16 نوفمبر، 2024 6:51 ص
Search
Close this search box.

بين المشروطية السياسية والحكم الراشد

بين المشروطية السياسية والحكم الراشد

إعداد/ د. عصام عبد الشافي
تمهيد:

ارتبطت سياسات “المشروطية السياسية”، و”ما بعد المشروطية” في الجانب الأكبر منها بتقديم المساعدات الرسمية من جانب الدول الغنية لمجموعة الدول الأقل تقدماً والفقيرة بعد حصول أغلبها على استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية، كما جاء ضمن صراعات الحرب الباردة التي كانت تخوضها أغلب الدول المانحة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ضد المعسكر الشيوعى، وذلك اعتقاداً بأن هذه المساعدات يمكن أن تمثل حلاً لعدم كفاية التدفقات الخاصة للدول النامية ولانخفاض مستويات الادخار فيها وبالتالي عدم كفاية الأموال لتمويل التنمية في هذه الدول.

ومع تزايد المساعدات الرسمية للدول النامية منذ منتصف ثمانينيات القرن العشرين، وبالتزامن مع انتهاء الحرب الباردة جراء انهيار الاتحاد السوفيتي، تعزز الاعتقاد بتراجع أهمية دور المساعدات الرسمية في تمويل تنمية الدول الأقل نمواً، إلا أن مخاطر وتقلبات المساعدات الرسمية لاقتصاديات الدول النامية، ومنها دول العالم الإسلامي، وعدم تحملها التدفقات المعاكسة التي تزيد من احتمال تعرضها للأزمات الاقتصادية، والتي تجلت في أزمة جنوب شرق آسيا سنة 1997/1998.

وتفاقم مشاكل مديونية الدول الفقيرة وتزايد تهميشها أدى إلى إعادة إحياء دور المساعدات التنموية، ووضعها مجدداً في قلب العلاقات الاقتصادية الدولية، وقد دفع هذا الوضع المضطرب إلى تبنى الأمم المتحدة للأهداف الألفية للتنمية عام 1990، وتضافرت جهود المانحين من خلال تفاهم مونتيرى، 2002، واجتماع روما، 2003، واجتماع باريس، 2005، لجعل المساعدات الرسمية أكثر فعالية في تحقيق أهداف الألفية للتنمية.

ومع فشل المساعدات في ملء الفجوة التمويلية، بالإضافة إلى كونها تثبط المبادرة الخاصة من جانب الدول النامية، وتطيل عمر الأنظمة غير الديموقراطية التي لا تلتزم بالسياسات الرشيدة اللازمة لتحقيق التنمية، خاصة وأن ما تحتاجه الدول النامية هو بناء مؤسسات شفافة وقوية قادرة على حماية الملكية وتقليل تكاليف القيام بالعمل والقضاء على المخاطر المثبطة للاستثمار والادخار، كما تتعدد الدلائل والشواهد إلى أن المساعدات التي تعطى لأغلب الدول لا ينجم عنها تقليل للفقر ورفع لمعدلات التنمية، بل إن هذه المساعدات تشكل حلقة من حلقات الفساد السياسي والإداري، ووسيلة من وسائل ترسيخ التسلط والاستبداد.

فى هذا الإطار تأتي هذه الدراسة للبحث في إشكالية رئيسة تقوم على النحو التالي: أنه مع تعدد الشروط التي فرضتها الدول والمؤسسات المانحة للمساعدات الإنمائية، سواء الشروط الاقتصادية (كما برزت خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين)، أو الشروط السياسية (كما برزت خلال التسعينيات من القرن نفسه)، أو تبني أهداف الألفية الإنمائية مع بداية القرن الحادي والعشرين، أو تبني سياسات ما بعد المشروطية (خلال السنوات العشر الأخيرة) من ناحية، وتعدد الأزمات المالية والاقتصادية وترسخ نظم الفساد والاستبداد في العديد من دول العالم، خلال العقود الثلاثة الأخيرة، ووصلت ذروتها خلال السنوات العشر الأخيرة، من ناحية ثانية، يثار التساؤل حول جدلية العلاقة بين سياسات المشروطية وما بعد المشروطية وماهية ومعايير الحكم الراشد؟

تقسيم الدراسة:

في إطار هذه الاعتبارات تم تقسيم هذه الدراسة على النحو التالي:

أولاً: ماهية المشروطية السياسية وأبعادها

ثانياً: ماهية الحكم الراشد ومعاييره الأساسية

ثالثاً: جدلية العلاقة بين المشروطية والحكم الراشد

أولاً: المشروطية وما بعد المشروطية

طرحت فكرة المشروطية مع أواخر سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن العشرين؛ حيث ركزت على آليات الإصلاح الاقتصادي مدفوعاً بما تعرضت له دول العالم الثالث من أزمات اقتصادية في ذلك الوقت. وكان مضمون المشروطية تبني برامج التكيف الهيكلي كشرط لتلقي المساعدات من المؤسسات المالية الدولية، ولأن تلك البرامج عكست اتجاهاً لفرض الليبرالية الاقتصادية على دول العالم الثالث؛ فإنها لم تخل من بُعد سياسي؛ لأنها هدفت فرض النمط الغربي للتنمية على الدول النامية:

1ـ المشروطية الاقتصادية:

تتمثل هذه المشروطية في برامج التكييف الاقتصادي، التي فرضتها الدول والمؤسسات المانحة خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين على الدول المستقبلة للمساعدات، وتعتبر هذه البرامج من أكثر القضايا إثارة للجدل من حيث أهدافها ونتائجها وإجراءاتها وآليات تطبيقها، نتيجة لتبنيها من قبل أهم المنظمات الاقتصادية الدولية (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي)، وتزايد عدد الدول التي تبنتها كلياً أو جزئياً والعدد المتزايد من الدول النامية التي تتجه إلى تبني هذه السياسات أو الاسترشاد بها لتصميم برامج إصلاح اقتصادي محلية بالإضافة إلى انعكاساتها على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للدول التي تطبقها.

وتتألف برامج التكييف الاقتصادي من جزأين هما: برامج التثبيت الهيكلي وبرامج التكييف الهيكلي، والتثبيت الهيكلي وفقاً لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي هو جملة من السياسات قصيرة المدى توضع بالأساس بوحي من صندوق النقد الدولي، وتهدف هذه السياسات إلى خفض التضخم واستعادة قدرة العملة على التحويل وتجديد خدمة الديون، وهي تتضمن إجراءات لتقليل النفقات فضلاً عن تطبيق سياسات مالية وائتمانية ونقدية انكماشية صارمة من أجل إصلاح عدم التوازن الخارجي والمتعلق بالميزانية. أما التكيف الهيكلي فهو مجموعة من السياسات الاقتصادية التي تهدف إلى تحرير الاقتصاد والتجارة من خلال رفع السيطرة والضبط وإتباع الخصخصة وتطبيق سياسات موجهة نحو التصدير وإجراء تعديلات على هيكل الاقتصاد الوطني (1).

ورغم نص صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على أنه لا ارتباط تبادلي للاشتراطات، أى عدم ربط شروط أحد المنظمتين لمنح قروض بشروط المنظمة الأخرى، إلا أن الممارسات الفعلية للبنك وخاصة منذ عام 1989 تتجه إلى الارتباط، حيث اتجه لقصر الإقراض من أجل الإصلاح الهيكلي على الدول التي لديها برامج استقرار اقتصادي مع صندوق النقد الدولي (2).

كما أن برامج التكييف الاقتصادي وفقاً لرؤى كلّ” من المنظمتين (صندوق النقد الدولي) والبنك الدولي واحدة في جوهرها من حيث الأهداف والاستراتيجيات بغض النظر عن الإجراءات الشكلية للتفاوض وفترات التفاوض.

كذلك فإن الدول النامية التي خضعت لبرامج التكيف الاقتصادي، تعاني من تدهور ملحوظ في شروط التبادل الدولية، مثل عجز ميزان المدفوعات، واستنزاف رصيد الاحتياطيات الدولية، وعجز في الحساب الجاري، وهبوط صافي الأصول الأجنبية إلى النقود، وأزمة ديون خارجية متفاقمة، وزيادة متسارعة في الفرق بين سعر الصرف الرسمي للعملة الوطنية وسعر صرف السوق السوداء، وتضخم الإنفاق العام وتردي في الكفاءات الإنتاجية للقطاع العام.

كما أن هذه البرامج تفتقد للمرونة وفقاً لتوجهها العام وخطوطها الأساسية، وتتعامل مع جميع البلدان بالطريقة نفسها، كما أنها قصيرة المدى، بحيث لا تسمح بالقيام بعملية تكيف اقتصادي قابلة للاستمرار، ولا تسمح بإجراء تعديل أساسي على الجهاز الإنتاجي في البلد المعني والنمو الاقتصادي المحقق خلال فترة البرنامج.

كذلك فإن الآثار الاجتماعية للبرامج ما زالت، في معظمها، سلبية خاصّة بالنسبة للطبقات الفقيرة، حيث أدت إلى ازدياد الفقراء فقراً واتساع انتشار الفقر، وزيادة الأغنياء غنى وتضييق حجم الطبقة الوسطى من المجتمع مع اتساع نطاقها، الأمر الذي يفرض على الدول النامية تبني خطط وبرامج تنمية اقتصادية اجتماعية وطنية تأخذ باعتبارها الظروف الموضوعية لكل بلد (3).

2ـ المشروطية السياسية:

مع بداية التسعينيات بدأت الدول المانحة، والمؤسسات المالية النقدية ممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية على الدول النامية لإقامة نظام ديمقراطي مدني يستمد شرعيته من إجراء انتخابات تنافسية متعددة الأحزاب، وكانت وسيلتها للوصول إلى هذا الهدف هي التهديد بإيقاف المساعدات والتسهيلات المالية، أو إيقافها فعلاً بهدف فرض نوع من العزلة والحصار على النظم التي لا تتبع النهج الديمقراطي لإجبارها على السير في طريق التحول الديمقراطي، وهو ما عرف “المشروطية السياسية”(4).

وارتبطت سياسات المشروطية، خلال هذه المرحلة بعدد من الاعتبارات الأساسية، منها:

(أ) التغيرات التي شهدها العالم خلال تلك الفترة من تحولات في دول أوروبا الشرقية، وسقوط الاتحاد السوفييتي والتحول إلى نظام أحادي القطبية.

(ب) إخفاق تطبيق المشروطية الاقتصادية مما أدى بالمؤسسات المالية إلى إرجاع إخفاق برامج التكيف الهيكلي إلى العوامل السياسية في الدول المستقبلة للمعونات.

(ج) أن الدول المانحة أرادت تسويغ استمرار معوناتها لدول العالم الثالث أمام شعوبها رغم انتهاء الحرب الباردة، فلم تجد سوى مسوِّغات دفع المبادئ الديمقراطية والحكم الجيد، فالمشروطية السياسية كانت أقرب لأداة أيديولوجية تفرض الرأسمالية الليبرالية محلاً للاشتراكية على مستوى العالم، وتوفر أساساً من المشروعية للزعامة الجديدة للغرب بإسهامه في إسقاط النظم غير الديمقراطية (5).

ومن هنا سعت الدول المانحة للمساعدات لفرض شروطها على الدول النامية، إما عن طريق استغلال المؤسسات المالية الدولية، التي تسيطر عليها هذه الدول الكبرى بحكم مشاركتها في الجانب الأعظم من التمويل، أو من خلال فرض هذه الشروط مباشرة في إطار سياسات هذه الدول الخارجية لمنح المساعدات (6). ثم أصبحت المساعدات مشروطة بالوصول إلى الحكم الجيد، والذي يشير وفقاً لتعريف البنك الدولي إلى المحاسبية فيما يخص الإنفاق العام، والشفافية عند اتخاذ القرارات، وتعزيز حكم القانون (7).

وبذلك تكون هذه المؤسسات قد خرجت عن المسار المحدد لها وعن الوظائف المسندة إليها منذ نشأتها (8)؛ وتستند هذه المؤسسات إلى المنطق القائل بأن الديمقراطية أداة ضرورية لتوفير مناخ سياسي ملائم دافع للتنمية الاقتصادية، وأن هناك دليلاً قوياً على أن المجتمعات المنفتحة التي تقدر الحقوق الفردية، وتحترم حكم القانون، ولديها حكومات منتخبة تتعرض للمحاسبة تقدم فرصاً أفضل للتنمية الاقتصادية المستدامة من المجتمعات المنغلقة التي تقيد المبادرات الفردية (9).

وانطلاقاً من هذه المبادئ فإن عدم انصياع الدولة للشروط السياسية التي تضعها المؤسسات المالية الدولية يعرضها لوقف الإمدادات والمساعدات المالية إليها بحجة أنها تفتقد المناخ الديمقراطي الملائم الذي يدفع النمو الاقتصادي، ويُمكِّن الدولة من تسديد التزاماتها المالية، وإذا كان وجود هذه المؤسسات يوفر إطاراً مؤسسياً لتنظيم قواعد ومعايير تقديم المساعدات الرسمية، فإن البعض ينتقد دورها كأداة لسيطرة الدول الكبرى على مقدرات الدول النامية، وأن هذه السيطرة بمثابة شكل جديد من أشكال الاستعمار التي تمارسها الدول الكبرى على الدول النامية(10).

3ـ سياسات ما بعد المشروطية:

تعرضت سياسات المشروطية لانتقادات مختلفة تكشف عن آثار هذه السياسات من الناحية الفعلية كما تكشف عن المقاصد الحقيقية وراء فرضها، ومن أهم هذه الانتقادات:

(أ) أن المشروطية السياسية تعمل على تقييد التحول الديمقراطي؛ لأن مسؤولية النظام في الدولة الأفريقية أمام الجهات الخارجية تتعارض مع المحاسبة الديمقراطية التي يجب أن تكون في يد المجالس التشريعية والمواطنين في الداخل. فيعتمد تقييم النظام على المصادر الخارجية التي قد تضع تقييماً مخالفاً لما يراه المواطن في الداخل، هذا من ناحية، كما أن المشروطية تؤدي إلى تراجع سيطرة أجهزة صنع القرار الداخلية في الدولة على اتخاذ القرارات مما يؤدي إلى تراجع الديمقراطية، من ناحية ثانية (11).

(ب) أن تدخل الفاعلين الخارجيين في شؤون الدول النامية يجعل الموجة الجديدة للديمقراطية مجرد موجة للاستعمار الجديد تتزامن مع النظام العالمي الجديد أحادي القطبية، بالإضافة إلى أن الفوائد الاقتصادية التي تعود على الدول النامية نتيجة امتثالها لقواعد المشروطية السياسية محدودة؛ والدليل على ذلك الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها العديد من هذه الدول.

(ج) أن زعم بعض الدول المانحة للمساعدات الاهتمام بالديمقراطية يفتقد للمصداقية؛ فالولايات المتحدة وإن كانت قد أعلنت تأييد مبدأي الديمقراطية وحقوق الإنسان كركيزتين أساسيتين للسياسة الخارجية النامية، إلا أن هذه المبادئ مجرد أداة تستغلها السياسة الأمريكية لتحقيق مصالحها، وليست هدفاً تسعى إلى تحقيقه. وترتبط بمدى الاهتمام الأمريكي بحالة كل نظام سياسي على حدة تبعاً لطبيعة المصالح التي قد تختلف طبيعتها من دولة إلى أخرى (12).

(د) أن الدول المانحة تتبع معايير مزدوجة عند تطبيق قواعد المشروطية السياسية على الدول النامية؛ فهي تتخذ موقفين متعارضين من قضية ذات طبيعة واحدة في بلدين مختلفين طبقاً لارتباط هذا البلد بمصالحها (13). فالدول الغربية والجهات المانحة يهمها تطبيق برامج التكيف الهيكلي (في شقها الاقتصادي) باعتبارها، من وجهة نظر تلك الجهات المخرج الوحيد للدول النامية من أزماتها الاقتصادية أكثر من حرصها على تطبيق المشروطية السياسية حتى وإن كانت تلك الجهات تعلن تمسكها بالإصلاحات السياسية التي توفر مناخاً ملائماً لدفع التنمية الاقتصادية (14).

وأمام هذه الانتقادات برز ما عرف بسياسات “ما بعد المشروطية”15. فمنذ نهاية التسعينيات، دفعت تحولات في النظام الدولي إلى مراجعات في مقولات وممارسات المؤسسات المالية الدولية، خاصة فيما يتعلق بالمشروطية السياسية. هذا التراجع قد تزامن مع تغلغل بعض مفردات الحكم الرشيد في الأجندة الوطنية لبعض الدول. ومن ثم، فالتراجع الظاهري للدور الخارجي قد ارتبط بنوع من توطين الفكرة من ناحية، وقدرة أعلي على المراوغة والتقيد الشكلي من قبل الأنظمة الحاكمة من ناحية أخري.

فقد شهدت التسعينيات الصعود المتزامن لتطبيقات وسياسات الحكم الرشيد من قبل المؤسسات المالية الدولية، والاتجاه إلى تبني التعددية السياسية والحزبية في العديد من دول إفريقيا جنوب الصحراء، وهي تلك المجموعة من الدول الأكثر احتياجا للمساعدات الاقتصادية، والأكثر انكشافية لتأثيرات النظام الاقتصادي العالمي.

بينما حدث تزامن، ولكن في الاتجاه المضاد، منذ بدايات القرن الحادي والعشرين. فمنذ نهاية التسعينيات، تراجعت التوجهات التدخلية في المجال السياسي من قبل المؤسسات المالية الدولية، وكذلك تقلصت التوجهات الديمقراطية أو اتجهت في بعض الحالات للتراجع، والتي لا تشكل مع ذلك انتكاسا للظاهرة التي بزغت في التسعينيات.

واتجهت منظومة المعونة الدولية إلى استبدال نظام ما بعد المشروطية بنظام المشروطية، الذي يتراجع ضمنيا عن فكرة فرض التحولات من الخارج، ويطرح مفهوم الامتلاك، بحيث تتبني الدول النامية سياسات مصممة داخليا، ويتقلص في إطارها فرض شروط واضحة ذات طبيعة سياسية، كثيرا ما كانت تتعلق بتعديلات دستورية، أو إجراء انتخابات تعددية.

جوهر التحولات في إطار نظام ما بعد المشروطية أن المشروطية السياسية، على وجه الخصوص، أصبحت تمارس من جانب المؤسسات الدولية بشكل انتقائي، وهو تراجع في كثافة التطبيق، وليس في جوهر الفكرة، حيث اتجه التركيز على أدوات التأثير الناعمة، والعمل من خلال الفاعلين الداخليين. إلا أن الممارسة العملية تشير إلى أن جوهر المشروطيات وإطارها الحاكم ظل على حاله، فالتغير الأساسي حدث على مستوي “خطاب” المؤسسات المالية الدولية.

ويعد هذا التراجع انعكاسا للتغييرات التي حدثت على مستوي النسق الدولي، سياسيا واقتصاديا. فعلي المستوي السياسي، طغت حسابات الحرب على الإرهاب على دوافع دعم الديمقراطية، وعلى الصعيد الاقتصادي، فإن الأزمة الاقتصادية العالمية، عام 2008، وبروز دور قوي اقتصادية صاعدة، لعبت أدوارا مؤثرة فيما يتعلق بقواعد التصويت، وإسهامات الدول، وعمل لوبي للدول النامية داخل تلك المؤسسات، كل ذلك أثر في توجهات تلك المنظومة فيما يتعلق بالمشروطية السياسية16.

ثانيا: الحكم الراشد ـ الماهية والأبعاد

أصبح مفهوم “الحكم الراشد”، من الاهتمامات الكبرى في الخطابات السياسية خاصة في ميدان التنمية الشاملة، وذلك مع دخول عصر العولمة وظهور فواعل جديدة فوق الدول كالمنظمات الدولية والشركات المتعددة الجنسيات، التي لعبت دورا كبيرا في الانتشار الواسع لهذا المصطلح، وقد جاء استخدامه في الحقل السياسي نتيجة الفساد المتفشي في العديد من الدول على مستوى القطاعات العليا، كآلية ومفهوم جديد يضاف إلى مختلف الآليات والأطر على كافة المستويات (17).

ويرجع الاختلاف والتعدد في التعاريف حول الحكم الراشد إلى اختلاف الميادين وتباين المنطلقات الفـكرية السياسية، الاقتصادية، الاجتـــماعية. فهو في أحد التعريفات، عبارة عن منظومة أو شكل الحكم الذي يعزز ويدافع عن حقوق الإنسان، ويقوم على توسيع قدرات الشعوب والتنوّع في خياراتهم وحرياتهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ويجب أن يؤدّي إلى تحقيق مصلحة الشعوب. ويعرف البنك الدولي الحكم الراشد بأنه التقاليد والمؤسسات التي من خلالها تتم ممارسة السلطة في الدول من أجل الصالح العام، وهذا التعريف يشمل: عملية اختيار القائمين على السلطة ورصدهم واستبدالهم، وقدرة الحكومات على إدارة الموارد وتنفيذ السياسات السلمية بفاعلية، واحترام كل من المواطنين والدولة للمؤسسات التي تحكم التفاعلات الاقتصادية والاجتماعية فيما بينها”.

ووفقاً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي فإن المفهوم يعني: “ممارسة السلطة الاقتصادية والسياسية والإدارية لإدارة شؤون الدولة على كافة المستويات، ويشمل الآليات والعمليات والمؤسسات التي من خلالها يعبّر المواطنون والمجموعات عن مصالحهم ويمارسون حقوقهم القانونية ويوفون بالتزاماتهم ويقبلون الوساطة لحل خلافاتهم”.

ووفقاً لتقرير التنمية الإنسانية العربية (2002) فان الحكم الراشد: “هو الحكم الذي يعزز ويدعم ويصون رفاه الإنسان ويقوم على توسيع قدرات البشر وخياراتهم وفرصهم وحرّياتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ويسعى إلى تمثيل كافة فئات الشعب تمثيلاً كاملاً وتكون مسؤولة أمامه لضمان مصالح جميع أفراد الشعب”(18).

الملاحظ إذا من خلال هذا العرض لعدد من التعاريف للحكم الراشد، أنه بالرغم من اختلافها غير أنها تتفق ضمنيا أن الهدف النهائي والرئيسي لتطبيق الحكم الراشد هو تحقيق رفاهية واستقرار وأمن الأفراد والموطنين، لذلك يمكن أن نستخلص بأن الحكم الراشد تحديدا في سياقه السياسي هو: (هو الحكم الذي تقوم به قيادات سياسية منتخبة، وإطارات إدارية ملتزمة بتطوير أفراد المجتمع برضاهم وعبر مشاركتهم في مختلف القنوات السياسية للمساهمة في تحسين نوعية حياتهم ورفاهيتهم) (19).

ويقوم هذا الحكم على عدة أبعاد أساسية تتفاعل فيما بينها وترتبط ارتباطا وثيقاً فيما بينها، ومن ذلك:

1ـ البعد السياسي: المرتبط بطبيعة السلطة السياسية وشرعية تمثيلها، ويكمن هذا البعد في ضرورة تفعيل الديمقراطية التي تعتبر شرطاً في تجسيد الحكم الراشد، من خلال تنظيم انتخابات حرة ونزيهة مفتوحة لكل المواطنين، مع وجود سلطة مستقلة قادرة على تطبيق القانون، وهيئة برلمانية مسؤولة لها من الإمكانية ما تستطيع به ممارسة الرقابة على الجميع وفق أطر واضحة ومتعارف عليها (20).

2ـ البعد التقني: المرتبط بعمل الإدارة العامة ومدى كفاءتها.

3ـ البعد الاقتصادي والاجتماعي: والذي يتمثل في كشف أساليب اتخاذ القرار الاقتصادي للدولة والعلاقات الاقتصادية مع الدول الأخرى ذات العلاقة بتوزيع الإنتاج والسلع والخدمات على أفراد المجتمع، كما يرتبط هذا البعد بشقيه بطبيعة بنية المجتمع المدني ومدى استقلاليته عن الدولة من زاوية، وطبيعة السياسات العامة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي وتأثيرها في المواطنين من حيث الفقر ونوعية الحياة من زاوية ثانية، وكذا علاقتها مع الاقتصاديات الخارجية والمجتمعات الأخرى من زاوية ثالثة.

حيث لا يمكن تصور إدارة عامة فاعلة من دون استقلالية عن نفوذ رجال السياسة، كما أنه لا يمكن للإدارة السياسية وحدها من دون وجود إدارة عامة فاعلة من تحقيق إنجازات في السياسات العامة، ولا تستقيم السياسات الاقتصادية والاجتماعية بغياب المشاركة والمحاسبة والشفافية، لذلك فإن الحكم الراشد هو الذي يتضمن حكما راشداً يستند إلى المشاركة والمحاسبة والشفافية وفق معايير واضحة وراسخة (21).

وفي وثيقة صادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 1997، تحت عنوان: “إدارة الحكم لخدمة التنمية البشرية المستدامة، وثيقة للسياسات العامة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي”، نصت على أن “الحكم هو ممارسة السلطة الاقتصادية والسياسية والإدارية لتسيير شؤون بلد ما على كافة المستويات. ويشمل الحكم الآليات والعمليات والمؤسسات التي يقوم من خلالها المواطنون والجماعات بالتعبير عن مصالحهم، وممارسة حقوقهم القانونية، والوفاء بالتزاماتهم، وتسوية خلافاتهم.

ويتسم الحكم الرشيد بسمات عديدة، منها أن يقوم على المشاركة، وأن يتسم بالشفافية، وأن ينطوي على المساءلة. كما أنه يتسم بالفعالية والإنصاف. كذلك، فإنه يعزز سيادة القانون. ويكفل الحكم الرشيد أن توضع الأولويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية على أساس من توافق الآراء الواسع في المجتمع، كما يكفل سماع أصوات الفئات الأكثر فقرا والأكثر ضعفا في عملية صنع القرار المتعلق بتوزيع الموارد الإنمائية.

وللحكم ثلاثة أضلع: الاقتصادي والسياسي والإداري. فالحكم الاقتصادي يشمل عمليات صنع القرار التي تؤثر على الأنشطة الاقتصادية لبلد ما وعلى علاقاته بالاقتصادات الأخرى. وهو يترك بصورة واضحة آثارا رئيسية على الجوانب المتعلقة بالعدالة والفقر ونوعية الحياة. أما الحكم السياسي، فهو عملية صنع القرار من أجل صياغة السياسات، في حين أن الحكم الإداري هو نظام تنفيذ السياسات. والحكم الرشيد الذي يضم الأضلع الثلاثة يحدد العمليات والهياكل التي توجه العلاقات السياسية والاجتماعية ـ الاقتصادية. والحكم يشمل الدولة، غير أنه يتجاوزها ليضم القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني. وتعريف الدولة لا يزال موضع جدل واسع. وتعرف الدولة هنا على أنها تشمل المؤسسات السياسية ومؤسسات القطاع العام”.

وحول سمات هذا الحكم نصت الوثيقة على السمات التالية:

(1) المشاركة: يجب أن، يكون لكل الرجال والنساء صوت في عملية صنع القرار، سواء بصورة مباشرة أو من خلال مؤسسات وسيطة شرعية تمثل مصالحهم. وتسند هذه المشاركة الواسعة على حرية تكوين الجمعيات وحرية التعبير، كما تعتمد على تنمية القدرات على المشاركة البناءة.

(2) سيادة القانون: يجب أن تتسم الأطر القانونية بالعدالة، ولا بد من توخي الحياد في إنفاذها، وبخاصة القوانين المتعلقة بحقوق الإنسان.

(3) الشفافية: تتأسس الشفافية على حرية تدفق المعلومات. فالعمليات والمؤسسات والمعلومات يجب أن تكون متاحة بصورة مباشرة لأولئك المهتمين بها، ويجب توفير المعلومات الكافية لفهم تلك العمليات والمؤسسات ورصدها.

(4) الاستجابة: يجب أن تسعى المؤسسات وتوجه العمليات إلى خدمة جميع أصحاب المصلحة.

(5) التوجيه نحو بناء توافق الآراء: يتوسط الحكم الرشيد المصالح المختلفة للوصول إلى توافق واسع للآراء بشأن ما يحقق مصلحة المجموع كأفضل ما يكون، وبشأن السياسات والإجراءات حيثما يكون ذلك ممكنا.

(6) الإنصاف: يجب أن تتاح لجميع الرجال والنساء الفرصة لتحسين رفاههم أو الحفاظ عليه.

(7) الفاعلية والكفاءة: ينبغي أن تسفر العمليات والمؤسسات عن نتائج تلبي الاحتياجات مع تحقيق أفضل استخدام للموارد.

(8) المساءلة: يجب أن يكون صناع القرار في الحكومة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني مسؤولين أمام الجمهور العام، وأمام أصحاب المصلحة المؤسسية. وتختلف هذه المساءلة حسب كل منظمة، وحسب ما إذا كان القرار داخليا أم خارجيا بالنسبة للمنظمة.

(9) الرؤية الاستراتيجية: يجب أن يمتلك القادة والجمهور العام منظورا عريضا وطويل الأجل فيما يتعلق بالحكم الرشيد والتنمية البشرية المستدامة، مع الإحساس بما هو مطلوب لهذه التنمية. كما ينبغي أن يكون هناك فهم للتعقيدات التاريخية والثقافية والاجتماعية التي يتشكل وسطها ذلك المنظور.

وأكدت الوثيقة على أن هذه السمات تترابط ويعزز بعضها البعض، بحيث لا يمكن أن يوجد أي منها بمفرده. فإمكانية الحصول على المعلومات مثلا، تعني مزيدا من الشفافية، ومزيدا من المشاركة، ومزيدا من فاعلية صنع القرار. كما أن اتساع نطاق المشاركة يسهم في كل من تبادل المعلومات اللازمة لفاعلية صنع القرار وفي شرعية تلك القرارات. والشرعية بدورها تعني فاعلية التنفيذ، وتشجع على المزيد من المشاركة. كذلك، فإن استجابة المؤسسات تعني أنها لا بد وأن تتسم بالشفافية، وأن تلتزم في عملها بسيادة القانون إذا ما أرادت أن تكون منصفة.

كما أكدت على أن هذه السمات الأساسية تمثل الحالة النموذجية، وهي لم تجتمع كلها في أي مجتمع بعينه. ولكن رغم ذلك، ينبغي على المجتمعات أن تهدف، من خلال عملية واسعة القاعدة لبناء توافق الآراء، إلى تحديد أي من هذه السمات الأساسية هي الأكثر أهمية لها، وما هو التوازن الأمثل بين الدولة والسوق، وكيف يمكن لكل تشكيلة اجتماعية ـ ثقافية واقتصادية أن تنتقل من وضع إلى آخر.

ثالثاً: جدلية العلاقة بين سياسات المشروطية والحكم الراشد

لقد كان التوجه نحو فرض المشروطية السياسية انعكاسا لتغيرات نسقية عقب الحرب الباردة، من قبيل تراجع دور حسابات الجغرافيا السياسية، وإعلاء قيم الليبرالية الاقتصادية والسياسية. وقد ترجمت منظومة المعونة تلك التغيرات على مستوي سياستها، من خلال برامج محددة اصطبغت بمفاهيم التنمية والحكم الرشيد الخاصة بالبنك وصندوق النقد الدوليين، ومشفوعة بآليات تنفيذية معينة، وعلاقات بالنخب، خاصة الاقتصادية، داخل الدول المتلقية للمعونة.

وقد شهد عقد التسعينيات من القرن العشرين، الصعود المتزامن للمشروطية السياسية التي طبقتها المؤسسات المالية الدولية، في ظل برامج الحكم الرشيد، والاتجاه إلي تبني التعددية السياسية والحزبية في العديد من الدول النامية شديدة الاعتماد على المعونة، والتي كانت في جوهرها تربط بين المساعدات الاقتصادية، وتطبيق الدول لخطة إصلاح اقتصادي تمزج بين سياسات التحرير الاقتصادي، والحد الأدنى من قواعد الحكم الديمقراطي، خاصة في بعده الإجرائي، المتمثل في السماح بالتعددية الحزبية، وإجراء انتخابات تعددية حرة22.

ولا يمكن فهم هذا التصاعد لقيمة الديمقراطية في ممارسات منظومة المعونة الدولية سوي في ضوء قيم القوي المهيمنة في إطارها. فبناء القوة بداخل تلك المؤسسات منذ نشأتها سمح للقوي الكبرى بلعب أدوار مؤثرة، وبتوجيه سياساتها. فقد كان للولايات المتحدة الأمريكية دور كبير في تأسيس هاتين المؤسستين، وتحديد نطاق عملهما، ومن ثم أصبح لها نسب حاكمة في عملية اتخاذ القرارات في المؤسستين، بحيث عكس نظام الحصص وآلية اتخاذ القرار هذا الوضع المهيمن للولايات المتحدة، التي استحوذت على نحو 30% من الأصوات، بما يعطيها ما يشبه الفيتو في مجلس الأمن على صعيد القرارات الاقتصادية.

ويتفاوت تأثير نظام المشروطية الدولية من دولة لأخري، وفي الدولة نفسها من وقت لآخر، وفقا للموقف التفاوضي للدولة أو رأسمالها التفاوضي، والذي يعتمد بدوره على تفاعل عدة عوامل، منها: الوضع الاقتصادي للدولة، ومدي احتياجها للمعونة، والمكانة الاستراتيجية للدولة، والتي تتناسب عكسيا مع قدرة العوامل الخارجية على التأثير. كذلك، يدخل في الحسبان سمعة النظام الحاكم، ومدي الشرعية الداخلية التي يتمتع بها23.

وتمارس منظومة المشروطية الدولية تأثيرها من خلال قناتين رئيسيتين، هما:

الأولي: القيم أو المعايير أو الأفكار السائدة. فالآلة البيروقراطية العملاقة للمؤسسات المالية الدولية، وعلاقتها المباشرة بالنخب الاقتصادية في النظم المختلفة، فضلا عن دورها في إنتاج “المعرفة” أو المعلومات التي تأخذ طابع “العلم”، وما يدخل في تعريف “الرشادة” في السياسات من عدمها، كل ذلك يمارس نوعا من التأثير غير المادي أو المحسوس على سلوك الدول، وذلك من خلال عدة أشكال من التأثير، منها التأثير التعاقدي، والإجرائي، والقسري، والتأسيسي.

وقد قدم مفهوم “الحكم الرشيد” مظلة فكرية، وحزمة من السياسات والبرامج، لعبت المؤسسات الدولية المانحة أحيانا من خلالها أدوارا سياسية مباشرة، رغم أن تعريف المفهوم والإجراءات المرتبطة به قد تباين على مدي الفترات الزمنية المختلفة. ويعكس واقع الممارسة تداخل الحسابات والعوامل السياسية بشكل كبير مع العوامل الاقتصادية أو الفنية في توجيه قرارات المؤسسات المالية الدولية، في منح أو تعليق المساعدات الاقتصادية، بحيث عكست نوعا من التدخل السياسي ذي المنحى، والأدوات الاقتصادية أو التنموية.

الثانية: التأثير المادي المباشر، المتمثل في القدرة على المنح والمنع، أو هيكل الحوافز والعقوبات، سواء التي تقدمها المؤسسات المانحة مباشرة، أو التي تحفز الغير على تقديمها، في حالة تعبيرها عن “الرضاء” عن السياسات الاقتصادية والسياسية، والأوضاع العامة في الدول المتلقية للمعونة.

ومن ثم، يتمتع نظام المشروطية الدولية بالتأثير، بشكل مباشر، من خلال التأثير المادي في عملية صنع القرار، من خلال سلطة المنح والمنع، فضلا عن التأثيرات غير المباشرة، من خلال إسباغ الشرعية على أفكار وسياسات وممارسات بعينها.

وقد تصاعد منحني استخدام المشروطية السياسية من قبل المؤسسات المالية الدولية، خلال عقد التسعينيات على وجه الخصوص، حيث طبقت في هذه الأثناء أشكال متفاوتة من الضغوط على الدول متلقية للمعونة، من قبيل الشروط المرتبطة بالقروض، فضلا عن الميل إلى الوقف المتكرر، أو قطع وتجميد برامج المعونة لحسابات سياسية. ومن ثم، فقد كان الحصول على معونات تنموية في تلك الفترة مرهونا في العديد من الحالات بالالتزام بعدد من القواعد والسياسات ذات المضمون السياسي، والتي تدفع في سبيل الإصلاح المؤسسي، ومعايير محددة للإصلاح الاقتصادي والسياسي. إلا أن التشدد في المشروطيات، بشكليها السياسي والاقتصادي، كان أكثر بروزا تجاه الدول الأكثر فقرا، أو أكثر احتياجا للمعونات24 .

كما أن الديون الثنائية كانت تقدم بطريقة عشوائية ودون تنسيق من الدائنين ولا مع الهيئات داخل الدول الدائنة، وتم التركيز على الاهتمام بالقضايا السياسية والمحلية في منح هذه القروض، دون الاهتمام بقدرة الدول على خدمة هذه المديونية.

وأدت المنافسة بين الدائنين والاعتبارات الخاصة بالحصول على حصص أعلى من سوق القروض السيادية إلى طرح إشكالية استدامة المديونية والمقدرة على الدفع وخدمة الديون. ولم يتم التنسيق بين البنوك حول مستويات المخاطر التي تواجهها الدول النامية ومستويات مديونيتها ومدى استدامتها. ونتيجة لذلك، فقد تفاقمت مديونية الدول النامية (25).

وقد تراجعت التدفقات المالية وتدهورت مقدرة الدول على خدمة مديونيتها، الأمر الذي تطلب تدخل الدائنين من خلال نادى باريس ونادى لندن لإعادة جدولتها. وصاحب هذا الاتجاه انخفاض المساعدات الرسمية وتركيز المانحين على الدول الفقيرة وظهور التدفقات الخاصة بشكل ملحوظ.

كما أدى انهيار أسعار السلع الأولية، إلى خلق مصاعب في خدمة المديونية، مما دفع بمجموعة الـ 77 إلى المطالبة بإلغاء هذه الديون، كذلك أدى ارتفاع أسعار النفط وانهيار نظام سعر الصرف المثبت إلى تفاقم مديونية الدول النامية، مما حتم إعادة جدولتها مرة أخرى.

وأمام هذه الانهيارات تعاظم دور صندوق النقد الدولى في المفاوضات الرسمية الخاصة بإعادة جدولة الديون عند تقييم مقدرة الدول على خدمة المديونية واشتراط الدائنين من الدول المدينة أن تكون لها مع الصندوق برامج تصحيح هيكلى، والقيام بجملة من الإجراءات والسياسات التي تعيد التوازن لميزان المدفوعات. ونتيجة لارتفاع المساعدات والمنح، انعكس هذا الاتجاه سلباً على التنمية، حيث تم استخدام الموارد من المساعدات للوفاء بخدمة المديونية على حساب التنمية (26).

ويوجد اتجاهان حول أسباب عدم فاعلية المساعدات وضعف علاقتها بالتنمية في الدول المستفيدة:

الاتجاه الأول: يرى أن المساعدات تكون فعالة عندما تكون سياسات الحكومة جيدة وفعالة، وبالتالى فإن اختيار المساعدات للدول ذات السياسات الجيدة ومستويات الفقر المرتفعة ستؤدى إلى خفض لمستويات الفقر.

الاتجاه الثانى: يرى أن فعالية المساعدات غير مرتبطة بفاعلية السياسات الداخلية فقط، وإنما تحددها أيضاً عوامل أخرى خاصة تلك المرتبطة بسياسات توجيه واختيار المساعدات.

ويستند أنصار هذا الاتجاه إلى دراسات وبحوث ومؤشرات المؤسسات الدولية مثل البنك الدولى، والتى ترى أن للسياسات التجميعية وجودة المؤسسات دور هام في رفع فعالية المؤسسات، ولذلك توصى بتوزيع أكثر للمساعدات نحو الدول ذات السياسات الجيدة. وقد استخدمت دراسات البنك الدولى مقياس “تقييم سياسات ومؤسسات الدول” لترتيب الدول حسب جودة السياسات فيها. واستنتجت أن تخصيص المساعدات حسب الارتباط في ما بينها وسيسمح مؤشر السياسات بزيادة عدد الأفراد الذين يتخلصون من الفقر. كما أن توجيه المساعدات نحو الدول ذات السياسات الجيدة سيضاعف عدد الأفراد الذين يتخلصون من دائرة الفقر.

كما ترى دراسات البنك الدولى أن توجيه المساعدات نحو الدول ذات السياسات الجيدة من شأنه أن يضاعف عدد الأفراد الذين يتخلصون من الفقر. ويتطلب مضاعفة المساعدات بثلاثة مرات على نفس تركيبة التخصيص. كما أشارت إلى احتمال ضعف العلاقة بين النمو والمساعدات. وذلك لقلة استهدافها للدول الفقيرة ذات السياسات الجيدة (27 ).

وتثار العديد من المحاذير بخصوص تأثير النظام الاقتصادي العالمي وسياسات المشروطية وما لهذه السياسات، فإن هناك العديد من التداعيات السلبية التي يمكن أن تترتب عليها:

1ـ لا تعمل تلك المنظومة تلقائيا أو القوي الفاعلة في إطارها على دعم التحولات الديمقراطية، انطلاقا من اعتبارات قيمية أو معيارية تتعلق بمبادئ الديمقراطية في حد ذاتها، وإنما رغبة في تأمين مصالحها الاستراتيجية. ومن ثم، فقد يكون النظام الاقتصادي العالمي، وفي القلب منه منظومة المعونة، محايدا إزاء مسألة الديمقراطية، أو حتى معوقا لها، في حالة التعارض مع مصالح أخري جوهرية، سواء من وجهة نظر القلب المؤسسي لتلك المنظومة، أو القوي الكبرى الفاعلة في إطارها.

2ـ إن نوع الديمقراطية التي قد يلعب العامل الخارجي، وبخاصة النظام الاقتصادي العالمي، دورا في تحفيزها أو دعمها، هي في الأغلب ذات طابع إجرائي، متمثلة في إجراء انتخابات تعددية بشكل دوري ونزيه، كما ترتبط بشكل وثيق بالنظام الاقتصادي الرأسمالي، أي هي ديمقراطية اقتصاد السوق.

3ـ إن تأثير العامل الاقتصادي الخارجي أكثر وضوحا في تفكيك النظم السلطوية، أو دعم الزخم باتجاه إطلاق عملية انفتاح سياسي، عنه في المراحل اللاحقة من التحول، والتي تعد أكثر تعقيدا، وتقل قدرة وإمكانات التأثير إزاءها.

4ـ إن النظام الاقتصادي العالمي دأب على الضغط من أجل الدفع في سبيل الانفتاح السياسي، من خلال آليات قسرية، مثل قطع أو تعليق المعونات، أكثر من حرصه على “مكافأة” التحولات الديمقراطية بمنح تدعم استمرارية التحول، وهي الحالة التي اقتصرت تقريبا على دعم التحول في شرق أوروبا.

5ـ أن الدور الخارجي بوجه عام، وآلية المعونة بوجه خاص، قد يكونان معوقين للتحول الديمقراطي من خلال الحديث عن “لعنة المعونة”، حيث إنها تقدم موارد ريعية، قد تقلل الحافز للإصلاح، أو توظف سياسيا لتعزيز الولاء للنظم القائمة، أو إفساد المعارضة، خاصة في حالات الدول التي تتمتع بأهمية استراتيجية، أو تقدم نظمها “خدمات”، أو ترتبط بتحالفات مع القوي الفاعلة في النظام 28.

6ـ إن تخصيص الموارد لبناء المؤسسات لا يعنى بالضرورة أن هذه المؤسسات سوف تبنى فعلاً، أما المشكلة الأخرى فتتعلق بالتصميم المؤسسى، فعادة ما ينحاز المانحون، حيث يودون تنفيذ تصاميم مؤسساتهم وفقاً لما هو قائم في بلدانهم وهذا قد لا يكون بالضرورة ملائماً في الدول النامية.

7ـ تساهم المساعدة الأجنبية في نقل المعرفة، إلا أن هناك بعض الشك إزاء وجود ما يكفي من المعرفة لدى المانحين لينقلوها إلى غيرهم، كما أن بعض المؤسسات المالية الدولية، تصبح في بعض الأحيان رهينة للحكومة المستفيدة، وعندها يجب أن يتم السير في تنفيذ البرنامج بغض النظر عما إذا كان قد تم بالفعل نقل جزء من المعرفة أم لا.

8ـ إن المساعدات يمكن أن تحفز الحكومة لتنفيذ الإصلاح وبناء المؤسسات، من خلال ربط المساعدات ببناء وتطوير المؤسسات والسياسات العامة، إلا أنه من الممكن أن تكون هذه المشروطية سياسية، ولا علاقة لها من قريب أو بعيد بالإصلاح أو بناء المؤسسات ( 29).

9ـ لا توجد علاقة بين المساعدة والنمو، فمقولة أن المساعدة الأجنبية سوف تؤدى إلى النمو من خلال الاستثمار، أو من خلال الإنفاق بموجب بنود الموازنة عن طريق خفض العبء الضريبى لم تثبت صحتها على أرض الواقع (30 )، إلا أن زيادة المساعدة الأجنبية لا تؤدى قطعاً إلى زيادة الاستثمار، أو رفع مؤشر التنمية البشرية، بمعنى أنها لا تضخ أي استثمارات في رأس المال البشرى، لكنها تؤدى بالتأكيد إلى زيادة حجم الحكومة، وهذا يعنى المزيد من الاستهلاك الحكومى، والمزيد من النفقات الحكومية.

10ـ أن السبيل الرئيس للنمو يمر عبر السياسات الاقتصادية الرشيدة، وليس بالضرورة أن تكون زيادة المساعدة أفضل لتحقيق النمو، فبعد مستوى معين من المساعدة، يمكن ألا يرتفع معدل النمو بسرعة، وربما ينحدر إلى أسفل في النهاية، فالمساعدة الأجنبية هى مساعدة للحكومة، مما يعنى زيادة سيطرة الدولة والتدخل الحكومي فالمزيد من المساعدة يعنى المزيد من التدخل، وهذا يضر بالنمو ويضر بالفاعلية (31 ).

11ـ كلما زاد عدد المانحين، وارتفع مستوى المساعدة، كلما انخفضت القدرة الإدارية أو الاستيعابية للبلد المستفيد من المساعدة، كما يبرز الاختلال في سوق العمل، لأنه يتعين على المانحين تنظيم عملياتهم في البلد المستفيد، فيذهبون إلى سوق العمل لتوظيف الأشخاص، ويدفعون أجوراً عالية لا تتناسب والأجور التي يتقاضاها العمل المحليون، هذا بجانب تسرب أو هجرة العقول (32 ).

12ـ تؤدى المساعدات إلى ازدياد اقتصاد الريوع، حيث تكون المساءلة بعيدة عن الدولة، وهناك المزيد من الأموال المتوافرة، ولا يوجد حافز لحماية حقوق الملكية، كما تؤدي إلى إعادة تخصيص الموارد بعيداً عن القطاع الخاص والمؤسسات المحلية، فلا يتوفر ما يكفي من الأموال لتطوير معايير جديدة وإنفاذ هذه المعايير.

13ـ الفساد: حيث يريد الفقراء الاعتماد على المساعدة بشكل دائم، بدلاً من السعى للحصول على عمل، فالبلد المستفيد من المساعدة يجد في هذه المساعدة حافزاً قوياً لعدم تحسين أى شيء، ذلك أنه إذا تحسن الوضع، فلن تكون هناك مساعدة، وأنه من الأفضل أن يبقى ساكنا، للحصول على المزيد من المساعدة (33 ).

14ـ شكلت أهداف الألفية للتنمية، تحولاً جذرياً في منهجية معالجة مشاكل الحكم الرشيد، في ظل تراجع أهداف النمو والمساعدات، وتباين توزيع منافع النمو عبر الدول وما بين مختلف الشرائح داخل البلد الواحد، مما يستدعى إعادة صياغة هيكل المساعدات والتمويل الخارجي لتحقيق أهداف الألفية للتنمية، كما أنه بالرغم من ارتفاع المساعدات، إلا أن هيكلها يدل على قلة مساهمتها في موارد موازنات الدول الفقيرة، مما يقلل من جهودها في تحقيق أهداف الألفية للتنمية. كما أن المساعدات يجب أن يتغير توزيعها جغرافياً لكي تذهب للدول الفقيرة والدول الأقل نمواً.

15ـ أن مشروطية المساعدات تعتبر مصدراً لتذبذبها، حيث تنقطع المساعدات في حال عدم استيفاء جملة من الشروط المربوطة بمنح المساعدات، خاصة في ظل برامج صندوق النقد الدولي، فإتباع “مؤشرات أداء” لتقييم المساعدات يعتبر أداة غير فعالة في حال غياب تبنى الدول المستقبلية للسياسات التي تقترحها الدول المانحة، وبالتالي فإنها قد تكون سبباً في عدم فعالية المساعدات في تحقيق الأهداف التي تتطلع إليها الدول المانحة. وقد أدى وعى الدول المانحة بالآثار السلبية للمشروطية على التنمية إلى تخلى بعض الدول عن بعض الشروط غير المتفق على أثرها الإيجابي للتنمية، مثل الخصخصة وتحرير التجارة، مع بقاء المشروطية للتأكد من أن معظم الأموال تستخدم في أغراض المشاريع التنموية (34 ).

خلاصة:

لقد تحولت سياسات المشروطية الدولية إلى نظام متعدد الأبعاد، يشتمل على أفكار تتعلق بالتنمية وتشكل محور العلاقات بين الدول، خاصة مع ارتباط الخيارات الأيديولوجية والسياسية بالالتزام بهذه السياسات. ولم تساهم هذه السياسات في إضعاف السيادات الوطنية فحسب، بل ساهمت أيضاً في نزع الشرعية عن الدول وعن السلطات العامة. وهذا ما يتضح من طريقة إدارتها وتنفيذها. فالدول المانحة تفضل التعامل مع شركات خاصة أو منظمات غير حكومية أو مع هياكل شبه رسمية بحسب الواقع على الأرض، وهذا الموقف يخرج الدول من دائرة العمل، ويمنع أي رقابة ديمقراطية. والسلطات المحلية تقدم الحساب أمام الدول المانحة أكثر منها أمام مواطنيها. وفي النهاية فان الدولة والسياسة العامة يتم تفريغهما من مضمونهما.

ومن ناحية ثانية، يمكن القول إن فعالية سياسات المشروطية ترتبط بكثير من القضايا الرئيسة، بدءاً من التعويل على تدفقات المساعدات إلى استخدام النظم القطرية وإدارة النتائج من أجل التنمية. وحين تواجه الحكومات المختلفة أوضاعا مالية يشوبها الغموض والفساد، يكون من المهم تحويل المساعدات إلى وسائل إنتاج ونتائج مستدامة كخطوة على طريق تحقيق الحكم الراشد (35 ).

——————————————

الهامش

(1) اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي، 1/2/2000 www.icrc.org .

(2) جاك ج. بولاك، البنك الدولي وصندوق النقد الدولي علاقة متغيرة، القاهرة، الدار العربية للاستثمارات الثقافية، الطبعة الأولى 1999، ص 27ـ28.

(3) د. يوسف عبد العزيز محمود، برامج التكييف الاقتصادي وفقاً للمنظمات الدولية وآثارها على الدول النامية، مجلة جامعة تشرين للدراسات والبحوث العلمية، سلسلة العلوم الاقتصادية والقانونية المجلد (27) العدد 2، صيف 2005.

(4) راوية توفيق، القوى الكبرى والمشروطية السياسية في إفريقيا، سلسلة دراسات مصرية أفريقية، (جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، برنامج الدراسات المصرية الأفريقية، عدد 6، مارس 2002م).

(5 ) Olav Stokke, “Aid and Political Conditionality: Core Issues and State of art”, in: Olav Stokke,(ed.), Aid and Political Conditionality, (London: Frank Cass, 1995), p. 12.

( 6 ) محمد نور السيد، “المؤسسات الدولية وديون العالم الثالث”، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عدد 86، أكتوبر1986، ص 185.

(7 ) Werner Hammel, The political Dimension of Aid: developing countries must shoulder responsibility”. http://www.oneworld.org/euforrc/dandc/97-e ham.htm.

( 8 ) يؤكد ميثاق البنك الدولي أن البنك يجب عليه عدم التدخل في الشؤون السياسية لأعضائه، ويجب ألاَّ يتأثر بالاعتبارات السياسية في قراراته؛ فلا يتم الاستناد إلا إلى الاعتبارات الاقتصادية، ورغم ذلك فإن تقرير البنك الدولي الصادر عام 1992م، أكد أنه على الرغم من أن البنك لا يستطيع أن يلعب دوراً مباشراً في تصميم برامج المشروطية السياسية إلا انه ما زال يمثل قناة رئيسية لتطبيقها، بل إن رئيس البنك الدولي، روبرت زوليك، طالب في سبتمبر 2010، بإضفاء الطابع الديمقراطي على اقتصاديات التنمية.

( 9) Samuel Decalo “the process, Prospects and constraints of Democratization in Africa “, African Affairs, vol. 91, No .362, January 1992 ,p.23.

( 10) Shahana S. ahmed, “Globalization: Towards a Liberalized or a Re-colonized world?”, African Political and Economic Monthly, Vol.13, No.1, March 2000, p.44.

(11 ) Nicolas Van Dewalle, “Globalization and African Democracy”, In: Richard Joseph, state, conflict and democracy in African, (London: Lynne Rienner publishers, 1999), p.108

( 12) http://www.brad.ac.uk/research/ijas/estudos.htm.

( 13) Frank Holmquist, Michael ford “, Kenyan politics : Toward a second transition”, Africa today, Vol., 54, No., 2, April- June 1998, p.246

( 14 ) راوية توفيق، مصدر سابق

( 15 ) تم الاعتماد في هذا الجزء مع تصرف بسيط على ورقة: د. هناء عبيد، ما بعد المشروطية: تأثير النظام الاقتصادي العالمي في مراحل التحول الديمقراطي، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، مؤسسة الأهرام، عدد يناير 2013.

(16) د. هناء عبيد، ما بعد المشروطية: تأثير النظام الاقتصادي العالمي في مراحل التحول الديمقراطي، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، مؤسسة الأهرام، عدد يناير 2013

(17) عبد الحميد الزيات، التنمية السياسية، ج 2، دار المعرفة الجامعية، القاهرة، ص 158.

(18) عمراني كربوسة،”الحكم الراشد ومستقبل التنمية المستدامة في الجزائر”، نقلا عن موقع: http://www.univ-chlef.dz/seminaires/seminaires_2008/dicembre_2008/com_dic_2008_27.pdf

(19) حسن كريم ، مفهوم الحكم الصالح ، في كتاب إسماعيل الشطي(وآخرون)، الفساد والحكم الصالح في البلاد العربية، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت، 2004، ص97 .

(20 ) James ROSENAU, Globalization and governance. Governance. Blesk for suslsbution, in site: http://www.fes.sle/apg/online.2003/ ARTRO.senau.PDF

( 21 ) هذه المؤشرات تعتبر بمثابة معايير لقياس الحكم الراشد داخل الدولة، وقد وضع البنك الـدولي 22 مؤشرا لاختيار وتحقيق الحكم الراشد، 12 منها يخص المساءلة و10 يخص جودة الإدارة، ويتم ترتيب الدول بحسب موقعها من هذه المقاييس على سلم حسب عدد الدول، وبحسب معدل صلاح الحكم الراشد، وتتراوح علامة الدولة من الصفر إلى 100 حسب درجة صلاح الحكم. ومؤشر المساءلة يخص أربعة مجالات: (درجة انفتاح المؤسسات السياسية، درجة المشاركة السياسية ونوعيتها، درجة الشفافية ومدى تمتع الحكومة بالشرعية، درجة المساءلة السياسية والتي تضم الحقوق السياسية وحريات الأفراد)، أما بالنسبة لمؤشر جودة الإدارة: فيشمل (درجة الفساد، نوعية الإدارة، حقوق الملكية، احترام وتطبيق القانون، الإدارة المالية)، أنظر: بشير مصطفى، الأداء المتميز للحكومات من خلال الحـكم الصالح والإدارة الراشدة. وكذلك: د. عمراني كربوسة، “الحكم الراشد ومستقبل التنمية المستدامة في الجزائر”، مرجع سبق ذكره.

( 22 ) تم الاعتماد في هذا الجزء مع تصرف بسيط على ورقة: د. هناء عبيد، ما بعد المشروطية: تأثير النظام الاقتصادي العالمي في مراحل التحول الديمقراطي، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، مؤسسة الأهرام، عدد يناير 2013.

(23) Alastair Fraser and Lindsay Whitefield, The Politics of Aid: African Strategies for Negotiating with Donors, GEG Working Paper no. 24, (July 8002), pp.7-8

( 24 ) تم الاعتماد في هذا الجزء مع تصرف بسيط على ورقة: د. هناء عبيد، ما بعد المشروطية: تأثير النظام الاقتصادي العالمي في مراحل التحول الديمقراطي، مصدر سابق

( 25 ) بلغت مديونية الدول النامية، عام 2007 أكثر من 3.3 تريليون دولار أغلبها (2.5 تريليون دولار) ديون طويلة الآجل منها 1.2 تريليون دولار ديون خاصة غير مضمونة، وفى نفس العام، حصلت الدول النامية على 651 مليار دولار في شكل ديون جديدة، بينما قامت بدفع أصل الدين السابق بمقدار 372 مليار دولار وما يعادل 150 مليار دولار خدمة مديونية في شكل فوائد وهكذا بلغ صافى تحويلات المديونية 244 مليار دولار يضاف إليها حوالى 470 مليار دولار صافى تحويلات الاستثمار الأجنبى المباشر و145 في شكل استثمارات مالية وكذلك 57 مليار دولار هبات ومساعدات وكذلك 18 مليار دولار كمساعدات التعاون الفنى. وهكذا تكون الدول النامية قد حصلت على 819 مليار دولار صافى تحويلات مالية، بالإضافة إلى 239 مليار دولار تحويلات العاملين، وفي الوقت نفسه ارتفعت صادرات الدول النامية إلى 4.5 تريليون دولار، وارتفع الاحتياطى من العملات الأجنبية إلى 2.7 تريليون دولار.

( 26 ) د. بلقاسم العباس، مصدر سابق، ص 4ـ6.

( 27 ) د. بلقاسم العباس، مصدر سابق، ص 10ـ11.

(28) Simeon Djankov, Jose G. Montalvo and Marta Reynal-Querol, The Curse of Aid, Washington D.C.: The World Bank and CEPR, 5002), pp.4-5

( 29 ) د. بوريس بيجوفيتش، هل تؤدى المساعدة الأجنبية الغرض منها؟ مركز المشروعات الدولية الخاصة (Center For International Private Enterprise )، الموقع (www.cipe.org ).

(30 ) Boone, Peter D., Politics and the Effectiveness of Foreign Aid, NBER Working Paper Series, Vol. w5308, (October 1995).

(31 ) Burnside, Craig, Dollar, David, (2000)Aid, Policies, and Growth, The American Economic Review (AER), 90(4), 847 – 68.

(32 ) Knack, Stephen and Aminur Rahman (2007), ‘Donor Fragmentation and Bureaucratic Quality in Aid Recipients’, Journal of Development Economics, No. 83, pp. 176-197.

(33 ) د. بوريس بيجوفيتش، مصدر سابق.

( 34 ) د. بلقاسم العباس، مصدر سابق، ص 9ـ10.

( 35 ) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”، وهذه الدراسة قدمها الباحث ضمن أعمال المؤتمر الثالث لمنتدى كوالا لمبور حول: “الحكم الراشد وأثره في تحقيق النهوض الحضاري”، السودان (الخرطوم)، 17-18-19 نوفمبر 2016
المصدر/ المعهد المصري للدراسات

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة