في مشهد درامي، رفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بيده اليمنى قطعة من جناح طائرة بدون طيران صُنِعت في إيران وتم اسقطاها في إسرائيل خلال مشاركته في مؤتمر ميونخ للأمن المنعقد بالأسبوع الماضي.
بلا شك الطائرة أُرسلت بهدف التجسس لكن هذه الواقعة تمثل تحول شديد الخطورة في ميزان القوى العسكرية بمنطقة الشرق الأوسط برمتها حيث تعد برهاناً دامغاً على خسارة إسرائيل المركز الأول في ترتيب التفوق العسكري لجيوش المنطقة والذي دام لعقود طويلة بفضل الدعم الاستخباراتي، والعسكري، والمالي، والسياسي الأمريكي.
كلمات أكدت محتواها ضعف إسرائيل أمام اختراق الطائرة الإيرانية لدفاعاتها المتطورة تقنياً لحماية المجال الجوي للدولة العبرية لكن نتنياهو كالعادة حاول استخدام لهجة قوية في إلقائها خلال خطابه بمؤتمر ميونخ لإبعاد الدلالة العسكرية ورائها. مخاطباً محمد ظريف وزير الخارجية الإيراني وممسكاً جناح الطائرة قال نتنياهو: هل تعترف بذلك؟ يجب أن تعترف، إنها لكم!
اختراق الطائرة الإيرانية المجال الجوي الإسرائيلي لا يمثل فقط واقعة عسكرية بل استخباراتية أيضاً تطرح تساؤل خطير حول كفاءة وفعالية “الموساد الإسرائيلي” اليوم أمام نظيره الإيراني والوكلاء الداعمون له وبلا شك الروس منهم. ففي مقالة نشرتها جريدة نيويورك تايمز الأمريكية منذ اسبوع، وصف نتنياهو إيران بـ “النمر الخطير” الذي تم اطلاقه بالمنطقة وما ورائها كما بالغ في الوصف ليقارنها بـ “ألمانيا النازية” أملاً في ربطها بمعاناة اليهود خلال القرن المنصرم وهو ما يعد خلطاً في الأوراق قد يشكك العالم في مضمون خطابه ضد طهران.
خطاب نتنياهو يوم الأحد الماضي بمؤتمر ميونخ وصفه ظريف بـ “السيرك الكرتوني الذي لا يستحق حتى الرد عليه”. ففي الداخل الإسرائيلي يواجه نتنياهو اتهامات فساد قد تطيح به، ويبقى استمرار سياسة المواجهة والتصعيد بعد نتنياهو محل تساؤل؟
لكن، هناك تطور أخر في شطحات “الإمبراطورية الإيرانية” لا يقل أهمية وهو إطلاق الحوثيين صاروخ باليستي طويل المدى من اليمن إلى الرياض في ديسمبر الماضي مستهدفاً قصر “اليمامة” بالرياض حسب زعمهم، وهي واقعة لها عدة دلالات أولها تنامي القدرات العسكرية للحوثيين ومن خلفهم إيران طبعاً وهو ما يعد فصلاً جديداً بميزان قوى جديدة تماماً للمواجهة العسكرية بالشرق الأوسط.
ثانياً أتوقع مواجهة المملكة العربية السعودية تحدي حاد أمام ضخ أموال أكبر نحو منظومة الدفاع خاصة أن القوات الجوية الملكية اعترضت الصاروخ الحوثي إيراني الصنع جنوب العاصمة الرياض وليس داخل حدود اليمن أو حتى حدودهما، ذلك الأمر الذي يطرح تساؤلاً حول وجود (ضربات استباقية) على أجندة صانع القرار الحربي السعودي، كما يؤكد أن المواجهة الحربية الإيرانية السعودية لم تتوقف على حدود المملكة أو خارجها كما حدث بحرب الخليج الأولى والثانية وعاصفة الحزم، بل تجاوزتها لتنتقل داخل الحدود نفسها وهي ليست الواقعة الأول بل سبقها هجوم صاروخي مبكر في نوفمبر 2017 استهدف مطار الملك خالد الدولي وفق ما نشره الموقع الإلكتروني لقناة العربية في ديسمبر الماضي.
ثالثاً، مع تلاشي تأثير داعش كتهديد إقليمي مشترك حاربته كل الدول الصديقة والمتحاربة بالمنطقة، سنشهد بالفترة القادمة مزيداً من التنسيق الخليجي الإسرائيلي لكبح جماح إيران وهذا التنسيق، وإن كان غير معلن، لن يكون فقط سياسياً أو عسكرياً وإنما أيضاً استخباراتياً لإعادة أرضية المواجهة مع إيران خارج حدود تلك الدول، كما لا أستبعد إلقاء ذلك التنسيق بظلاله على ملفات القضية الفلسطينية التي طالما ساندتها دول الخليج العربي.
وسيظل نجاح السعودية وإسرائيل في عكس المعادلة لنقل المعركة داخل إيران نفسها سؤالاً أكبر ترتهن اجابته بمعطيات النظام الدولي خلال النصف قرن القادم والذي بدأت ملامحه تتبدى فعلياً اليوم مع صعود الصين “الصديق الصادق لطهران والحليف القديم لموسكو” وانتقال النظام الدولي للقطبية الثنائية يمنح مساحة حركة أكبر للدول المارقة كما وصفها بوش الابن مشيراً لعُصاة واشنطن مثل إيران وكوريا الشمالية.
تغير في حدود المواجهة رغم استمرار نمطها يجعل من إيران أخطبوطاً بأذرع طويلة التي طالما ضربت هنا وهناك بجماعات موالية له أيدولوجياً ومذهبياً كحزب الله في لبنان والحوثيون في اليمن لزعزعة الدول المجاورة بـ “حروب بالوكالة”.
زيادة النفقات العسكرية لدى الدول المتورطة في هذه الحروب يمثل بلا شك عبء اقتصادي ثقيل للغاية لكن لا بديل له في ظل زيادة أذرع إيران طولاً.. إيران الإمبراطورية بين الشطحات والطموحات سيكون بلا شك جوهر مقالتي القادمة لفهم أعمق وتحليل أرصن.