5 نوفمبر، 2024 2:00 م
Search
Close this search box.

“حسن مطلك” .. أزدحم بالكتابة وبرع فيها ومات مقاوماً للظلم

“حسن مطلك” .. أزدحم بالكتابة وبرع فيها ومات مقاوماً للظلم

خاص : كتبت – سماح عادل :

“حسن مطلك روضان”؛ كاتب ورسام وشاعر عراقي.. ولد عام 1961 في قرية “سُديرة” شمال العراق، أنهى دراسته الجامعية في 1983، وحصل  على شهادة البكالوريوس في التربية وعلم النفس من كلية التربية في “جامعة الموصل”، عاش في كنف عائلة ذات ماضي عريق في الزعامة العشائرية وثرية بعطائها للأدب الشعبي.

أقام عدة معارض للفن التشكيلي، وبعد أدائه للخدمة العسكرية الإلزامية عمل أستاذاً في “معهد المعلمين” في كركوك ومديراً لعدة مدارس إعدادية، أُعدم شنقاً بتاريخ 18/7/1990 الساعة السابعة مساءً، لاشتراكه في محاولة لقلب نظام الحكم. حيث راح يصفه بعض المثقفين إثر ذلك بأنه (لوركا العراقي).

الكتابة..

حاز “حسن مطلك” على الجائزة الأولى لـ”قصة الحرب” عام 1983؛ عن قصته (عرانيس)، والجائزة التقديرية سنة 1988 عن قصته (بطل في المحاق)، وألف رواية (دابادا)، والتي طبعت عدة طبعات، ورواية (قوة الضحك في أُورا) و(كتاب الحب.. ظِلالهن على الأرض)؛ وهو نوع من الكتابة الحرة والمذكرات، و(العين إلى الداخل.. كتابة حرة)، و(أقنعة.. أنا وأنتِ والبلاد)، مجموعة شعرية، و(الأعمال القصصية)، ومعظم كتبه قدم لها وحققها شقيقه الروائي، “محسن الرملي”، وبعضها تم جمعه من أوراق “حسن مطلك” بعد وفاته.

دابادا”..

رواية (دابادا)، تقع في (220صفحة)، صدرت طبعتها الأولى في بيروت سنة 1988، وصدرت الطبعة الثانية في القاهرة 2001، والطبعة الثالثة في بيروت 2006.. يعتبرها البعض أهم الروايات العراقية التي ظهرت في نهاية القرن العشرين، قال عنها، “جبرا إبراهيم جبرا”: “إنها رواية غير عادية، فهي جديدة وكاتبها شاب جريء”. وقال الروائي، “عبدالرحمن الربيعي”: “لقد أحببت هذه الرواية العصية، إنها رواية مختلفة، لا يمكن أن تذكرنا بأي عمل روائي آخر ولم تتعكز على إنجاز روائي سابق.. إنها رواية وحيدة ومكتفية بما حملت”. وقال القاص، “محمود جنداري”: “إن (دابادا) هي الكتابة بشروط الحياة”. وقال الناقد، “د. عبدالله إبراهيم”: “إنها رواية تستفز القارئ، وهي تتصدى لقضايا كبرى، إن هذه الرواية ستثير إشكالات في مستوى القراءة ومستوى التأويل وستختلف الآراء حولها”. وقال الشاعر، “صلاح حسن”: “إنها الرواية العراقية الوحيدة التي ظهرت بهذه السمات المميزة.. إن (دابادا) هي حقاً رواية عراقية متميزة، وفيها من التجديد ما لا يمكن إنكاره على الصعيدين البنائي والمضموني، حيث يمكّناها من الوقوف إلى جانب الروايات العظيمة”. وقال الناقد، “د. باسل الشيخلي”: “إن هذه الرواية تتجاوز حدود الواقعية لتدخل في إشكالية أكبر وأوسع من نمطية الكتابة المقنّعة.. وإن لغة (دابادا) هي سر قوتها”. وقال القاص، “كريم شعلان”: “أتمنى أن يقرأ الجميع (دابادا)، رواية الكاتب العالمي جداً حسن مطلك ونافذته على فجر الرواية العربية”.

ونشر الشاعر والقاص، “عبدالهادي سعدون”، رسالة تلقاها من “حسن مطلك”؛ رداً على رسالة كان قد أرسلها له عن روايته، جاء فيها: “الأخ عبدالهادي السعدون المحترم.. أفضَل تعريف سمعته للقصة «أنها تجربة عزلة». وأعتقد أنني لو تمنيت حقاً أن أفرد لك توضيحاً لـ (دابادا) لاحتجت لرواية أخرى سأسميها مثلاً «ميتا دابادا» فالمعذرة إذاً. ولكن أسمع. أعدك في يوم ما عن شيء سماه أحد الأصدقاء «الواقعية المطلقة» إشارة إلى كتاباتي، وهي فكرة مفصلة، إصبع ديناميت في جسد الموروث الأدبي، ـ أنا متعَب وقلق هذه اللحظة ـ ولا أرغب في الحديث عن (دابادا) بالذات، لأنها أتعبتني.. أريد أن أستريح يا أخي، هناك بعض التطور الذي أسميه تراجعاً عن (دابادا) في بعض الأحيان، تجربة روائية جديدة ستذبحني، أكثر عمقاً.. العقدة هذه المرة ليست في الشكل بل في الفكرة، لا سيما أنني مهووس بتاريخ الحضارات القديمة، وأشعر أنها ليست مجرد أحداث انتهت، بل هي طفولتي أنا، طفولتكم.. وأننا نحتاج جميعاً إلى وعي تاريخي، لا إلى وعي في التاريخ. أنني لعلى ثقة بأنك أنت وجميع الكتاب الشباب يجدون في (دابادا) باباً للأدب القادم. إذ لم يعد من السهل أن نبدأ بكلمة «كان» كإستهلال قصصي، وهذه أول خطوة للنجاح../ قتل «كان»”.

حسناً: الحمار “قندس” هو الإيديولوجيا. أو لنقل الروح الخشبية المدللة لكل سلطة. هناك إشارة لا أملّ من تكرارها على الأصدقاء: يا “عبدالهادي” لسنا جادين أبداً، لا في قراءتنا ولا في كتابتنا.. فلنجرب الكتابة في وضع الوقوف. لنكن جادين مرة واحدة وإلى الأبد.. وعلينا أن نفرق بين الأديب والكاتب، وذلك سهل لمجرد أن نجلس في اتحاد (الكتاب) العراقي.. ولا بأس أن نصاب ببعض الغرور، وليذهب موظفو الأدب إلى الجحيم ما دمنا نكتب بألم ونتعذب ونحترق. لنجرب أن نعطي أقصى ما لدينا في كل قصة مهما كانت حتى لو كانت طاقتنا ستفرغ نهائياً في قصة قصيرة واحدة، ولننس أسمائنا. فلتكن قصة واحدة عظيمة ثم نعتزل.. لنصرخ قبل أن يصل الطين إلى أفواهنا. قرأتُ في بعض كتب الإنثروبولوجيا عن قبيلة تعطي لكل لحظة حقها. في الحزن يهلك بعضهم من البكاء، وفي الفرح يهلك آخرون من السعادة، وفي العمل تنهار أجسادهم.. ولكن هناك، سينشأ في الداخل، داخل كل شخص، قوة عجيبة ورؤية واضحة للعالم.. فلنجرب.المعذرة.. سنلتقي في يوم ما”.

الإزدحام بالكتابة..

في حوار مع “حسن مطلك”، أجراه “عيدان محمود الصحن”، نشر في بغداد 1988، يقول عن الكتابة: “الحضور بالنسبة لي هو أن أكتب وأستغرق في الكتابة. وتجربتي ذات أمواج تضعني دائماً في فورة المحاسبة.. أنا مزدحم وأخاف وأحذر النشر مخافة أن أندم فالكثرة لا تعني شيئاً في الإبداع.. أكتب الرواية ليس لأنها سرقت من الفلسفة والشعر قوتيهما ولا لأنها فن العصر، كما يقال، بل لأنها صعبة، وعرة، ولأنني أستمتع كثيراً بهذا الخطر.. ليس ثمة فارزة بين الواقعي والخيالي في الأدب، أحدهما يكون ذراعاً والآخر رأساً واللغة روح لهذا الجسد الهجين”.

وعن اللغة في كتاباته، يقول “حسن مطلك”: “أذكر قولاً لأحد كتاب الرواية الحديثة، يقول: «لم أحاول في يوم ما أن أجبر اللغة على قول ما لا تريد أن تقوله». واللغة هي أنا، فأحاول أن لا أكذب قدر الإمكان، إنها ليست مجرد أداة للتوصيل.. فهي تشمل الصوت أحياناً. المهم أن نجرب كيف تخطيء في اللغة بعد أن نتقن الإعراب. ليس للكتابة وقت محدد، ولكن لحظة الدهشة هي ذروة الإبداع.. دهشة الاكتشاف التي تضيع الكثير من التفاصيل، غير أنها تعطي بالمقابل لغـة مـضيئة”.

وعن رأيه في القصة العراقية وكتابها، يقول “حسن مطلك”: “القصة العراقية في أتم العافية، ولكن الجدية تنقصنا جميعاً. إذا أردنا معرفة مستقبل القصة علينا أن ننظر إلى تجارب الآخرين من الشباب. أما الرواية في العراق فلم تخرج من حجرة التقليد.. ولكنني متفائل كثيراً”.

أهل القرى..

في حوار آخر معه أجراه، “مجيد السامرائي”، نشر في بغداد 1984، يجيب “حسن مطلك” عن سؤال؛ هل تظن أن هناك أدباء قرى وأدباء مدن ؟.. قائلاً: “ربما.. أنا أظن أن المبدعين هم أهل القرى، أو الكتاب القرويون المتمدنون.. القرويون أعرف بقراهم من أهل المدن، وإن غطسوا في زحام المدن فهم أدق تعبيراً من غيرهم عن المدينة.

لغة جديدة..

حوار آخر مع “حسن مطلك”، حاوروه (نـجم ذيـاب – محسن الرملي – ياسين سلطان)، وأجري في بيته بقرية (سديرة وسطى) 1988. وتم تسجيله على شريط، (كاسيت)، وكان حواراً طويلاً عن روايته (دابادا)، يقول “حسن مطلك” عن استخدامه اللغة بطريقة جديدة: “بالنسبة للغة الرواية فقد استخدمت شاهين أيضاً كمنظار للنظر من خلاله إلى جميع الشخصيات، وأنظر من خلاله إلى الحدث، أي أن كل وصفي ودخولي في الرواية وأسلوبي قد تم من خلال شخصية شاهين، يعني أنني لم أكن أنظر من خلال شخصيتي كروائي وإنما كنت أنظر من خلال شخصية شاهين إلى العالم، ولذلك فإن طريقة الروي كانت بطريقة شاهين وليست بطريقتي.. إذاً فهو أسلوب شاهين وليس أسلوبي”.

الواقعية المطلقة..

أما عن انطباعه عن رأي بعض النقاد الذين اعتبروا روايته خروجاً عن الإطار التقليدي للرواية؛ يبين “حسن مطلك”: “في أول الأمر تم اعتبارها خروجاً، ثم بعد ذلك شبهها قسم كبير بروايات «ماركيز».. فهي إما أن تكون خروجاً أو تشبه روايات «ماركيز»؛ واحدة من اثنتين. ولكن بتقديري هي فعلاً خروجاً عن التراث الأدبي، ولكن ليس خروجاً كاملاً بكل ما في هذه الكلمة من معنى، لأنه ليس هناك من يكتب رواية جديدة 100% دون أن يتأثر بما قرأه وما عاشه في كل السفرات التي قضاها، فنحن بالتأكيد نتأثر بقراءاتنا وثمة تأثيرات كثيرة لكتاب عالميين. أما بالنسبة لتأثري بـ«ماركيز» فطبعاً أن «ماركيز» من المؤثرين بي ولكنني أعتقد بوجود خلاف كبير بيني وبينه وأنني حين أكتب فأنا آخر من يقلد ماركيز، ليس لأنه روائي عادي بالنسبة لي بل بالعكس فهو روائي عظيم جداً، ولكن بالنسبة لي فإن ماركيز لا ينطبق على الأشياء التي أفكر بها أنا، لأن ماركيز كما أعتقد يكتب بدون أفكار يعني يجيد اللعبة الروائية بشكل مذهل، ولكنه لا يقدم أفكاراً كبيرة، أما هذا المنهج الذي اعتمدته فقد أسميناه بـ (الواقعية المطلقة) أو (الواقعية الكلية) والذي يمكن بداخله أن تضع في الرواية كل شئ، أي أنه بالإمكان أن نضع من الكيمياء والفيزياء ومن علم الزراعة والطب وغيرها، وأيضاً بالنسبة للمدارس الأدبية تستخدمها كلها.. كل ما تعلمناه من مدارس أدبية من السريالية والواقعية والواقعية السحرية والواقعية الواقعية والواقعية النفسية وغيرها، وممكن أن نأخذ «بروست وكافكا وغويس» ونشاركهم كلهم في عملية الكتابة الروائية، فأنا أعتقد أن الخطأ الأساس، أو هو ليس خطأ تماماً، وهو مثلاً عندما أنظر إلى كافكا أنظر له بخصوصية وعظمة، ولكن كافكا قد نظر من منظار واحد ومن زاوية واحدة إلى العالم، لقد نظر من جانب التحويل الحسي إلى موضوعي مثلاً، كافكا يقول، بأن البطل يشعر بأنه شخص وضيع أو شخص متعَب، فهو لم يقل بطل متعب وإنما حوله إلى صرصار كما في روايته (المسخ)؛ أو عندما يشعر الشخص بوطأة السلطة عليه وبأنه مطالب دائماً ومراقب دائماً وبأنه ليس حراً.. فحول هذا الإحساس إلى (المحاكمة)، أو حالة الطموح التي لا تتحقق أبداً في رواية (القصر) فهذه رؤية واحدة نظر بها كافكا إلى أعماله. وهكذا يمكنك أن تتناول أي روائي على هذا الأساس ووفق هذه الناحية. خذ رواية (زوربا) مثلاً ستجده أيضاً بأن «كازانتزاكي» قد نظر من زواية واحدة ألا وهي؛ الحس والفعل أي الموافقة بين الحسي والعقلاني، الحسي زوربا والعقلاني كان المعلم الشخصية المرافقة لزوربا.. وأنا أعتقد بأن الروائي الجديد أو الأدب الجديد لا بد أن يكون أدباً كلياً، أي أن نضع كل شئ إلى جانب العلم، ويمكن أن نضع المسرح ونستفيد من تقنيات السينما بالتقطيع المشهدي أو في السيناريو وبالإمكان أن نضع موسيقى أيضاً، وأن نضع سحراً فبالإمكان أن نضع كل شئ.. كل شئ داخل الرواية”.

عقلنة الشعر..

كما رأى التجديد في روايته، قائلاً: “بالنسبة للجديد في (دابادا)، وعلى صعيد الشكل أيضاً، فقد استخدمت الشعر، واللغة إلى أقصاها، أي أنها ممكن أن تتحول إلى قصيدة شعرية أو (قصيدة غليضة)، وفي الوقت نفسه، استخدمت العقل (عقلنة الشعر)؛ أخذت من الفلسفة وأخذت من الشعر.. وطبعاً ستجد أن ثمة تضاد قوي بين العقل والحس، ليس تضاداً بالضبط، ولكن لأنه ليس من الممكن أن نطرح حالة عقلانية بطريقة حسية أو نطرح حالة حسية بطريقة عقلانية فإما أن تصبح في النتائج عقلانية أو حسية.. أنا عملتها عقلانية حسية أو حسية عقلانية.. يعني الاثنين معاً. أعتقد أنها مسألة جديدة جداً في العمل الروائي. وقلت لكم أيضاً (الكلية) أي أن أنظر إلى الأمور بطريقة كلية، ثم أنني لا أتعاطف مع أبطالي، وهذا ليس شيئاً جديداً ولكن العبرة في عملية تنفيذه.. لأن أهم شئ هو أن ينفذ الروائي ما يفكر به فعلاً.. هناك من يتكلمون وكلامهم كبير وعندهم فكرة تامة عن الرواية.. ولكن عند التنفيذ لا ينفذون.. والجديد هو: أنني قلت الشئ ونفذته”.

وعن الأدب والسلطة يؤكد “حسن مطلك”: “حرب الأديب ضد السلطة بكل أشكالها هي حرب دائمة، وفعلاً هذه الرواية مكتوبة ضد السلطات.. أشكال السلطات الموجودة في المجتمع؛ السلطة التاريخية والسلطة الاجتماعية والسلطة السياسية، وطبعاً هي لا تخص سلطة معينة بالتحديد ولهذا أقول الكلام بدون رقابة”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة