مضرب الامثال في اشياء كثيرة ، بطيبة اهلها ولهفتهم على وطنهم، عراقيون حد النخاع ، لا احد يزايد عليهم ، وهم كرماء وما بخلوا يوما بدمائهم لتروي نخيل البلاد والدفاع عن حياضها، وغير ذلك الكثير .
ولكن البصرة تشتكي ،سرا وعلنا ، وتعاني من مشاكل جمة ، وتخلف مريع على مر العهود ، لم تنتعش الا في غابر زمن ولى ، عندما كانت ولاية تدير شؤونها بنفسها .
اهلها كانوا يمنون النفس ان توضع نهاية للحال المزري والمرارة في الافواه من اهل الحكم بما فيهم بني جلدتهم ، ومرارة مياه شطهم الذي كانوا يوما عذبا و ينظمون الشعر فيه ويتغنون به .
البصرة في حالها الحاضر من اغنى مدن العالم غير انها من اسوئها في الامن والامان ، فهي لوحدها تنتج جل نفط البلاد ، يفيض ذهبها الاسود ليكون خيرا عميم على الناس ، الا انه مقسوم قسمة ضيزا بين حكام يهدرونه على خططهم الفاشلة وعلى جشعهم و ” حرمنتهم ” جعلهم يتصدرون قوائم الاسوء امميا ، وشعب يكابد من عوزه وفقدان خدماته ولا ينال الا النزر القليل .
المفارقة انها مصدر تمويل مرتين ، مرة ايجابي لموازنة الدولة باكملها التي تشح على حواضراهل البصرة ونواحيها وقراها .. اما التمويل الثاني يغذي في مجراه الفساد والفاسدين وينهشون باللحم الحي للبصراويين وللعراقيين على حد سواء ، بعض نفطها يهرب وموانئها منهوبة ويتصارع عليها مسؤولوها وحدودها مستباحة للقتلة والمجرمين وما الى ذلك بما فيه السم الهاري الذي اصبح تجارة رائجة بعد التغيير ، وموارده تدعم التخلف والعلاقات البالية وتشيع العنف باشكاله وانواعه وتسعر من الصراعات وتديمها للاستحواذ على النفوذ والجاه والمال الحرام ، شرعا وقانونا ،ولكن يستمرؤه بعض النافذين ويتحالفون فيما بينهم لاضعاف سلطة الحكومة واجهزتها .
البصرة لا يجوز ان تغمض عين الحكومة عنها ، لا في تنميتها ولا بضبط حدودها التي ينتهكها كل طامع في خيراتها وابنائها، و لا بحماية استقرارها وامنها وابعاد كل حاقد عنها وضرورة اعادة بناء مجالاتها الحياتية والسياسية ، لابد ان تكون حملات الحكومة مستمرة على اشرارها .
الحكومة السابقة شنت صولتها ، غير انها لم تكن جذرية، صولة بوليسية لم تؤسس لقاعدة اجتماعية او تجري اصلاحا جذريا فيها، صحيح انها ضيقت على بعض القوى ، في الوقت ذاته اطلقت الحبل على الغارب للقوى التي تسبح بحمدها ، لتعود الاوضاع اسوء مما كانت عليه وخلال فترة قصيرة .نتمنى ان تستوعب الحملة الحكومية الجارية دروس التجربة ولا تكرر اخطائها ليرجع الينا الخارجون على القانون اقسى واكثر بشاعة واجراما ونهبا للمال العام والخاص .
ان الاوضاع الامنية والاجتماعية والفساد المستشري فيها والمولدة جميعا للعنف الدائر فيها واضعاف سلطة الدولة .. فلم يعد الانسان فيها قادرا على نزع دثار الخوف الذي يلفه ولا امنا على ماله وعرضه وهذا نتيجة طبيعية ليس لسياسات الحكم المحلي، وانما لطبيعة النظام في البلاد القائم على المحاصصة والعرقية والحزبية الضيقة ، كلا الادارتين احداهما تؤثر في الاخرى مسؤولتان عن غياب عناصر البناء المدني واستمرار الصراعات المسلحة في المحافظة .
للمرة الالف قيلت وتقال ان الامن لا يبنى بالعمل البوليسي لوحده ولن تكون الحملة التي تشنها الحكومة في البصرة افضل مما جرى في اوقا ت سابقة ، ان لنجاحها هناك
حاجة متلازمة من الاعمال والاجراءات والحلول التي تطال مناحي الحياة كافة ، السياسية والانسانية واحترام القانون والتقيد باحكامه وتنشيط الحياة الاقتصادية لانتشال البصراويين من البطالة والعوز والحرمان، وف الجانب الاجتماعي تفكيك العلاقات العشائرية لا تشجيعها .
ان هذا وغيره لبدء بناء دولة المؤسسات القانونية العادلة من خلال احتكار مصادر القوة والسلاح واي شكل اخر يمنح مجموعة او فرد وضعا شاذا يكون فيه فوق القانون ويفرض مصالحه غير المشروعة والضيقة .
البصرة ثغرالعراق لا تبتسم ، وانما تبكي دما على اهلها وعلى وحدتهم المجتمعية استفراد حفنة من الضالين بمقدراتهم وبالمواطنين على حد سواء .
الواقع ان البصرة لم تستقر في البداية كانت المافيات المتشاركة مع بعض الاحزاب
تعيث فسادا بتهريب ثروتها على نطاق واسع، وربما لاتزال ومن ثم قسمت اوصلها بين اصحاب السطوة كلمنهم يقضم من كعكتها الشهية وفاسدين حولوا دوائرها وموانئها الى اقطاعيات خاصة والاكثر خطورة صارت ممرا واستهلاكا لتجارة المخدرات الفتاكة ،الى جانب تمزق نسيجها الاجتماعي في تقاتل عشائرها فيما بينها عند تمددها على حساب بعضها وعلى الدولة .
لووجدت سلطة قوية وفعالة لما حدث شيء من ذلك، ولما تمكن احد من تحدي الحكومة . ان اسباب عدم استقرار وانتفاع اهل البصرة من خيراتها معروفة وهي ليس بحاجة الا الى مسؤولين قلوبهم عليها وعلى البلد كي يجف الدمع المسكوب وينتهي حرمانها .