خاص : ترجمة – سعد عبدالعزيز :
دفع الخطاب الأخير للرئيس الروسي، “فلاديمير بوتين” – الذي كشف فيه عن إمتلاك موسكو لأسلحة جديدة متطورة – المحللين الإسرائيليين لإستشراف موقف موسكو من أي تصعيد عسكري مُحتمل بين إسرائيل من ناحية وإيران و”حزب الله” من ناحية أخرى.
وهل ستسعى موسكو لإخماد الحرب المحتملة؛ أم أنها ستستغل التصعيد لخدمة مصالحها الإستراتيجية ؟
موسكو ترسخ هيمنتها في سوريا..
في هذا الإطار نشرت صحيفة (معاريف) العبرية مقالاً للمحلل الإسرائيلي والمسؤول السابق في جهاز الموساد، “حاييم تومر”، قال فيه: “خلال الأشهر الأخيرة ادعى العديد من المعلقين، بمن فيهم إسرائيليون، بأن الرئيس الروسي، «فلاديمير بوتين»، لا يريد أن ينزلق الشرق الأوسط إلى حرب جديدة، ولا يرغب تحديداً في اندلاع قتال على نطاق واسع فيما تُطلق عليه إسرائيل (الجبهة الشمالية). وزعم المحللون أن «بوتين» يعطي أولوية للإجراءات الرامية لإعادة ترسيخ أقدام نظام «بشارالأسد»، والتركيز على الجهود الرامية لدحر آخر جيوب المقاومة الإسلامية في منطقة دمشق وشمال سوريا”.
كما أضاف الخبراء بأن موسكو تريد خلق حالة من الهدوء؛ حتى تتمكن من ترسيخ هيمنتها في سوريا لفترة طويلة, وذلك من خلال بناء قدرات بحرية وجوية في ظل رغبتها في الانتشار العسكري الإستراتيجي الدائم في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط. بل إن البعض يذهب إلى حد القول بأنه ليس من مصلحة الرئيس “بوتين” أن يحد من قوة إسرائيل في ضوء علاقاته الجيدة مع “نتانياهو”؛ وسعيه لكي يجعل من نفسه القائد الوحيد على مستوى العالم الذي يحظى حالياً بثقة إيران وسوريا وإسرائيل.
والدليل على ذلك، بحسب الخبراء، أنه يحرص على التنسيق العسكري مع إسرائيل ويسعى للحد من حرية التحرك الإيراني في سوريا.
عودة «الحرب الباردة» في ثوب جديد..
يرى “تومر”؛ أنه في ضوء هذا الفهم، ينبغي على المسؤولين الإسرائيليين أن يبحثوا الطرح المعاكس تماماً, الذي يستند على إفتراض أنه في إطار السباق الذي تخوضه روسيا لإستعادة موضعها كقوة عسكرية عالمية عُظمى تتساوى مع قوة الولايات المتحدة والصين، فإن اندلاع مواجهة مسلحة بين إسرائيل وحلفاء موسكو في “دمشق” و”طهران” لا يتعارض بالضرورة مع مصالح “بوتين”, بل قد يتوافق معها.
وربما لا يشجع “بوتين” مثل تلك المواجهة، ولكن إذا اندلعت بالفعل – سواء جراء سلوك إسرائيل أو سلوك إيران وسوريا – فإنه قد لن يسعى لإخمادها. وعلى العكس من ذلك – إنه سيحاول استغلالها ليجعل من روسيا زعيمة للمعسكر المنتصر في الشرق الأوسط وإظهار قدرته على النيل من الولايات المتحدة وشركائها.
يستند هذا الإفتراض إلى أمرين، أولهما: استخدام “بوتين” المتكرر لوسائل القوة الغاشمة، دون رد فاعل من الطرف الآخر. والثاني: هو تزايد التوتر بين روسيا والولايات المتحدة حول عدة قضايا؛ وعلى رأسها عودة “سباق التسلح” و”الحرب الباردة” في ثوبها الجديد.
“بوتين” يستخدم القوة العسكرية منذ عام 2008..
يوضح “تومر” أنه في سياق الميل المتنامي لاستخدام القوة العسكرية، تجدر الإشارة إلى التحركات الروسية بدءاً من صيف عام 2008، عندما قامت بغزو “أوستيا” و”أبخازيا” وضمتهما للسيادة الروسية، على حساب “غورغيا” الضعيفة. ثم بعد ذلك بدأت روسيا تتدخل في الشؤون الداخلية لـ”أوكرانيا”، مما أدى في نهاية المطاف إلى اندلاع الحرب هناك وتحقيق السيطرة الروسية في شرق البلاد. واستمراراً طبيعياً لهذا النهج، أرسلت روسيا قواتها إلى سوريا مما أدى في المرحلة الأولى إلى منع سقوط نظام “الأسد”، ثم خروجه منتصراً لاحقاً من الحرب الأهلية.
ويعني هذا أن “بوتين” أخذ يستخدم القوة العسكرية بشكل منهجي منذ عام 2008، بهدف تعزيز إستراتيجيته في الدائرة القريبة من حدود بلاده، ولكن أيضاً في ساحات أبعد يرى حيويتها لتعزيز مكانة روسيا الدولية. أما الثمن الذي سيتعين على روسيا دفعه، حتى الآن، بسبب عدوانها، فإنه يقتصر على المجال الاقتصادي – السياسي، ولا يبدو أن ذلك كافياً لردعها.
أسلحة «بوتين» الجديدة: النووية والسيبرانية..
يرى المحلل الإسرائيلي أن المجال لا يتسع هنا للحديث بالتفصيل عن عودة “الحرب الباردة” وإستراتيجية “بوتين”، التي يستفز بها الرئيس الأميركي، “ترامب”، الذي يفتقر إلى سياسة خارجية مُعتبرة، ويتسبب في تراجع النفوذ الفعال للولايات المتحدة بشكل عام ونفوذها في الشرق الأوسط بشكل خاص.
ويكفي ذكر ظاهرتين رئيسيتين, أولهما: استخدام روسيا للقدرات الهجومية في الفضاء السيبراني، وإستعداد موسكو لاستخدام تلك القدرات بشكل عملياتي. وينبغي في هذا الشأن الإستماع لتصريحات رئيس وكالة الأمن القومي الأميركية، التي أدلى بها الأسبوع الماضي؛ وشكى في الواقع من أنه لم يحصل على موافقة البيت الأبيض لتبني سياسة انتقامية مناسبة في مواجهة الهجمات السيبرانية الروسية المتكررة.
والظاهرة الثانية في نهج “بوتين” الاستفزازي؛ هي عودة روسيا إلى “سباق التسلح” بالصوايخ النووية. ففي الأسبوع الماضي، وخلال خطاب هجومي ضمن حملته الانتخابية، كشف “بوتين” لأول مرة عن أن روسيا على وشك الإنتهاء من تطوير سلاح نووي متطور وقادر على الدفع والتوجيه الذاتي، مما سيمكنها من ضرب أي هدف على وجه الكرة الارضية، بما في ذلك الولايات المتحدة.
«الأسد» شريك إستراتيجي لموسكو..
خلاصة القول إن إسرائيل بقيادة “نتانياهو” تُعتبر في الرؤية الشمولية للرئيس، “بوتن”، شريكاً للولايات المتحدة وللرئيس، “ترامب”، أي أنها ضمن المعسكر المناوئ، فيما يُعتبر، “الأسد”، شريكاً إستراتيجياً لموسكو ويحظى بدعم روسي مستمر، حتى حينما ينحرف عن الخط ويستخدم الأسلحة الكيميائية ويقصف المدنيين. ومن وجهة نظر موسكو أيضاً، فإن طهران و”حزب الله”، الذي يدور في فلكها، هم من “الأخيار” – لا سيما بسبب عدائهما الولايات المتحدة.
وبالتالي، ففي حال قيام إسرائيل بمهاجمة سوريا؛ وربما أيضاً “حزب الله”، فإن “بوتين” قد يشجع شركائه على الرد، وقد يستغل التدهور كي يوجه رسالة مفادها أن شركاء روسيا هم من يخرجون منتصرين في ساحة المعركة العالمية أو على الأقل لا ينهزمون. ويُعد إسقاط طائرة (F-16) ونصب القذائف الصاروخية لإعترض طائرات سلاح الطيران الإسرائيلي في أعقاب اختراق الطائرة الإيرانية المسيرة؛ بمثابة إشارة في هذا الإتجاه.