بالرغم من ان بعض المتصدين للعملية السياسية في العراق قد آمن بعدم جدوى المشاركة بالانتخابات ، لانهم يعلمون جيدا بان الحظ سوف لن يحالفهم للفوز باي عدد من الناخبين وذلك لافتضاح امرهم امام الجماهير . الا ان هناك من يتشبث بالسلطة ليوغل بايذاء الشعب من خلال الترشيح لدورة انتخابية اخرى . كما عمد البعض الاخر للتحول من الاسلاموية الى المدنية بالشكل فقط ليضمن فوزه بالانتخابات لانكشاف زيف ادعائاتهم الدينية المتعارضه مع سلوكهم المنافي لابسط المبادئ والقيم الانسانية والدينية الحقة . ومنهم من يطرح شعارات جديدة ليوهم المواطنين بالتغيير . ومنهم من يعمل بلا استحياء لتوزيع مساعدات لاقيمة لها على النازحين لتحسين صورته التي تشوهت نتيجة الفساد وخذلان الناخب بعد ان تركوه في العراء مع الفقر والجهل وضعف الحال
ومن جهة اخرى يحذر السيد رئيس الوزراء من عمليات واسعة لتزوير
الانتخابات ويقترح اشراف دولي لضمان نزاهة هذه الانتخابات . وامام هذه الفوضى من التصريحات والدعايات الانتخابية المظللة ، والتشكيك بنزاهتها . يصر الامريكان على البقاء في العراق وسوريا لمحاربة الارهابيين فيهما بدلا من محاربتهم في الولايات المتحدة . وبالضد هناك احزابا وميليشيات موالية لايران تهدد بضرب التواجد الامريكي في المنطقة وخصوصا في العراق . حتى اصبح العراق ساحة احتراب بين الولايات المتحدة الامريكية والجمهورية الاسلامية في صراع مكشوف لمزيد من النفوذ على ارضه بعد ان كان هذا الصراع يحتدم تحت الطاولة
كما ان قادة من الحشد الشعبي يحذرون من زيادة تواجد الدواعش
والخلايا النائمة ويعترضون على اعلان الحكومة النصر مبكرا . وياتي هذا بعد قيام عناصر من داعش المجرمة باغتيال عناصر من استخبارات الحشد بعد استدراجهم في كمين . في حين تعلن الحكومة المركزية ان هذه الحادثة قد جاءت نتيجة عدم التنسيق معها . مما يدل على خطل الرأي القائل بان قيادات الحشد الشعبي تعمل تحت مظلة الحكومة المركزية . ويأتي هذا كله في مشاهد لاستعراض العضلات بين القوى المتنفذة في مايسمى بالعملية السياسية للحصول على الاصوات اللازمة للاستئثار بالحكم ولو على حساب ماتبقى من تحالفاتها السابقة ، والتي تشظت نتيجة الصراع على السلطة ومغانمها بغياب الاهداف الوطنية او البرامج التنموية
يتضح من كل هذا ان العراق في ازمات متلاحقة تؤدي دائما الى حروب داخلية مستمرة وان الانتقام والانتقام المقابل سيظل سيد الموقف وان الساسة غير مبالين بهذه الحروب ولا بنزيف الدم العراقي المستمر رغم التصريحات المتلاحقة بالمصالحة الوهمية التي استهلكت من كثرة الحديث عنها دون دوافع جدية لتحقيقها وتمخضت عن مصالحات لتقاسم الوزارات والمحافظات والوظائف العامة بين الفاسدين تحت شعار المحاصصة
لقد كان الحكام الجدد يعيبون دائما على النظام السابق اثارته للحروب . ولكن ماالذي فعلوه هم بعد رحيل النظام السابق . . فقد بقيت الحروب والمعارك مستمرة وما ان تنتهي حربا حتى تبدأ حربا جديدة بمبررات اخرى . . ونحن هنا لانناقش ضرورة هذه الحروب من عدمها ولكن علينا ان نتجاوز مبررات هذه الحروب . . هل هي عملية العض على الاصابع ، فقد قطعت اصابعنا ومازلنا نعض على اصابع بعضنا البعض من دون نتيجة وعلى امل ان يستسلم المقابل . ولذلك نجد ان الفوضى غير الخلاقة التي بدأت قبل خمسة عشر عاما مازالت مستمرة . ولم نجد بعد كل هذه السنين من يبشر بنهاية قريبة لها ناهيك عن خلق حكومة مدنية قادرة على ادارة حكم رشيد في العراق
ان الشعب العراقي قد وصل الى حافة اليأس حتى لم يعد يعرف هل يشارك بالانتخابات القادمة وبالتالي يكون مسؤولا عن اعاة انتاج نفس الفاسدين واثرياء الحرب . ام يعزف عن الانتخابات وتبقى الساحة مفتوحة امام السياسيين للتلاعب ببطاقات الناخبين المهملة ومن ثم عودتهم ايضا ، كمن يقول اذا اردت ارنبا فخذ ارنبا واذا اردت غزالا فخذ ارنبا . تعدد الاسباب ورؤوس الفساد وتجار الحروب جاثمين على رقابنا بدعاوى مختلفة ، هذا يحذر من الدواعش وذاك يحذر من الانفصاليين والكل اصبعهم على الزناد في عملية لامتناهية من الفعل ورد الفعل المنتجة للمعارك والحروب الداخلية ليستفيد منها السياسيين الفاسدين وتجار الحروب الجدد ، وتدفعهم مطامع الدول الاقليمية والعظمى لتحقيق مصالحها بعيدا عن مصالح الشعب العراقي المغلوب على امره
اننا لا نعرف حقا كيف نعيش بسلام ووئام ولكننا اصبحنا خبراء في الموت . الموت
في سبيل اي شئ ، بفتاوى من هذا الطرف او بدفع من ذلك الطرف . تعلمنا اساليب الموت ولم نتعلم الحياة مع اشقاء لنا لاننا ابتعدنا عن الصفح وتقبل الاخر . نحن مجتمع مختلط فيه العديد من الاديان والمذاهب والاثنيات فكيف يمكن ان نلغي او نخضع طرفا على حساب طرف او اطراف اخرى ، والكل يريد الاستئثار بالحكم لوحده
لقد اصبحت داعش بعد هزيمتها ورقة رابحة في الانتخابات فمنهم من يحتكر النصر عليها لوحده ويتجاهل مساهمات الاخرين ليضمن اصوات اكثر . ومنهم من يدعي بان داعش لازالت قائمة وان النصر لم يأت بعد ، وهو يعلن استمرار محاربته لها ليمنح شرعية تواجده العسكري ثم السياسي . وفريق ثالث يتهم بعض المرشحين للانتخابات بانهم من مهدوا لدخول الدواعش واحتلالهم للمدن ، في صراع انتخابي لضمان مقاعد اكثر . وكلها دعايات انتخابية مبكرة الغرض منها الاستمرار بمناصبم الحكومية او البرلمانية والحصول على وزارات ودوائر تدر مزيدا من الارباح لهم . . وهناك دول اقليمية واقطاب دولية تحاول توجيه الانتخابات لصالحها ايضا . . اضافة الى المال السياسي الذي يوظف لترسيخ نفوذ الاحزاب والكتل الضالعة في الفساد وتخريب الدولة
ان دعوى الاغلبية السياسية التي تم طرحها مجددا ماهي الا محاولة
لاعادة نفس الوجوه الضالعة في التخلف الفكري والحضاري والتي اسست لمفاهيم الفساد خلال دورتين انتخابيتين وتحاول التبرؤ منه الان . فمن اشاع الفساد اذن اذا كان كل المتصدين للعملية السياسية يتحدثون عن ادانته ويطرحون مشاريع وهمية لمكافحته
السؤال الحيوي الان هل سيكرر الشعب نفس الاخطاء وينتخب نفس الوجوه الموجودة على الساحة السياسية ليذبحوه بمزيد من الحروب العبثية والفساد المستشري في مفاصل الدولة حتى العظم . وهل مقاطعة الانتخابات ستكون مجدية . . ربما ستكون ناجعة اذا كان هناك اجماع على مقاطعتها . ولكن لايمكن ضمان مثل هذا الاجماع . . فلم يبق امامنا اذن سوى المشاركة الفاعلة فيها من قبل كل فئات وقطاعات الشعب لانتخاب عناصر مهنية شابة بعيدة كل البعد عن الوجوه السياسية المتواجدة الان على الساحة السياسية . والتجديد مطلوب في كل شئ لاننا اذا صوتنا لنفس العناصر الموجودة حاليا سنحصل على نفس النتائج السابقة ، ولكن اذا اخترنا عناصر شابة جديدة فاحتمال صعود كفاءات امينة ومخلصة وارد جدا . رغم عزم الفاسدين على تحريف الانتخابات لصالحهم . . ان كثرة الاصوات المعارضة ستكتسح كل الوجوه القديمة البالية والجاهلة التي تحكمت بمقدرات الدولة والمواطنين على مدى خمسة عشر عاما عجاف
اننا بحاجة الى اشاعة منطق الحياة على منطق الموت واشاعة العمل
الشريف بدل المال الحرام . ولنبدأ عهد جديد . عهد من الكرامة والوحدة الوطنية