كان لعملية النقل الالي للديمقراطية في العراق ان واجهت هذه العملية المستعجلة تضارب تيارات ثلاثة عمل كل منها على اثبات الوجود واحتكار الفعل على انه عملية تحقيق الذات في خضم صراع نشأ محتدما بعد تواري السلطة السياسية وتعطل اجهزة الدولة ، والتيارات هذه هي اولا تيار الوطنية ، او تيار من يحمل الهوية الجامعة والمدافع عنها ، والتيار الثاني هو تيار الاسلام السياسي بشقيه الشيعي والسني، اما التيار الثالث فتمثل بعودة النفوذ العشائري متمثلا بدخول الشيوخ باحة الفعل السياسي ، وبسبب الانفلات الاجتماعي لغياب سلطة القانون اخذ كل من هذه التيارات يعمل على تكييف الدولة الجديدة وفق هواه ومناه الامر الذي تولد عنه قيام دولة هشة تقوم على افعال الافراد والجماعات لا على نشاط الدوائر والمؤسسات ، ولما كان النظام الديمقراطي يقوم اساسا على تفعيل الجهد المؤسساتي ، فانه والحالة هذه اخذ يسير متراجعا نحو سلطة الفرد لا سلطة الدولة ، واخذت الدولة تقاس وفق قياسات الاحزاب والكتل الحاكمة ، وبفعل استغلال حب واحترام الرموز التاريخية والدينية فقد طغى التيار الديني على الافعال السياسية اليومية على الساحة وسارعت النزعات العشائرية لتلتئم تدريجيا مع هذا التيار لتشكل دورات برلمانية طائفية وفئوية ابعدت التيار الوطني الشامل ، لتحل محله الهوية الجزئية او النقابية الادارية التي تعمل بطرق فاسدة على تحريف الديمقراطية عن مساراتها التقليدية وتدخلها في ازمة مزمنة نتيجة توالد الدورات المستنسخة للبرلمان وما يتمخض عنها من حكومات غير مكتملة الملاك بفعل الصراع على المناصب ، او حكومات فاشلة ناقصة الوزن واللون الوطني الواحد .
ان اي محاولة للخروج من ازمة الديمقراطية في العراق اذا لم تستجب للوطنية الحقة وتبتعد عن الجزء المنقطع عن الاصل هي محاولة يائسة ، وان مسالة الدفاع عن المذهب او الاصل بعيدا عن المسلمات العامة لعموم العراق هي مسألة مربكة للمشهد الديمقراطي المستعجل الذي لم يكن ليأتي لا باغلبية نافعة او معارضة حقيقية تقوم على معارضة البرامج والمناهج ، وانما ظلت حتى هذه اللحظة هي معارضة مصالح ونفوذ ، لم يشهد العراق من جراءها غير التشرنق والتخلف….