لم تكن ادبيات حزب الدعوة ومتبنايته الاساسية معروفة لدى العامة , رغم ان الدعاة لم يخفوا ما يتبنوه فكريا وعقائديا وسياسيا . ومن المباني التي يقوم عليها الحزب هو مبنى شمولية الحزب وقيادته للأمة كممثل شرعي وحيد , وبمعنى ادق ضرورة ان تتبع كل المؤسسات والكيانات الدينية والاجتماعية تابعة للحزب وتعمل تحت قيادته , وليس لهذه القاعدة استثاء , وكنتيجة لهذه الفكرة التي تتناقض مع طبيعة المجتمع الاسلامي الشيعي العراقي والارث الذي يعتبر من الثوابت لدى هذا المجتمع حصل افتراق بين متبنيات الاثنين او بالاحرى بين الحزب وجمهور المرجعية , لكن طبيعة الظروف التي مر بها البلد غيبت او اجلت الاعلان والترويج لمبادئ الحزب ,حيث ان الاولويات كانت تبتعد عن هذا الامر المعقد هذا من جهة ومن جهة ثانية ان المرجعية الدينية تؤمن بفسح المجال لأي فكر جديد ينشأ على ان يكون ضمن الاصول والقواعد المعرفية ولاتمنع اين نشاط سياسي بالمواجهة انما تعتمد الفكر لمواجهة الفكر , لذا ظلت المرجعية عصية عن ان تستجيب لأي مواجهة يراد من خلالها تحجيم دور المرجعية وابراز بديلا لقيادة لامة في زمن الغيبة (وفق المنظور الامامي ) . من هنا ندرك ابعاد خلاف الشهيد السيد محمد باقر الصدرمع الحزب , ثم استمر خلاف الحزب مع المرجعيات ولكن بشكل غير بارز . بعد عملية التغيير التي حصلت في 2003 انشغل المجتمع السياسي بعملية سياسية معقدة تتضمن صياغة دستور وتوافقات سياسية اريد من خلالها تمشية الاوضاع للخروج من النفق , فلم يكن المشهد واضحا بشكل يجعل المتتبع يعرف الكثير من الحقائق الخافية الى ان جاءت لحظة الحسم التي يبدو ان الدعاة كانوا ينتظروها بحماس شديد , رغم ان الامر لم يكن مباشر بل بشكل يراد منه معرفة نبض الشارع او تطبيع الجمهور على تلقي متبنيات الحزب تدريجيا فليس من الحكمة ان يرمي الدعاة اوراقهم دفعة واحدة فيقعوا في مواجهة غير محسوبة العواقب ,خصوصا انهم من المتمرسين على هكذا امور . لم تكن كلمات حسين الاسدي معبرة عن رأيه الشخصي فقط مثلما لم يكن عبد الهادي الحساني معبرا عن رأيه فقط , خصوصا اذا ما عرفنا ان التوقيت الذي اختاره الاثنان متشابه الى حد كبير . ان الشيخ الاسدي ينطق بما تؤمن به المنظومة الفكرية للدعاة وقد يتبادر الى الذهن ان الاسدي غير منتمي للدعوة , وهذا ذكاء مكشوف حيث يصعب زج رجالات الحزب الكبار في هكذا عملية لذا جاء الاسدي كمجس للشارع الشيعي واعتقد ان الانطباع الاولي لدى الدعاة جاء ملبي للطموحات , خصوصا ان ظروف الازمة الحالية جاءت متوافقة مع رغباتهم التاريخية . ان هذا التصريح الذي افاد به الاسدي ليقضي على تراث يمتد عمره لأكثر من عشرة قرون جاء متصلا مع توجهات الحزب الرامية الى قيادة الامة هذا من جهة ومن جهة ثانية يرتبط هذا التصريح بمجموعة من الاجراءات والتصريحات التي يتبعها دولة رئيس الوزراء بين حين والاخر وكان اولها من حيث الظاهر سحب حماية المراجع ولقاء مؤتمر الحج في النجف دون التنسيق او طلب لقاء المراجع وهذا بحد ذاته يبعث برسالة مفادها قدرة رجل الموقع على عزل الجمهور عن المرجعية , واخر ما جرى في هذا الصدد هو قيام وفد من المرجعية بالتوسط لحل الازمة الحالية بين الاقليم والمركز الا ان الوفد فوجئ برفض رئيس الوزراء لرغبة المرجعية بأنهاء الازمة الخانقة والتي يعانيها بالدرجة الاساس الشعب العراقي وكان الرفض مبني على تغييب دور المرجعية . ان هذه الخطوات الهادئة التي يقوم بها الدعاة متطلعة لبناء الدولة وفق التصور الذي يؤمن به الحزب اي الشمولية وقيادة الامة الواحدة بعيدا عن العصرنة والمدنية مستثمرين بذلك حالة الصراع السياسي التي تؤدي الى استقطابات قومية وطائفية يكون نصيبهم فيها الاكبر حسب اعتقادهم , وقد يكونوا على صواب حيث ان المبادرة اليوم بيد من يملك السلطة او الارض وفي هذا الصراع السياسي بين اربيل وبغداد طرفا الصراع يملكان الامرين .