجية بين البلدين، ومن يعتقد أنها ستبقى تفاهمات تقنية ذات صلة بالوضع الأمني القائم في سوريا فقط، ولا شك في أن دخول دونالد ترامب للبيت الأبيض قد يذهب بهذه التفاهمات إلى اتجاهات أخرى.

____________________________

مهند مصطفى – باحث مشارك في مركز مدى الكرمل- حيفا

مراجع

1- تسيفي مغين، “روسيا: حول جهودها لتعزيز التأثير”، التقدير الاستراتيجي لإسرائيل 2012-2013، تل أبيب: مركز دراسات الأمن القومي، 2014، ص 87-94.

2- شاهد الخطاب الكامل لوزير الدفاع الإسرائيلي على الرابط التالي: http://www.youtube.com/watch?v=LQT0S5QTDD0

3- آساف رونال، “البطاقة الإسرائيلية لبوتين”، هآرتس، 20 سبتمبر/أيلول 2012، ص 3.

4- المرجع السابق، ص 92.

5- إيلي برنشطاين، “بوتين وعد نتنياهو: سأمنع اجتماع اللجنة لإخلاء الشرق الأوسط من النووي”، معاريف، 20 ديسمبر/كانون الأول 2013، ص 1.

6- عوديد عيران وتسفي مغين، إسرائيل وتدخُّل القوى الدولية في الشرق الأوسط، في: مجموعة مؤلفين: تقييم استراتيجي لإسرائيل 2015-2016، تل أبيب: معهد دراسات الأمن القومي، 2015، ص 27-33.

7- براك ربيد، كيري: “توجهات اليوم تقود إلى واقع الدولة الواحدة، لا يمكن أن نخدع أنفسنا”، هآرتس، 6 ديسمبر/كانون الأول 2015، ص 1- 5.

8- عاموس هرئيل، “نتنياهو وبوتين يلتقيان اليوم، طائرات قتالية روسية متقدمة رُصدت في سوريا”، هآرتس، 21 سبتمبر/أيلول 2015، ص 1.

9- نوعا شبيغل وعاموس هرئيل، “الجيش الإسرائيلي ضرب في سوريا كردٍّ على إطلاق خاطئ للجولان”، هآرتس، 14 أكتوبر/تشرين الأول 2015. ص 10.

10- تسيفي مغين واودي ديكل، هل في التدخل الروسي في سوريا هنالك فرص لإسرائيل؟، في مجموعة مؤلفين، التقييم الاستراتيجي لإسرائيل 2015-2016، تل أبيب: مركز دراسات الأمن القومي، 2015، ص:57-59.

11- Barak Ravid, Russia Promises Israel no Weapons going to Hezbollah in Syria, Haaretz, 2\2\2016, p. 1.

12- براك ربيد، “إسرائيل طلبت من روسيا صياغة تفاهمات جديدة في أعقاب تنصيب صواريخ مضادة للطائرات في سوريا”، هآرتس، 16 أكتوبر/تشرين الأول 2016، ص 6.

13- تسيفي مغين، روسيا: تحديات داخلية وخارجية، في: تقدير استراتيجي لإسرائيل 2016-2017، (تل أبيب: معهد دراسات الأمن القومي، 2016)، ص: 61-67.

14- عاموس يدلين، “روسيا في سوريا والانعكاسات على إسرائيل”، مجلة عدكان استراتيجي، المجلد 19، العدد 2، 2016، ص:15.

15- يعقوب عميدرور، “استعمال القوة في سوريا: هاوية الجليد الروسي”، مجلة مباط، مركز بيغن سادات للدراسات الاستراتيجية، العدد 371، 2016.

16- يعقوب عميدرور، “تفكك سوريا: الحذر، وتسوية جديدة”، أوراق مركز بيغين سادات، رقم 317، 2015.
المصدر/ الجزيرة للدراسات

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة