22 ديسمبر، 2024 5:50 م

“الحلزون العنيد” .. اغتراب الإنسان في المدينة !

“الحلزون العنيد” .. اغتراب الإنسان في المدينة !

خاص : عرض – سماح عادل :

رواية (الحلزون العنيد)؛ للكاتب الجزائري، “رشيد بوجدرة”، التي نشرت في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، تتناول إغتراب الإنسان في المدينة، والإحساس بالتشيؤ الذي يصيب الإنسان تجاه الدولة ومؤسساتها المختلفة.

الشخصيات..

“البطل”: رجل في الخمسين من عمره.. يعمل مديراً لـ”مصلحة مكافحة الجرذان”، منضبط في عمله إلى حد الهوس، متأثراً بأمه الصارمة.

“الأم”: تظهر دوماً في الرواية.. امرأة صارمة، ذات ملامح غير محببة، عاشت في فقر وتزوجت من رجل مريض؛ مما جعلها تزيد في قوتها وصلابتها، أصرت على إنجاب طفلين فقط، ولد وبنت، ثم بعد ذلك استبعدت زوجها وأدارت هي الحياة، حيث كانت تعمل في بيوت الأثرياء وتربي طفليها.

“الأب”: يظهر بدرجة أقل في حديث البطل المتواصل عن نفسه.. رجل أصيب بالسل منذ أن كان في العشرين من عمره، كان متعلماً على خلاف زوجته، وكان يحدث ابنه عن أشياء كثيرة مثل الشعوب ومعتقداتها، كان وسيماً وقد أورث ابنه تلك الملامح وهشاشة الرئة.

لا توجد شخصيات أخرى تتناولها الرواية بعمق، سوى بعض الموظفين الذين يعملون مع البطل، وهم أنماط أكثر من كونهم شخصيات لها خصوصية.

الراوي..

البطل هو الراوي.. يحكي عن نفسه بضمير المتكلم، يسرد الأحداث كأنه يخاطب أحداً بشكل مباشر.

السرد..

الرواية قصيرة، تقع في حوالي 112 صفحة من القطع المتوسط، والسرد يتناول ستة أيام من حياة البطل الرتيبة، بدءً من أول النهار إلى آخره، متأثراً بنمط  حداثي من السرد، حيث يتخذ التكرار وظيفة داخل السرد، كما أن الرمز له دور هام داخل الرواية، فالرواية حافلة بالرموز والإشارات التي لها معاني مقصودة.

الإغتراب وسط المدينة..

الراوي بطل انطوائي يعاني من الوحدة ويتلذذ بها، رجل خمسيني يعمل في مؤسسة حكومية لمكافحة الجرذان، وهو مدير تلك المؤسسة، منضبط جداً في مواعيده لدرجة أنه يحسب الوقت بالدقائق، يعرف موعد الحافلة التي يركبها دوماً والسائق الذي يقودها ومواصفاته وطباعه؛ وحين تجبره الظروف على التأخر بضع دقائق يركب الحافلة التالية التي يقودها سائق مختلف عن الأول، ثرثار وشكاء يتحدث دوماً عن الغلاء والمشاكل المجتمعية الأخرى مما يؤثر على البطل بالسلب ويجعله يتأخر بضع دقائق عن موعد عمله، البطل ليس له اسم وهذا أول الرموز التي تشي بإغترابه وتشيئه، يعاقب نفسه على التأخر الذي لم يكن خطأه فيعمل ثلاث ساعات مقابل 7 دقائق من التأخير.

يستمتع بحس السلطة الذي يعطيه له منصبه على بعض الموظفين لكنه مع ذلك مسكونا بهاجس مكافحة الجرذان، يضع أمام مكتبة روزنامة وسط كتابين كبيرين قاموس وكتاب علمي حتى يتحاشى أن يتطلع إليه الناس في وجهه ويتحاشى تواصلا إنسانيا معهم، يركز في كتابة تقارير علمية عن الجرذان وعمل دراسات مستمرة عنهم حتى يتفوق في عمله ويؤديه على أحسن وجه ليرضي أمه التي ماتت بعد أن عاشت عمرا طويلا من الصرامة والصلابة.

يحتفظ بنسخة من أوراقه وتقاريره لدى أخته التي تسكن خارج المدينة خوفا عليه من الضياع، فقد تعرضت تلك الأوراق للحرق مرة لأنه صارح المسئولين بزيادة عدد الجرذان في المدينة حتى بلغ الخمسة ملايين، مما أفزع المسئولين وطالبوه بالتكتم على ذلك الخبر حتى لا يفزع أهل المدينة، لكنه لم يتوقف عن تقاريره وأبحاثه وعن هدفه الأصيل في مكافحة الجرذان رغم اعتقاده الذي جاء متأخرا أن للجرذان فوائد، حتى أنه فكر في تأليف كتاب عن فوائد الجرذان لكنه متردد بشأن انجازه، وقد أخذ يعدد محاسن الجرذان التي تنبئ الناس بحدوث زلازل، فضلا عن أنها كانت تؤكل في باريس وقت قلة الطعام، كما أكلها المصريون وقت المجاعة التي أصابت بلادهم في القرن الثامن الهجري أيام الأيوبيين، وهو رغم السنوات الطوال التي قضاها في إبادة الجرذان أصبح متعاطفا معها ومتردد بشأن قتلها بالسم الذي يوصي على استيراده من الخارج.

انتقاد الدولة ومؤسساتها..

ينتقد البطل من خلال الرموز الدولة ومؤسساتها، تلك الدولة التي توفر ميزانية كبيرة للمساجد والمآذن الخاصة بها رغم أن تلك المآذن ستصبح بلا جدوى مع وجود أجهزة راديو تبث الآذان في حين أنها تقلل ميزانية مكافحة الجرذان التي تتناسل بضراوة وتهدد ماسورة الغاز التي قد تقرضها في أية لحظة، وتترك البطل في حيرة حيث أن تحقيق هدفه في إبادة الجرذان تقابلها عوائق قلة الميزانية، والموظف المتساهل الذي أجبر على تعيينه بسبب أنه قريب لأحد مرؤوسيه والذي يترك العمل ليحتسي البيرة ويلفق تقريرا عن خطر الجرذان المتزايد على الغاز في المدينة، ويعلن البطل أنه غير مهتم بشأن الدين لأنه مخلص أكثر للدولة في إشارة ساخرة إلى اعتبار الدولة إلها من نوع آخر والانتماء لها بشدة.

التناسل جريمة لا تغتفر..

كما ينتقد البطل التناسل الذي ينشغل به سكان المدينة وبقية الأمور التافهة مثل لعب الكرة واحتساء البيرة أو التمتع بأمور أخرى، ويعلن أنه ضد التناسل لذا ظل أعزبا طوال حياته لأنه غير قادر”على إخصاب أنثى متهيجة” لأن التناسل في نظرة جريمة لا تغتفر، لذ فقد فكر في حل سحري للقضاء على الجرذان وهو معالجة هرموناتها الجنسية حتى تصبح غير قادرة على التناسل، ومن ثم تنقرض بعد وقت نتيجة لوقف التناسل، وكأن هذا رمزا آخر لفكرة أن يتوقف البشر عن التناسل تمهيدا لانقراضهم هم أيضا لكن البطل لم يصرح بذلك، ويسخر البطل أيضا من قدرة الخنازير على التناسل وحيوانات أخرى مثل الجرذان.

قتل الحلزون..

على أن أهم رمز داخل الرواية وهو رمز الحلزون الذي يرمز البطل به إلى نفسه، كائن رخو من الداخل صلب من الخارج يعيش داخل قوقعة رغم أن البطل يؤكد أكثر من مرة أنه صلب من الداخل مثل أمه ورغم ذلك تفاجئه الانفعالات، خاصة في فصل الخريف الممطر الذي تدور فيه الرواية ويغلبه الحنين خاصة ليلا فيلجأ إلى صندوق الأحذية الذي يخبئ فيه صوره وصور العائلة، فيتطلع إلى صورته وهو في العشرين من عمره ويتعرف مجددا على أنه يشبه والده حين كان في مثل عمره، ثم تنهره صورة والدته الصارمة والتي طلبت منه أثناء احتضارها أن يلتقط لها صورة لكن أصابعه لم تطاوعه فاغتاظت، وكانت قد طلبت منه التقاط تلك الصورة على الرغم أنها لا تحب الصور حتى تترك له ذكرى على صلابتها وقوتها، وحين تظهر صورة أمه في صندوق الأحذية يستعيد قوته ويقهر الحنين، لكنه مع ذلك يستسلم لانفعالاته ويترك لها مساحة في يومه، حيث يخصص لها جيبا في ملابسه، فهو يخصص عشرين جيبا لقصاصات الورق الخاصة بتقاريره وأبحاثه والتي يسجل عليها ملاحظاته أثناء تواجده في العمل، لكن الجيب الواحد والعشرون يخصصه للانفعالات يسجلها في كلمات عذبه على قصاصة ورق وحين يعود إلى المنزل يفرغ كل تلك القصاصات في بطاقات ويقوم بتصنيفها.

البطل حلزون لكنه عنيد لأنه لا يعترف بذلك، وحين يفاجئه حلزون يسكن في حديقته في أول يوم يظل يتملكه الرعب من ذلك الحلزون ويتتبعه علميا ليعرف عنه معلومات كثيرة، كما أنه يهتم بالتعرف عليه في تاريخ الشعوب فيكتشف أن شعب الازتيك كان يقدس الحلزون لأنه كائن مخنث الجنس وكان يرمز إليه بالقمر، ثم وبعد تغيبه عن العمل خوفا من هاجس الحلزون القريب ينجح في قتله في نهاية الرواية حيث يسحقه بحذائه الأيسر ويسلم نفسه.

كما يشير البطل إلى أن الجرذان نفسها أحد الرموز الهامة فأمريكا اتخذت من الفأر ميكي رمزا لها وهي تتكاثر بضراوة وتفرض قوتها على الجميع مثل الجرذان التي تستطيع مقاومة سرب من البشر.

الرواية شديدة التميز، ورغم أنها مكتوبة منذ زمن طويل إلا أن القارئ يجد متعة في قراءتها في الوقت الحالي، فهي حافلة بالرموز تعبر عن اغتراب الإنسان تجاه المؤسسات الصارمة للدولة وتجاه حياة البشر اللاهية المفعمة بالازدحام، كما أنها شديدة التكثيف وتمتاز بلغة شعرية عذبة وكأن الكاتب يتذوق الكلمات وهو يخطها على الورق، كما أن التكرار في السرد عكس هوس البطل الانطوائي ووحدته وهواجسه تجاه نفسه وتجاه العالم وتجاه أمه القوية وأبوه الطيب.

الكاتب..

رشيد بوجدرة كاتب جزائري، ولد عام 1941 في مدينة العين البيضاء بولاية أم البواقي-شرق الجزائر-. تلقى تعليمه الابتدائي في مدينة قسنطينة، تخرج من المدرسة الصادقية في تونس. ومن جامعة السوربون – قسم الفلسفة. بعد استقلال الجزائر سنة 1962 انضم إلى الحزب الشيوعي الجزائري، أقام في باريس من  1969 إلى  1972 وبالرباط من  1972 إلى 1974 حيث عاد إلى الجزائر.

عمل في التعليم وتقلد مناصب كثيرة، منها أمين عام لرابطة حقوق الإنسان وفي سنة  1978 انتخب أميناً عاماً لاتحاد الكتاب الجزائريين لمدة 3 سنوات. وعند اندلاع العشرية السوداء في الجزائر ذهب رشيد بوجدرة إلى تيميمون وبقي فيها 7 سنوات لهدوئها وبعدها عن مناطق الاضطرابات.

وهو محاضر في كبريات الجامعات الغربية في اليابان والولايات المتحدة الأميركية. حائز على جوائز كثيرة، من إسبانيا وألمانيا وإيطاليا.على مدى 50 عامًا كتب رشيد بوجدرة 30 عملاً من قصة، وشعر، وروايات، ومسرح، ومراسلات، ودراسات نقدية، منها 17 بالعربية الباقي بالفرنسية.

من أعماله..

الحلزون العنيد 1977

الإنكار 1972

القروي

العسس

الإرثة

ضربة جزاء

التطليق 1969

التفكك

ليليات امرأة آرق

ألف عام وعام من الحنين 1977

الحياة في المكان

تيميمون 1990

فيس الكراهية 1991

فوضى الأشياء 1991

الرعن

الجنازة 2003

فندق سان جورج 2007

شجر الصبار 2010

الربيع 2015

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة