19 ديسمبر، 2024 12:45 ص

معالمٌ أوّلويةٌ للخريطة السياسية بعد انتخابات 2018 م

معالمٌ أوّلويةٌ للخريطة السياسية بعد انتخابات 2018 م

إنّ المتأمّل للموقف الانتخابي وما يليه ويترتب عليه يجدُ أنّ الخريطة السياسية في طريقها لفرض بعض المتغيّرات المهمّة ؛ فإنْ لم تشكِّلْ عنصراً جوهرياَ جذرياَ ، فلا أقلّ أنّها تشكِّلُ معالمَ لخريطةٍ في مراحلَ لاحقةٍ من عمر العملية السياسية ، كما أنّ واشنطن بعد أنْ دعمت المجاميع الإرهابية طيلة السنوات الماضية وأخفقت في تحقيق أهدافها بالقوّة فإنّها ذهبت إلى استخدام أُسلوب آخر ، ألا وهو التدخّل المباشر في العملية السياسية ؛ من أجل تعزيز حالة الاحتراب المذهبيّ ، ولكن على المستوى السياسيّ ، وهو ما كشفته مصادر من أنّ السفير الأميركي في العراق قد تحدّث في اجتماعٍ ضمَّ الكتل السياسية السنّية بالقول : «إنّ الوقت قد حان حتّى يستلم السنّة الحكم في العراق بعد فشل الشيعة في إدارته خلال 15 عشر عاماً الماضية».

إنّ واشنطن ومن خلال ما قاله السفير تريد أنْ تعيد العراق إلى المربّع الأوّل وإلى ما قبل عام 2003 م ضاربةً بذلك إرادة الشعب العراقيّ ، والعملية الديمقراطية عرض الحائط ، وإنّ السفير الأميركيّ يُدرك جيّداً أنّ الخريطة الديموغرافية العراقية لا تسمح له ، ومن يدعمه بعودة العجلة إلى الوراء ، وأنّ الإشارة بعودة السنّة إلى الحكم هي نتيجةٌ طبيعيةٌ إلى الخلافات السياسية بين الكتل الشيعية السياسية ؛ لكنّها لم تكن مبرراً لتغليب الأقلية على الأكثرية.

والذي يهمّنا هو التدقيق في مخرجات المشروع الأمريكيّ ، والذي يرتكز على معطياتٍ , يمكن تصوّرها وفق النقاط التالية :

(أوّلاً) : الموقف الشيعيّ :

1. لم يتمكّنِ الشيعةُ من الاستمرار بدورهم ، بأنْ يكونوا الكتلةَ الكبرى إنتخابياً.

2. إنّ القوائم الشيعية المتعددة : (النصر , والفتح , ودولة القانون , والحكمة , والسائرون) تكاد تكون متقاربةَ النتائج انتخابيا ، بلحاظ الفرص لكلّ كتلةٍ ، و بلحاظ عناصر القوّة والضعف لكلّ كتلةٍ , فقائمة الفتح تراهن على منجزاتها العسكرية ، مع أنّ الآخرين يراهنون على نفس الفرصة . وأمّا النصر فإنّها تراهنُ على المنجزاتِ الحكوميةِ ، وعلى وجودها الواقعيّ في الحكم ، وما حققته عسكريا وأمنيا . وأمّا دولة القانون تراهنُ على استصحاب الإرث الشعبي الذي يعتمده السيد المالكي . بينما يعتمدُ تيّار الحكمة فإنّه يراهن على الانفتاح وعنصر الشباب . وأمّا سائرون فأنّها تراهن على الانفتاح على المشروع المدنيّ والوطنيّ .

وباختصار شديد لا نجدُ في ظلّ تعدد القوائم ، وفي ظلّ مراجعة الفرص لكلٍّ من القوائم الانتخابية مرجّحاً لأحدٍ على آخر في احتمال الفوز الذي يؤهلها أنْ تكون أغلبيةً تشكّل حكومةً بمفردها ، ولا توجد فرص للتقارب ذاتيا ، إلّا ربّما يكون ذلك بوحي من مؤثّر خارجي , مضافا إلى أنّ الشيعة فقدوا فرصةً ذهبيةً لتجاوز هذه التعقيدات ، فهلّا ترأس السيد العبادي أو غيره قائمةً تجعله يحصل على أغلبيةٍ مريحةٍ في قائمةٍ ترشّحه لرئاسة مجلس الوزراء، .

3. هناك تباعد كبير في متبنّيات القوائم ورؤيتها في قرارها لقيادة المكوّن الشيعي سياسياً .

4. هناك احتمال أنْ تكون نسبة الشيعة أقلّ من العدد الذي كانوا عليه عام 2014 م لاحتمالية قلّة المشاركة الشعبية في الانتخابات .

(ثانيا) .الموقف السنّي :

إنّ الموقف السنّيّ متباعدٌ ، وغير متّفق انتخابياً ، إلّا أنّهم من الآن يسعون إلى الاستفادة من اختلال الميزان في الموقف الشيعي لطرح متغيّراتٍ في العملية الحكومية والسياسية ، تدفع بهم إلى الامام في المواقع السيادية التي تؤهّلهم إلى احتلال موقعٍ مؤثّرٍ لهم ، وكما يبدو أنّ هناك مساعيَ محتملةً يجري العمل عليها ، وهي التغيير في هيكل الرئاسات وتصنيفاتها ، فإنّ رغبةً سنّيةً تطرح – وهي بوابة التغيير في كلّ الخريطة السياسية – بأنْ يكون منصب رئاسة الجمهورية للمكوّن السنّي ، بدل رئاسة مجلس النواب ، ويدفعهم في ذلك النظرة التاريخية التي يحملونها تجاه هذا المنصب الذي ظلّ حكراً لهم طيلة فترة تأسيس الدولة العراقية منذ عام 1921 لغاية ماقبل عام 2003 م, وربما كلام السفير الأمريكي – إنْ صحّ – بأنّ السنّة سوف يستعيدون دورهم في الحكم يوحي بهذا النوع من التأمل . وفي هذه الحالة فإنّ حسم منصب رئاسة الوزراء يزداد تعقيداً وصعوبة ، خصوصاً بالالتفات إلى ما يلي :

1. إنّ الداخل السنّي سيشهد تنافساً كبيراً على الموقع ، خصوصاً مع الخلاف الخليجي الذي يشطر الموقف السنّي شطرين متساويين لما له من أهمّية تاريخية عندهم.

2. سيمكن السنّة من التأثير في القرار السيادي لأنّهم يفكّرون جدّياً في انتزاع صلاحيات واسعة من رئيس الوزراء لصالح رئيس الجمهورية ، وتظهر تلك الصلاحيات من اليوم الأوّل في تكليف رئيس الجمهورية رئيس الكتلة الكبرى لتشكيل الحكومة وفق متبنياتهم ، ومع ما ينسجم مع مشروعهم ورؤيتهم السياسية للدولة العراقية ، وسوف تستمرّ الجدليات بين السنّة والشيعة على الصلاحيات والمهامّ المناطة بكلّ منهم ، وسيستغرق الجدل أدقّ التفاصيل التي كانت مؤجّلةً ومعطّلةً ومحظورةً فيما يخصّ المكوّن السنّي عن شكل الدولة ، والعديد من فقرات الدستور و المؤسسات التي أقرّت «هيئة اجتثاث البعث ، والمسائلة والعدالة» والفقرات الدستورية التي هي محلّ خلافٍ بما فيها ما يتعلّق بعودة حزب البعث ، والمادة (7) وغيرها . إلى أنْ يتمّ إفراغ رئاسة الوزراء من محتواها الجوهري الدستوري.

ثالثا : المكون الكردي :

1. إنّ الكُرد يمكن – في ظلّ التباين بينهم ، والخلافات العميقة بين السنة والشيعة ، وفي ظلّ الرغبة السنية بتبديل المواقع السيادية – أنْ يقبل البعض منهم برئاسة البرلمان ؛ لأنّه يوفّر لهم فرصةَ التأثير في القرارات والتشريعات ، إلّا أنّ أربيل يمكن أنْ ترفض ، ويكون هذا المتغيّر لأربيل عقدةً جديدةً في العلاقة بين أربيل وبغداد ؛ لأنّ الكرد سيعتبرون ذلك تحدّياً جديداً لهم ، وخطوة ممنهجة لإبعادهم عن الصدارة ، واعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية ، بعد شعورهم بالخسارة و(الهزيمة) أمام بغداد .

2. هذا الأمر ينفع السيد مسعود بارزاني للحصولِ على تأييدٍ داخليٍّ يمدّ من عمره السياسيّ لفترة أطول.

3. يمكن أنْ يدفع – هذا القرار – بالمكوّن الكُردي جميعاً إلى مزيدٍ من الاصرار على الانفصال، ويوحّد رؤيتهم للسير بهذا الاتجاه . إنّ تمكّن القادة الكرد من توحيد صفوفهم ورؤيتهم ولقي مشروعهم موافقةً دوليةً وإقليميةً وان كان مستبعداً إلّا أنّه في كلّ الأحوال يكون فرصةً لمسعود لإقناع الشعب الكردي بالانفصال في ظلّ توظيف الحدث كمظلوميةٍ كرديةٍ جامعةٍ لهم .

4. في ظلّ التفكك الذي عليه الموقف السياسي الشيعي ، وفي ظلّ تفكك موقفهم السياسي سوف ينحصر مستقبلهم بين البقاء في ظلّ ما تستقرّ عليه نتائج الحوار الشيعي السنّي، وبين التصعيد الكبير لسقوف مسعود مستغلاً أيّ خللٍ في حقوق المكوّن الكردي ليتموضع أكثر في كردستان ، ويستعدّ لطرح أفكاره الخاصّة التي ستمزّق اللحمة الوطنية والجغرافيا العراقية.

رابعا : الموقف الوطني :

سيشهد الموقف السنّي والكردي والشيعي جدلاً مزدوجاً ، بل خلافات مزدوجة بين المكوّنات وبين بعضها البعض ممّا ينذر بمتغيراتٍ كثيرةٍ وعسرةٍ في انجاز تشكيل الحكومة ، وما يرافق ذلك من اشتراطاتٍ واتفاقاتٍ وصفقاتٍ تضرّ ببنيةِ الدولةِ وتماسكها ، وستفتح ثغراتٍ كبيرةً إلى المحيط واللاعبين الدوليين والإقليميين إلى الدخول على الخطّ كمنقذٍ ، وكمشرع معيدٍ لرسم الخريطة وفق المصالح الخارجية لتلك الدول سيّما أنّ المحيط الخارجي الآن وأكثر من أيّ وقتٍ مضى له حضورٌ متعددٌ ، وبتجلياتٍ مختلفةٍ أكثر من حضور الحوار الوطني .

وفق تلك الحقائق علينا النظر لمستقبل العملية السياسية لما بعد عام 2018 فهل ينجحُ الشيعة في تجاوز الخلافات والخروج بنتيجةٍ تضمن مصالح شعبهم وأمّتهم فالأيّام بيننا حبلى بكلّ جديد.انتهي