لم يعد يخفى على المتابع للشأن العراقي، بل وحتى ابسط مواطن عراقي، الحال المتردي الذي وصل له اداء وزارة الخارجية العراقية، هذه المؤسسة الدبلوماسية العريقة التي خرّجت اجيالاً من الدبلوماسيين الافذاذ الذين يذكرون عندما يضرب المثل بالعمل الدبلوماسي الوطني المحترف والمدافع بتفانٍ واخلاص عن قضايا بلده في شتى المحافل الدولية والاقليمية،
نتابع منذ ايام ما تداولته وسائل إعلام عديدة لفصل جديد من فصول تخبط وزارة الخارجية العراقية وادائها السيء في عملية تعيين أمين عام مساعد جديد بجامعة الدول العربية، بدلاً من الامين العام المساعد الحالي د. فاضل محمد جواد، حيث اصدر المتحدث الرسمي بإسم الوزارة خبراً صحفياً بتاريخ ٢٠١٨/٣/٤، عقب انتهاء اجتماع المندوبين الدائمين التحضيري لاجتماع وزراء الخارجية، وقبل ان يتم حسم موضوع تعيين المرشح الجديد، اشار المتحدث الى ان هذا التعيين يعد نصراً دبلوماسياً للعراق! رغم ان من يشغل هذا المنصب حالياً هو مواطن عراقي ايضاً وهو من حصة العراق ولم يتم التعيين عليه لاول مرة، بل ما كان سيجري عبارة عن استبدال موظف عراقي بدرجة امين عام مساعد (درجة خاصة) بآخر من نفس الجنسية وهو حق سيادي للدولة طالما ان الأمين العام الحالي ستنتهي فترته الاولى والتي تجيز انظمة الجامعة العربية تمديدها لمرة واحدة، الامر جعل من تصريحات هذا المتحدث -الطامح على ما يبدو من خلال حماسته المتناهية للحصول على منصب في هذه الوزارة- مثار سخرية وتندر من قبل الكثير من المواطنين العراقيين عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل، ولهم الحق في ذلك، وكان الأولى بهذا المتحدث ان يصرح -اذا كان ذلك ضرورياً- بعد اقرار هذا الموضوع من قبل وزراء الخارجية العرب في ٢٠١٨/٣/٧، والذين يملكون وحدهم هذا الحق، وفقاً للانظمة واللوائح المعمول بها،
كما لاحظنا خلال الايام القليلة الماضية الحرب التي سعرّها فاضل جواد الأمين العام المساعد المنتهية فترته، وبأشكال ومظاهر متعددة، مرة عبر مقالات بأسماء مستعارة، ومرة بأسماء صريحة، ومرة بتسريبات إعلامية عبر قنوات فضائية تعشق افلام “الاكشن” والإثارة الإعلامية، حتى تصاعدت الامور ليصرح فاضل جواد اليوم السبت بشخصه عبر قناة “الشرقية” الفضائية بأن العراق سيخسر منصب الأمين العام المساعد في حال عدم التجديد له، واستدل على ذلك بسحب مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري يوم الاربعاء الماضي موضوع “تعيين امناء عامين مساعدين” من جدول اعماله، وصوّر على ان ذلك يعني فقدان العراق لفرصة تعيين أمين عام مساعد، فيما حقيقة الامر تشير الى انه تم الاتفاق بين الجامعة العربية وكل من الكويت (باعتبار لديها مرشح لمنصب أمين عام مساعد) والعراق على سحب هذا الموضوع لحين إعلان الجامعة العربية خلال الايام القليلة القادمة عن شغور هذا المنصب إعمالاً لانظمة ولوائح الجامعة، وفوّض مجلس الجامعة الوزاري ضمناً -وكما جرى في احداث سابقة مشابهة- المندوبين الدائمين بعقد اجتماع طاريء يُخصص لتعيين أمناء عامين مساعدين جدد بجامعة الدول العربية،
وفي ذات السياق لا بد من خلال هذه الاسطر القليلة الحديث عن سيرة فاضل جواد العملية، رغم ان السرد فيها يطول ولا يمكن الاحاطة بها في هذا المقام، وسنكتفي بسرد سيرته خلال فترة عمله بجامعة الدول العربية خلال الخمس سنوات الماضية، وكما يلي:
١- تشير الأنباء المتداولة الى ان فاضل جواد الحّ على وزير الخارجية ابراهيم الجعفري قبل فترة بالتجديد له لولاية جديدة في منصبه اميناً عاماً مساعداً لقرب انتهاء فترته الحالية التي بدأت في سبتمبر/ ايلول ٢٠١٣، وما كان من الجعفري الا الرفض بحجة ان جواد “لم يخدم العراق” (رغم ان هذا التعبير وهذه الحجة فضفاضة وغير محددة المعنى).
٢- ان طبيعة عمل فاضل جواد كأمين عام مساعد رئيس لقطاع الشؤون القانونية حالياً لا تتيح له الإطلاع على القضايا السياسية التي تهم العراقء.
٣- شغل جواد عند تعيينه منصب الأمين العام المساعد رئيس قطاع الشؤون السياسية قبل ان يقوم الأمين العام السابق د. نبيل العربي بهيكلة هذا القطاع ليصبح بمسمى “قطاع الشؤون السياسية الدولية” اي اصبح يقتصر على القضايا السياسية الدولية فقط، وبذلك افرغ القطاع من اهم الملفات وهو الشؤون العربي، حيث قام العربي بجعل تبعية إدارة الشؤون العربية لمكتبه بعد ان كانت تتبع لرئيس قطاع الشؤون السياسية قبل هيكلته، وعُدّ ذلك اول فشل لفاضل جواد، الذي اعترض عليه برسالة موجهة من جواد الى لوزارة الخارجية الا ان جهود جواد باعادة ملف الشؤون العربية تحت سلطته لم تفلح، وبقي هذا الملف المهم يتبع لمكتب الأمين العام، حتى تسلُّم السيد احمد ابو الغيط مهامه، حيث قام بتوزيع ملفات الشؤون العربية على عدة ادارات مستحدثة الحقها بقطاع الشؤون العربية والامن القومي المستحدث هو الآخر.
٣- رشح فاضل جواد للعمل كأمين عام مساعد بجامعة الدول العربية من قبل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وجرى تعيين جواد بدعم مباشر من المالكي، وكان يتسلم مخصصات مقطوعة قدرها ١٠٠٠٠ دولار وبدل سكن قدره ٣٠٠٠ دولار، وقامت السفارة ايضاً بشراء سيارة خاصة له، رغم فشله الواضح في العمل!
٤- عُرف عن جواد خلال فترة عمله بالجامعة العربية اسلوبه العدواني تجاه مرؤسيه من شتى جنسيات الدول العربية، بدءاً من مدراء الإدارات، مروراً بالموظفين الدبلوماسيين والاداريين، انتهاءاً بموظفي الخدمات، حيث يتفق الجميع على عدم لياقته ودبلوماسيته في التعامل، اضافة الى عدم الثقة والريبة وسوء الظن تجاه اي شخص، وكان من نتائج ذلك كثرة طلبات الموظفين للنقل الى قطاعات اخرى.
٥- يضاف الى ذلك تعامل جواد العدواني مع الموظفين العراقيين بجامعة الدول العربية خصوصاً، اذ قام بايذاء بعضهم ممن عملوا تحت سلطته كالنقل التعسفي الى قطاعات وادارات اخرى، ووصل الامر الى درجة محاولة احالة البعض منهم للتحقيق، (واتحفظ عن ذكر اسماء هؤلاء الموظفين حفاضاً على خصوصيتهم).
٦- تم نقل فاضل جواد كرئيس لقطاع الشؤون القانونية حال مباشرة السيد احمد ابو الغيط لعمله كأمين عام للجامعة العربية في يوليو/ تموز ٢٠١٦، وذلك بعد ورود شكاوى من مدراء وموظفين كُثر عن سوء ادارة فاضل جواد وتعسفه وعدم دبلوماسيته في التعامل.
وعليه فإن التجديد لفاضل جواد ومحاولته التشويش على المرشح الجديد هو طموح شخصي وطمع في امتيازات المنصب ولا علاقة لذلك بالمصلحة الوطنية كما حاول الترويج له خلال الفترة الماضية، كما ان إدارة وزارة الخارجية السيء لهذه الأزمة كشفت عن حاجتها لخبرات وكفاءات وطنية عراقية حقيقية، بعيداً عن المحاصصة الحزبية والطائفية والعرقية، وبخلافه سيستمر منحنى أداء هذه الوزارة بالانحدار.
والله من وراء القصد