ما يجري في مصر هذه الأيام يمكن إيجازه في المعادلة الآتية: إستقطاب + احتقان+ احتكاك = عنف ، أو هو مخرجات طبيعية لحكومة وصفت بأنها لاتمتلك خبرة ، ومعارضة بلا رؤية، وعقلاء بلا قوة ، كل هذا أدى لحدوث فوضى عارمة فأضحت أم الدنيا على كف عفريت.
ولغرض تحليل المشهد السياسي المصري ينبغي العودة الى المخاضات التي سبقت عقدة (الإعلان الدستوري) ومارافقها، فبعد 84 عاما قضاها الإخوان المسلمون في كرب ومعاناة دائمين ، حين كانوا مستهدفين من السلطات المتعاقبة لأنهم رأس الحربة في الصراع الدامي ضد النظم الإستبدادية على إختلاف أرديتها السياسية مما أنتج إلتفافا شعبيا حولهم كجزء من رأسمالهم الإجتماعي الذي تراكم خلال العقود الماضية.
جاءت ثورة 25 يناير فكشفت المستور وأخرجت صديد الإستبداد الى السطح ، إذ إستلم الإخوان وممثلهم الرئاسي مرسي بلدا بلا مؤسسات وثورة لم تكتمل وميزانية خاوية وظلم مسخ الشخصية المصرية على إختلاف التوجهات السياسية في مثل هذا المناخ السياسي العاصف دخل الإخوان كابينة قيادة الإدارة الحكومية بعد الفوز بالإنتخابات الرئاسية وهم بلا خبرة سابقة ، فضلا عن نشوتهم بالنصر الإنتخابي الذي حققوه يرافقه توجس خصومهم من إنفرادهم بالحكم وخشية من وأد المشروع الديمقراطي المأمول.
قاموس سياسي بدائي وكفاءة سياسية متدنية ، لدى جماعة غاب عنهم أن إظهار التدين ليس رخصة كفاءة في عالم السياسة ، وسط مجتمع يموج بالتناقضات يعاني أزمة إقتصادية مزمنة ، لم تتح لهم فرصة لمراجعة آراؤهم السياسية ومنظومتهم الفكرية ، فأصيبوا بعد الثمانيين بتصلب الشرايين، مما إنعكس سلبا على تعاملهم مع شركائهم في التنافس الديمقراطي، في الأشهرالماضية إرتكب الإخوان أخطاء قاتلة استثمرها خصومهم ونفخوا فيها إلى أن منح مرسي خصومه ماكانوا ينتظرونه كتحصين قراراته والإعلان الدستوري ليلتهب المشهد السياسي ويصل الحريق للجميع ، سبقها مجموعة من الإخفاقات التي تستدعي المراجعة والتصحيح منها :
– غلبوا الديني على المدني ، وتعد خطب مرسي كنموذج واضح لهذا التغليب .
– لم يستطيعوا الخروج من أطر الجماعة الضيقة الى ماتتطلبه إدارة الدولة من إنفتاح على كل الشرائح.
– لم يتطور إعلامهم (الجماعة) وبقي كما هو يخاطب التنظيم والشارع والخصوم ، ولم يراع المتغيرات.
– غرتهم الشرعية الإنتخابية ونسوا شرعية الأداء ، إذ الناخب لايعط شيكا على بياض بل يبقى يراقب الأداء.
– غياب الثقافة الدستورية عندهم وعند غيرهم أثر سلبا على صياغة الدستور المزمع التصويت عليه.
– لم يحسنوا الإستفادة من النموذج التركي في الفكر والأداء مع ملاحظة إختلاف البيئة والتراكمات.
– لم يُطمئنوا خصومهم أو يستوعبوهم .
– لم يستطيعوا فك التداخل والتشابك بين الدعوي والسياسي.
– غلبوا المليونات على المؤسسات استقواء بالقوة العددية والقدرة على الحشد ولي الأذرع كما غلبوا الميدان على البرلمان والجماعة على الرئاسة.
الإخوان بأمس الحاجة الى الأخذ بحزمة أدوات من أجل النجاح في الإمتحان الديمقراطي منها:
– تصميم موقف معتدل يمتص صدمة الشقاق وتفليس المزايدين، وتقريب عقلاء الشعب وقياداته التي تحرص على ألفته، لأن التراجع سيئ والتصلب أسوأ، والمطلوب براعة مع الموالين واحتواء للخصوم وليس التوكيد على الفوارق.
– سعة الصدر وتحويل الصراع الى حوار للوصول الى صيغ توافقية يقبلها الجميع ولاسيما الدستور الذي لاينبغي أن يكون برنامجا حزبيا بل يجب أن يكون محل إجماع وطني .
– مغادرة منطق الأغلبية والأقلية وإستعراض العضلات لأنها لن تبني وطنا ومستقبلا أفضل.
– إعادة تأهيل الأفراد والجماعات ، إذ لايمكن أن ننجح في إمتحان الديمقراطية دون أن نتغير.
– الإنتصار في الإنتخابات لايعني تفويضا بفرض الزي الموحد، والمعارض ليس خائنا أو جاسوسا ، له الحقوق نفسها وإن خسرالإنتخابات، والعلماني ليس ذيلا للغرب ، حسب تعبير غسان شربل رئيس تحرير صحيفة الحياة اللندنية.
– في الديمقراطية: ما لا تقبله لنفسك لا تصنعه لغيرك، لأنه سيكون ضدك غدا، ولذا فالخشية من دكتاتورية الحاكمين مشروعة لأنها تعني الحكم الفردي أو الحزبي المستبد، أو بقاء البلاد في حالة ثورية وقلق مستمر.
لذا مخطئ كل من يفكر بالثنائيات وضرورة أن ينتصر طرف على طرف، فعلى الجميع أن يتعايشوا ويتنافسوا في إطار نظام ديمقراطي، وحينها فقط سيتمكن الإخوان أو سواهم من النجاح في الإمتحان الديمقراطي.
إضاءة : الرسالة لمن هو فى السلطة: اسمع واستمع، أنصت واعقل.(الدكتور معتز بالله عبد الفتاح ، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة من مقالته ياليتك سمعت الكلام يامرسي).