22 نوفمبر، 2024 5:13 م
Search
Close this search box.

العقل والعلم يقودان الحياة..

العقل والعلم يقودان الحياة..

وليس الاديان
لم تعد هناك حاجة للعودة الى التاريخ لمعرفة الحقائق المنتهية الصلاحية،فكل شيء اصبح في متناول العقل،ليست عملية انقطاع او اقتطاع للجذور،ولكن هي القرية الكونية التي عبرت بالعقل والعلم كل الاشكالات والتساؤلات والمعتقدات الغيبية،بمسيرة ابداعية انسانية متواصلة،مرت بمراحل بدائية صعبة،ثم بزغ عصر الالكترون ،فأنقلبت احوال المجتمعات المتحضرة عبر بناء منظومة القيم الانسانية العلمية الحديثة،وكأنها فككت رموز واسرار وقصص التاريخ ،فصارت عندهم الاحلام حقيقة…
امم لم تختلف اهدافها وغاياتها عن ماجاءت به الاديان السماوية او الوضعية الانسانية الصالحة للبشر(وليست المزيفة عبر رجال الدين اوالمؤسسات الدينية)،فصعدت الى اعلى قمم الارض، وبقي الاخرون في قاع الدنيا ،يسبحون مع التراث الميت..
اذا اردنا ان نعود لنقد التاريخ الاجتماعي الانساني، سنجد ان الكوارث والحروب والظلم والاستبداد كانت تجري وتحدث تحت مظلة المؤسسات الدينية ورجالها(حتى في عهد الاديان الاسطورية القديمة)،هي من كانت تقود الخرافة والفتن ،والعنف والعبودية والاستغلال، ومنها اخذت الامبراطوريات الدموية والمستبدة شرعيتها في الحكم المطلق(المقدس من وجهة نظرهم)، لترسيخ مبادئ الخنوع والخضوع، والقبول بالامر الواقع، والمساهمة مع الطواغيت بمصادرة الحقوق الانسانية والحريات العامة،
ولهذا كانت تحارب العقل والعلم والفكر،وتضطهد كل من يعترض او يقترح او يفكر بالمناقشة والتساؤل والتغيير،ليست اليهودية او المسيحية وحدها عرفت عنها تلك الصفات الصنمية او الكهنوتية،
انما الاسلام ايضا مر بنفس تلك التجارب المأساوية ولازالت،بدأ الارهاب مع حكم الخلفاء اللاديني واللاشرعي،والذي كان اكثر دموية في معاملة المسلمين واضطهادهم،لاسيما المفكرين والمعارضين منهم،فقد كان الخليفة هو الحاكم ،وهو ايضا امير المؤمنين والمشرع او المرجع الديني الواجب الطاعة،
كما قلنا لسنا بصدد العودة الى كتب التراث لمعرفة ماكان يجرى سابقا ،وتحليل اسباب استمرارية توريث الثقافة الدينية المتحجرة للمجتمع العربي والاسلامي،المنتجة للجهل والتخلف ،والظلم والفساد الارهاب،وفي جميع المذاهب والمدارس الاسلامية دون استثناء،
انما يحق لاي مسلم ان يسأل عن هذا التاريخ الدموي السيء..
لماذا ظهرت فرقة الخوارج سابقا؟
،ولماذا ايضا ظهرت الوهابية، والسلفية. والداعشية ،والشيرازية،والطقوسية الشيعية، والصوفية والعرفانية الخ.
كيف كان الخليفة ورجال الدين او ائمة المذاهب ينظرون الى القران الكريم،
بأية ذهنية يفهمون حلقات الاتصال الالهية بالانسان والكون عموما،
وهل قدسية كتاب الله عزوجل في حفظه او تطبيقه او رؤيته على ارض الواقع،يتجسد بطبيعة الحياة اليومية المتغيرة ،والمتصاعدة في التطور للمجتمعات الانسانية ،وعلاقتها بالكون والعلوم الطبيعية والعلمية،
لاكتشاف الضرورات والمتطلبات والحاجات الانسانية المتجددة،السائرة نحو الاصلاح الاخلاقي والاقتصادي والمعاشي والبيئي، ولبقية المجالات المحمولة جميعها على عجلة التقدم العلمي والعقلي،فالفهم والادراك والقناعة واليقين، اصبح بالامكان اثباته علميا وليس دينيا…
قال تعالى
(وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر:99].
فالعبادة لاتعني العقائد والاركان الاسلامية او الطقوس، انما كل صغيرة وكبيرة في هذا العالم،المتمثلة بأخر ماتوصلت اليه الحضارة الانسانية،والتي وردت في الاديان السماوية والحضارات القديمة،بالاخلاق والعلم والعمل والمعرفة عموما،وبترسيخ القيم الانسانية العظيمة ،كالعدالة والحرية والمساواة بالحقوق(الخ)،وكل مايسمى او يدخل في العرف الحضاري كعمل صالح ينشر السلام والمحبة بين البشر،فالحضارة ليست فردية او احادية انما هي فعل جماعي مؤثر،ساهمت واشتركت فيه اغلب الامم والشعوب الاصيلة….
. الاسلام لايقود الحياة ،ولا اي دين اخر يمكن ان يقودها الى بر الامان،
بل بعبقرية المفكرين والباحثين والعلماء الاذكياء ،وبالعلم الرياضي التكنولوجي يمكن للمسلم ان يفهم القران الكريم بطريقة علمية اكثر مما يأخذه عن كتب التفسير..
بقي حال المسلمين بعد اكثر من اربعة عشر قرنا على حاله ،يسير من سيء الى اسوء،لا الوعظ ولا الارشاد الديني استطاع ان ينقذ الامة العربية والاسلامية من الفشل والتراجع او التهلكة
(كما يحدث من تشويه شامل للتاريخ والحضارة والدين الاسلامي على يد الارهابيين وداعميهم)، انما ازداد العنف والتطرف والظلم والفساد السياسي والمالي والاخلاقي،وهذا يرجع بالطبع الى غياب عمود الدولة والمجتمع، اي سلطة القانون والنظام،
فالوعظ الديني يهتم بمايسمى طبقة الشباب (والشابات) المنحرف او المتأثر بالافكار الغربية(العلمانية )،فتجدهم في اكثر اوقات وحالات الوعظ منهمكين بالدعوات الاصلاحية الدينية الجوهرية كما يتصورون(التي يعتقدون انها مهمة كأهمية اركان الاسلام)، كحث المرأة على ارتداء الحجاب الاسلامي وضبط ترتيباته الجانبية،وطاعة الزوج،وعدم الاختلاط بالرجال والتشبه بهم بممارسة اعمالهم،وتفضيل البقاء وعمل البيت على الدراسة والوظيفة،
اما فيما يتعلق بالشباب فلا تخلوا تلك الدعوات غالبا من تحذيرهم وانذارهم من عاقبة النظر او التحرش بالفتيات، او بالطلب منهم بعدم الاستماع للاغاني او شرب الخمر او ممارسة بعض الفنون والالعاب(الخ.)،
بينما اصبح لجميع تلك القضايا الاجتماعية المهمة(والتي اهملتها انظمتنا الفاشلة) في الدول الغربية قوانين صارمة جدا(لكنها لازلت في بلادنا بعيدة عن التشريعات القانونية الاجتماعية التأديبية ،وبقيت حلولها خاضعة لسلطة المؤسسات الدينية او الاجتماعية)،تحولت الى ثقافة اجتماعية عرفية طبيعية….
الاديان لاتقود الحياة ،بل هي عبارة عن طاقة روحية ضرورية للافراد والمجتمعات،فهي كانت ولاتزال تمثل الجزء الاكبر والمهم من ثقافة الامم والشعوب،مرت عبر الحضارات القديمة بسلسلة متواصلة من عبادة الاوثان والاصنام والمجسمات والاشياء الى مرحلة ارسال وبعث الانبياء والرسل من قبل الخالق عزوجل وتكون الاديان،
ولكن مع بزوغ فجر العلوم والتكنولوجيا(المعرفة الالكترونية)تغيرت احوال البشر،
واعتبرت الاديان جزء من التاريخ والتراث الاخلاقي الانساني المقدس (لكنه المتغير غالبا وليس ثابتا كالجبال)،الذي يتماشى مع الفطرة السليمة،وهي كما نعتقد ارادة الله عزوجل في رفع كرامة ورفاهية الانسان العصري،من هنا لابد ان يرفض العقل كل مامن شأنه ان يقف عائفا او متعارضا مع العلم والابداع،حتى لو كان ذلك يعد شائعا بين المسلمين من انه امرا مقدسا …
الاديان ليست لديها القدرة على تمشية الامور الحياتية اليومية للامم والشعوب والافراد،تغيرت مجالات ومتطلبات وضروريات الحياة العلمية الحديثة كما هو معروف للجميع،اذ لايمكن ان يخاطب المسلمون العالم بلغة التاريخ والدين (بلغة الحلال والحرام)،وبعقلية التراث والعقائد المتناقضة،
فلكل مذهب قراءة وفهم وتصور واجتهاد،حتى اصبح بالامكان لاي شخص مريض او مهزوم ومأزوم نفسيا ان يفتي بالمسائل الشرعية بما فيها اراقة دم الابرياء (كالمتطرفين السلفيين السنة والطقوسيين الشيعة)،هذا التوحش لايستثني دين او طائفة او مذهب عن اخر،بل هكذا تفعل الاديان في غياب لغة العقل والعلم والقانون،
الاسلام كان اكثر الاديان التصاقا بالتاريخ والتراث الفقهي والاجتهادي لما يسمى بالصحابة والسلف الصالح وكتاب الطوائف او المذاهب،لكنه وصل مع الارهاب الى قمة الاشباع الفارغ(الاسلام الذي صادره رجال الدين وليس المقصود الاسلام المحمدي الاصيل)، ودخل مرحلة الانهيار،ولن تتراجع العقول المستنيرة عن الاستمرار بتحطيم جبل الخرافة والجهل والتدليس والكذب والطقوس العبثية،
فهم مضطرين كما قلنا الى استخدام العقل واللغة القانونية المنظمة مدنيا، لمواصلة الحياة بصورة صحيحة وبعقليمة سليمة،والا فأنهم سيتعرضون للمهازل والعداء الدائم،وقد تزحف عليهم الامم الاخرى لابادتهم وسحقهم وسرقة ثرواتهم،او تعود اليهم الامبراطوريات المتقدمة علميا لاستعمارهم واستعبادهم من جديد.
الله عزوجل لم يقل ان في هذا القران الكريم برامج وخطط ومشاريع وبحوث علمية واضحة ،يمكن ان يستخدمها ويستغلها المسلمين للتفوق على بقية الامم، او على الاقل لحماية انفسهم من الغرق في الاوحال ومستنقعات الفتن الطائفية والقبلية والاثنية،صحيح ان بعض المسلمين يقولون ان الله عزوجل قد ذكر في القران الكريم كل شيء عن الحياة،وهي تصلح ان تكون مفاتيح ابواب العلم والمعرفة،ولكن لاشيء تغير على ارض الواقع مع تلك الادعاءات،ليس لان الله سبحانه وتعالى لم يذكر في القران مفاتيح الحياة الاخلاقية العلمية الصالحة للبشر جميعا دون استثناء،انما المشكلة تكمن في قصور العقلية الدينية للمسلم،التي استولت عليها المذاهب والمؤسسات الاسلامية،التي تحولت الى وكيل ونائب عن الله عزوجل ورسوله محمد ص والائمة للتحكم برقاب واموال وحياة المسلمين، وكأنها هي من استوت على عرش الدنيا،
متناسين دورهم في استخدام العقل والعلم لدراسة تاريخ الفرق والمذاهب بالاعتماد على الطرق الواقعية والادوات الحديثة في فهم الاديان واسباب نزولها للبشر ،بغية هدايتهم الى الطريق المستقيم،طريق السلام والعدالة والحرية والعمل والصناعة والابتكار والابداع وجميع اعمال الخير والصلاح، وليست دعوات من اجل الحروب والفوضى والفساد وزيادة ثروات رجال الدين وابناءهم واحفادهم الخ..
الدين يجب ان لايبقى كالاحمال الثقيلة المعلقة بشكل دائم فوق ظهور المسلمين،اذ لابد ان يتحرر الانسان من القيود التي يزرعها ويورثها من يدعي انه وكيل الخالق عزوجل على خلقه..
قال تعالى في سورة الغاشية
{فذكر إنما أنت مذكر(٢١)لست عليهم بمسيطر(٢٢)}
،ليس هناك خلاف في تحويل المؤسسات الدينية الى مؤسسات ثقافية لتوعية المجتمعات وزيادة ايمانها بالله عزوجل وانبياءه ورسله،ونشر رسائل اخلاقية انسانية،تجنبا للوقوع في مخالفة القوانين والعودة الى مربع الجاهلية(التي يطلق عليها في القران الكريم بحدود الحلال والحرام) ،فمهمة رجال الدين ان يكونوا في موقع المسؤولية الانسانية الاخلاقية لمساعدة المؤسسات الحكومية في المحافظة على السلم والامن الاجتماعي والوطني،
ليس من منطلق انهم وكلاء الله عزوجل بيدهم مفاتيح الحياة والجنة والنار،وانما من جهة ان رسالتهم لاتختلف عن رسالة الفلاسفة والمفكرين والعلماء والمثقفين وعباد الله الصالحين،بعيدا عن التدخلات السياسية والطائفية،بتجريم وتحريم النعرت والاحقاد الطائفية التاريخية ..
ان مشكلة رجال الدين في بلداننا انهم بحاجة الى فهم علاقة الدين بالدولة في
المرحلة الدستورية ،وهي المرحلة الانتقالية الوسطى الواقعة كما نعتقد بين المرحلة الدكتاتورية والديمقراطية،فالشعوب المسلمة لاتمتلك في تاريخها السياسي القديم والحديث اية نماذج سياسية ناجحة ،يمكن ان تكون مظلة او قاعدة متينة لبناء ركائزالتعاون المشترك بينها وبين المؤسسات الاسلامية ورجال الدين،ولهذا عليها استغلال تلك المرحلة لتحويل مايعتقدون انها مبادى الاخلاق الاسلامية السليمة الى الدستور(لانعني كما ذكرنا المذاهب والعبادات والعقائد والطقوس انما فقط المتعلقة بالاخلاق)،ثم تنسحب بعيدا عن مؤسسات الدولة المدنية ،وتكتفي بمراقبة تطبيق وملاحظة احترام مؤسسات الدولة القضائية والقانونية الدستورية للمجتمع ،فشعوبنا هي الوحيدة المتأخرة عن الركب الحضاري،التائهة في دوامة اثبات العلاقة والتأثير بين الواجبات الدينية والحياة اليومية،المتناقضة مع روح العصر المدني المتحضر …
خلاصة القول:
المسلم بحاجة الى تعلم القراءة والكتابة والمعرفة الالكترونية،حتى يمكن له ان يفهم دينه بشكل علمي، وليس عبر وجهات نظر شخصية مختلفة ومتقلبة(وفق مبدأ الضرورات تبيح المحظورات)،وان يبتعد رجال الدين عن فكرة انهم وكلاء الخالق عزوجل، وبعد ان تضمن لهم الدولة اضافة المبادئ الاسلامية المعتدلة الى الدستور كما قلنا سابقا،للتخص من الحجج والادعاءات التي تبقي مهنتهم رائجة في بلداننا،
وكذلك عليهم الكشف عن الحقوق الشرعية واخضاعها لسيطرة ومراقبة الدولة، كي لاتتحول الى ارثا عائليا (عبر تشكيل مؤسسات مالية دينية تابعة للدولة ولرجال الدين ،من اجل ان تبقى مؤسساتهم خاضعة للدعم الحكومي في حال عجزت هي عن الحصول على المساعدات والصدقات والحقوق الشرعية،ومنع تحويل الحقوق الشرعية لحسابات خاصة بهم وبابناءهم دون علم الدولة والمجتمع)،
هذه هي الطرق الصحيحة المنظمة عصريا في المجمتعات الحديثة،لا ان تنتج تلك البيئات المغلقة امبراطوريات دينية تباع وتشترى بالمال لتدمير البلاد والعباد،ولتخريب طاقة المجتمعات وتشويه ثقافتها وعقلياتها البسيطة،
فأول الدين عن الله هو الاسلام،بالايمان بالله عزوجل وبرسوله محمد ص والقران الكريم والعقل والعلم،لايمكن ان يعيش الناس دون الاديان،ولكن ليست الاديان الارضية التي استولت عليها المصالح والاهواء وظاهرة النفاق،وابعدتها عن قدسيتها السماوية دون وعي او علم…
قال تعالى في سورة ال عمران(١٩)
(إن الدين عند الله الاسلام)
وجاء في ايات اخرى ذكر الدين
وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ
الدِّينُ وَاصِبًا﴿٥٢ النحل﴾
وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴿٧٨ الحج﴾
وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي
يَوْمَ الدِّينِ﴿٨٢ الشعراء﴾
لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ
الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴿٢٥٦ البقرة﴾
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴿٤ الفاتحة﴾

أحدث المقالات