هجوم بوركينا فاسو .. رسالة متعددة الأهداف لفرنسا !

هجوم بوركينا فاسو .. رسالة متعددة الأهداف لفرنسا !

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

في حادث ليس الأول من نوعه في هذا البلد، تعرّضت مدينة “واغادوغو”، عاصمة “بوركينا فاسو”، إلى هجوم “إرهابي” استهدف مقر قيادة الجيش والسفارة الفرنسية، ومعهداً تابعاً لها، الجمعة 2 آذار/مارس 2018.

ونفذ الهجوم 7 مسلحين على الأقل، قالت الحكومة إن قواتها تمكنت من قتل 3 منهم، و”شل حركة” 4 آخرين، مقرة بمقتل 7 عسكريين، فيما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مصادر أمنية تأكيدها مقتل 28 شخصاً على الأقل في الهجوم على مقر القوات المسلحة في “واغادوغو”.

المتحدث باسم حكومة بوركينا فاسو، “ريمي داندغينو”، وهو أيضاً وزير الإعلام، قال إن المهاجمين المجهولين قتلوا 5 أشخاص، وأصابوا نحو 50 آخرين، في هجومهم على مقر الجيش في “واغادوغو”، مضيفاً في كلمة بثها التليفزيون الرسمي أن 2 من أفراد الشرطة، (الدرك)، قتلا أيضاً دفاعاً عن السفارة الفرنسية التي تعرضت لهجوم مماثل، لافتاً إلى أن هذا الهجوم “له طابع إرهابي قوي جداً”.

يظهر هشاشة الوضع الأمني..

يظهر هذا الهجوم المنسق بشكل جيد، فيما يبدو، مدى هشاشة الوضع الأمني في “بوركينا فاسو”، التي تنخرط منذ سنوات في “الحرب على الإرهاب” في منطقة الساحل الإفريقي، وتعد مساهماً بارزاً في القوة العسكرية المشتركة لدول الساحل الخمس؛ (موريتانيا، ومالي، والنيغر، وتشاد، وبوركينا فاسو).

جماعة تابعة لتنظيم “القاعدة” تعلن مسؤوليتها..

بعد يومين من الهجوم، أعلنت جماعة تابعة لتنظيم “القاعدة” في مالي مسؤوليتها عن الهجومين، حسب ما أعلنته وكالة الأنباء الموريتانية.

وغالباً ما تستخدم “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” وكالة الأخبار الموريتانية لإعلان المسؤولية عن الهجمات التي تنفذها ضد أهداف مدنية وعسكرية في منطقة الساحل بغرب إفريقيا.

وذكرت الوكالة، نقلاً عن تسجيل من الجماعة، إن الهجومين نفذا انتقاماً لمقتل أحد قادة الجماعة في غارة نفذتها القوات الفرنسية في الآونة الأخيرة.

وكان حلفاء لتنظيم “القاعدة” قد شنوا هجمات سابقة في “واغادوغو” وبالقرب من الحدود مع مالي، رداً على مشاركة “بوركينا فاسو” في قتال بالمنطقة ضد مسلحين.

إستنفار داخل قصر “الإليزيه”..

في غضون ذلك، أعلنت حالة الإستنفار داخل قصر “الإليزيه”، وتولى الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”، متابعة التطورات عن كثب، بحسب ما أعلنته الرئاسة الفرنسية، بينما صرح وزير الخارجية الفرنسي، “جان إيف لودريان”، بأن الهجوم لم يخلف أي قتلى في صفوف الفرنسيين الموجودين في السفارة والمعهد. وقال “لودريان”: “ليس هناك ضحايا من الفرنسيين على حد علمنا”، وأشار إلى أن منفذي الهجوم تم القضاء عليهم.

ومن جهة أخرى، أفادت أوساط مقربة من “لودريان” بأن الوضع “تحت السيطرة” في السفارة والمعهد الفرنسيين، كما دعا “الإليزيه” الرعايا الفرنسيين إلى “اتباع تعليمات السفارة” التي طلبت منهم البقاء في أماكنهم، وتفادي الخروج في الأماكن العامة.

وتوالت ردود الفعل الدولية المنددة بالهجمات التي شهدتها عاصمة “بوركينا فاسو”.

فرنسا تصر على مكافحة الإرهاب..

فرنسا التي تخوض حرباً شرسة ضد “الإرهاب” في منطقة الساحل الإفريقي، أعلن رئيسها “إيمانويل ماكرون”: “إصرار وإلتزام فرنسا الكامل بمكافحة المجموعات الإرهابية بجانب شركائها في مجموعة الساحل الخمس”.

وذكرت الرئاسة الفرنسية، في بيان، أن الرئيس “ماكرون” دان بشدة هذه الهجمات، التي قال: إنها “تعكس مرة أخرى التهديد الذي يحدق بكل منطقة الساحل الإفريقي”.

وأجرى “ماكرون” اتصالاً هاتفياً برئيس بوركينا فاسو، “روش مارك كابوري”، أعرب له عن تضامنه الكامل وتعاطفه مع الشعب في بوركينا فاسو.

يجب تكثيف الجهود الإقليمية والدولية لدحر “الإرهاب”..

من جانبه، أدان مجلس الأمن الدولي الاعتداءات الإرهابية التي ضربت “بوركينا فاسو”، وأعرب أعضاء المجلس في بيان صحافي عن تعاطفهم وتعازيهم البالغة لأسر الضحايا وكذلك حكومة بوركينا فاسو.

وجدد أعضاء المجلس، في البيان، التأكيد على أن “الإرهاب بكافة أشكاله وصوره يشكل واحدة من أخطر التهديدات للسلم والأمن الدوليين”.

كما أعربوا عن تضامنهم مع بوركينا فاسو في “معركتها ضد الإرهاب”، وأكدوا على ضرورة تكثيف الجهود الإقليمية والدولية لدحر الإرهاب والتطرف العنيف”.

نقف مع الشعب والحكومة..

إقليمياً، عبرت “موريتانيا” عن إدانتها للهجوم الذي وصفته بـ”الإرهابي”، وقالت في بيان صادر عن وزارة الخارجية: “تعلن الجمهورية الإسلامية الموريتانية استنكارها وإدانتها الشديدة لهذا العمل الجبان”.

وأعلنت موريتانيا “تضامنها مع الشعب والحكومة البوركينايين الشقيقين ووقوفها إلى جانبهما في هذه المحنة العصيبة”.

وشددت موريتانيا على ضرورة “تكاتف الجهود في كل ما من شأنه أن يساهم في دحر الإرهاب والجريمة العابرة للحدود، ضماناً للأمن والاستقرار في شبه المنطقة وعلى مستوى العالم”.

طالبت المجتمع الدولي بحشد الجهود..

أما “دولة الإمارات العربية” التي ساهمت في تمويل القوة العسكرية المشتركة لدول الساحل، فقد “أدانت بشدة الهجمات الإرهابية”، وأكدت: “وقوف الإمارات إلى جانب كل من فرنسا وبوركينا فاسو ضد كل أشكال العنف والتطرف والإرهاب”.

وطلبت دولة الإمارات العربية المتحدة من المجتمع الدولي “حشد كل جهد ممكن لمواجهة هذه الآفة الخطيرة التي تستهدف تدمير الأوطان”.

مصر تدعم فرنسا ودول الساحل..

كما أدانت “مصر” الهجمات، معربة في بيان لوزارة خارجيتها عن تعازيها لأسر الضحايا.

وأكد البيان وقوف مصر حكومة وشعباً مع حكومة وشعب كل من بوركينافاسو وفرنسا في مواجهة ظاهرة الإرهاب.

مؤكداً دعم مصر لجهود فرنسا ودول الساحل في مواجهة تلك الظاهرة التي تستهدف الأمن والاستقرار في كافة أرجاء العالم.

استهداف لمواطني الدول الأوروبية..

تعليقاً على الهجوم الإرهابي، قال “بهاء عيسى”، المحلل السياسي السوداني والمتخصص في الشؤون الإفريقية: “إن هناك استهداف واضح في إفريقيا لمواطني الدول الأوروبية التى تدعو لإجتثاث الإرهاب في المنطقة العربية”، مشيرًا إلى وجود خيط رفيع بين ما حدث في بوركينا فاسو وبين بدء محاكمة المتورطين في انقلاب 2015، الأسبوع الماضي، معتبراً أن دور قوات مكافحة الإرهاب في إفريقيا وكذلك الدعم المقدم من الدول الأوروبية لازال ضعيفاً جداً.

القوة العسكرية وحدها لا تكفي..

من جانبه، قال الدكتور “جاسم محمد”، رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب: “إن استهداف الإرهابين للسفارة الفرنسية في بوركينا فاسو يأتي ردًا على دورها البارز في مكافحة الإرهاب والتطرف في إفريقيا”، مضيفا: “القوة العسكرية وحدها لا تكفي لمواجهة الجماعات الإرهابية في إفريقيا، بينما هناك مجموعة من الإجراءات يجب أن تعتمدها الدول الفاعلة في مواجهة التطرف والإرهاب في دول إفريقيا، من ضمنها دعم الاقتصاد وتطوير البنية التحتية”.

رسائل مباشرة لفرنسا..

قالت الدكتورة “أماني الطويل”، مدير البرنامج الإفريقي بمركز الأهرام، إن الانفجارات التي وقعت في مدينة “واغاداغو” عاصمة بوركينا فاسو، ربما تكون متوقعة في ضوء وجود بوركينا فاسو، ضمن أطراف التحالف الفرنسي الإفريقي الخماسي، الذي يعتبر تحالف عسكري يستهدف تواجد قوات تتمركز على حدود بعض الدول في منطقة الساحل والصحراء، وهذا التحالف مكمل لقاعدة عسكرية فرنسية في النيغر.

وأضافت “الطويل” أنه قد تكون الانفجارات نتيجة تضرر الجماعات والقبائل من الوجود الأمني الفرنسي في منطقة الساحل الإفريقي، الذي يعاني من تهديدات أمنية متوقعة، موضحًة أن الانفجارات هي رسائل مباشرة لفرنسا عقب تحركاتها الأخيرة بمنطقة الساحل والصحراء وترتيبات نفوذها مع الدول التي كانت تستعمرها.

وأشارت إلى أن هناك أصوات من النخب الإفريقية الآن تدعو لفك العلاقة مع المستعمر القديم نحو أهداف يغلب عليها أهداف محلية إفريقية كلًاً في بلده، بجانب قطاعات من النخبة غير راضية عن التوجهات الإفريقية خاصة من الدول الإفريقية الـ 5 تجاه فرنسا، ومن التواجد العسكري الفرنسي المبالغ فيه بمنطقة الساحل.

محاولات داعشية لإثبات وجودها على أرض الواقع..

الكاتب والمحلل السياسي، “صالح فرهود”، قال: إن فرنسا لها يد عليا ونفوذ قوي وناجح في دول إفريقية، حيث إن فرنسا تضيق كثيرًا على تنظيم “داعش” الإرهابي في عدد من الدول الإفريقية، مشيرًا إلى أن التفجيرات التي وقعت في بوركينا فاسو هي ثاني التفجيرات بعد ما حدث في مالي.

مضيفاً أن التفجيرات في بوركينا فاسو هي محاولات من الدواعش لإثبات وجودهم على أرض الواقع، ولكن فرنسا دولة قوية ولها يد عليا في إفريقيا ولن يؤثر على قوة فرنسا في المنطقة الإفريقية، موضحًا أن الهجوم والانفجارات القوية في قلب العاصمة البوركينية التي طالت السفارة الفرنسية والمعهد الفرنسي يحمل رسائل كثيرة لفرنسا.

وتنخرط بوركينا فاسو في مجموعة دول الساحل الخمس، التي شكلت أخيراً قوة عسكرية مشتركة من أجل “محاربة الإرهاب” في منطقة الساحل الإفريقي، بالتعاون مع قوات “بركان” الفرنسية المنتشرة في المنطقة، البالغ قوامها 4 آلاف جندي.

جماعة “أنصار الإسلام”..

تنشط في مناطق نائية شمال بوركينا فاسو جماعة تحمل اسم “أنصار الإسلام”، سبق أن بايعت تنظيم “داعش”، لكنها تعرضت لضربات قوية من طرف جيش بوركينا فاسو، بدعم وإسناد من الفرنسيين، قتل خلالها مؤسس وزعيم الجماعة “مالام ديكو”، وهو داعية وإمام مسجد وخطيب مفوه اشتهر عام 2012؛ عبر برامج دينية تبثها إذاعة محلية، ولكنه تحول إلى “التطرف العنيف” عقب التدخل العسكري الفرنسي في شمال مالي مطلع 2013، وقاد هجمات ضد الجيش في بوركينا فاسو، قتل خلالها كثير من الجنود. وبعد مقتل “ديكو”، تولى شقيقه الأصغر قيادة “أنصار الإسلام”.

اعتداءات سابقة..

استهدفت عاصمة بوركينا فاسو في السنوات الأخيرة اعتداءات على أماكن يقصدها غربيون. ويشهد شمال البلاد اعتداءات تنفذها مجموعات جهادية ضد مقرات رسمية خصوصاً مراكز شرطة ومدارس.

وبوركينا فاسو هي إحدى الدول الواقعة في جنوب الصحراء الكبرى، التي تكافح التنظيمات الجهادية.

وفي 13 آب/أغسطس الماضي، أطلق مسلحان النار على مطعم في الجادة الرئيسة في “واغادوغو”، ما أدى إلى مقتل 19 شخصاً وإصابة 21 آخرين. ولم تعلن أي جهة تبنيها لهذا الاعتداء.

وفي 15 كانون ثان/يناير 2016، قتل 30 شخصاً من بينهم ستة كنديين وخمسة أوروبيين في هجوم على فندق ومطعم في وسط المدينة تبناه تنظيم “القاعدة”.

وفي الثالث من شباط/فبراير الماضي، قتل مسلح خلال كمين نصب لرجال شرطة في بلدة “ديو” بشمال بوركينا فاسو الواقعة على الحدود مع مالي.

ويشهد شمال بوركينا فاسو هجمات جهادية منذ الفصل الأول من عام 2015، أدت إلى مقتل 133 شخصاً خلال 80 هجوماً، بحسب حصيلة رسمية.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة