اشتعل التنافس الإنتخابي، بين القوائم المشاركة في الإنتخابات العراقية، ولما تبدأ الدعاية الانتخابية بعد، وبدأ المرشحون يخرجون من بروجهم ومكاتبهم، ليجلسوا مع الجماهير يطلعون على أوضاعهم ويقضون حوائجهم، بعد أن غاب الكثير منهم عن التواصل مع الناس، أربعة سنين كاملة.
لاشك إن العراق يشهد عملية ديمقراطية، ربما هي الوحيدة في المنطقة، رغم ما إعتراها من مشاكل وإضطرابات، بسبب تراكمات النظام السابق، وحجم التدخلات الخارجية التي تحاول التأثير في المشهد السياسي العراقي، كون العراق يقع في قلب المنطقة، التي تشهد صراعا دوليا يحاول سلب العراق هويته والسيطرة على مركز القرار فيه، فنرى المحاور الدولية تحاول أن تكون كفتها هي الغالبة، مما ولد تشظ واضح في الكيانات السياسية العراقية، إضافة الى تصارع هذه الكيانات على الحصول على مغانم السلطة، والتأثير في القرار العراقي وتحقيق برامجها الانتخابية.
فهذا التحالف الوطني، الذي كان يمثل الجزء الأكبر من مكونات الشعب العراقي، قد انقسم الى خمس مكونات رئيسية تتصارع وتتنافس فيما بينها، بعد أن كان كتلة واحدة تحمل برنامجا إنتخابيا موحدا مؤثرا في جماهيرها، التي كانت تعيش هدوءا نسبيا من التراشق الإعلامي والصراع الانتخابي، وهذا الأمر انسحب أيضا على تحالف القوى الذي يمثل المكون العربي السني، الذي انهار بعد اجتياح داعش لأراضي العراق، وتصارع قواه فيما بينها على الظفر بالوزارات والمناصب الحكومية، إضافة الى ارتباطها الإقليمي مع دول متصارعة فيما بينها.
أما التحالف الكردستاني؛ فكان يبدو هو الأقوى من هذه التحالفات طيلة الفترة الماضية، ولكن بعد رحيل جلال طالباني وانفراد مسعود البرزاني بالسلطة، وبروز قوى جديدة في الإقليم ما لبث أن انهار، وكأنه أهون من بيت العنكبوت، وصارت قواه تتصارع فيما بينها الى حد النزاع المسلح، وفقد التحالف تأثيره السابق في رسم معالم الحكومة الاتحادية المقبلة، التي ربما سنشاهد مشاركة قوى كردية فيها دون أخرى وفقا للتحالفات التي ستعقد، بعد أن أصبح استفتاء الانفصال القشة التي قصمت ظهر البعير، ويبدو أن إنفلونزا الانقسامات أشبه بإنفلونزا الطيور، التي قضت على جميع التحالفات الكبيرة.
إنقسامات وتصدعات؛ جعلت من الساحة السياسية أرضا خصبة للتنافس السياسي، الذي اتخذ طريقة التسقيط السياسي في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، التي سيطر عليها الفاسدون من أصحاب الأموال، وصارت الأخبار المفبركة والكاذبة تعج بها وسائل التواصل الاجتماعي، للتأثير في الجماهير التي اختلط عليها الحابل بالنابل، وصارت جماهير هذه الأحزاب تتصارع فيما بينها بترويج الأخبار الكاذبة، ويسقط بعضها بعضا دون مراعاة لحرمة أو خوفا من عقاب، وغابت البرامج الانتخابية للكيانات والأحزاب عن ساحة التنافس، ولم نعد نعرف ما هو الهدف المنشود من الانتخابات فلا برامج ولا شعارات واضحة، وإنما مهاجمة للخصوم والمنافسين فقط.
فإستعان الفاسدون بقوتهم الإعلامية للتغطية على فسادهم ومهاجمة منافسيهم، محاولين إشغال الرأي العام وخلط الأوراق، لتحقيق غاياتهم الخبيثة من اجل البقاء في السلطة، وإستغلال التنافس الإنتخابي بأسوء صورة، وراحت تظهر الوجه القبيح للعملية الديمقراطية، التي يفترض أن تكون المنافسة فيها شريفة وشفافة، مبنية على إحترام المنافسين وطرح البرامج الانتخابية ومرشحين أكفاء، يمكن من خلالها التأثير في الجماهير دون حصول حالة احتقان بين مكونات الوطن.
يبدو إن الفاسدين قد إفتقدوا لكل ما ذكرنا، ولم يعد أمامهم إلا التشهير والتنكيل والإنتقاص من منافسيهم، فصارت هي بضاعتهم التي يريدون تروجيها خلال الانتخابات، من اجل الإبقاء على حظوظهم وعودتهم الى كرسي السلطة مرة أخرى، فهل تملك الجماهير الوعي اللازم وتفوت الفرصة عليهم ؟ ذلك ما ننتظره.