بعد ان وصفت الازمة الحالية بالخطيرة عند اختلاف طالباني مع المالكي , يتواصل الاثنان هاتفيا لمناقشة ازمة عمرها الحقيقي هو عمر هذه الحكومة التي يسميها البعض حكومة ازمة والبعض الاخر حكومة شراكة , والحقيقة ان اطراف الصراع استحسنوا الازمات واجادوا التعاطي معها باحتراف عالي جدا , ولا اعني انهم اجادوا حلها بل هم اجادوا تعقيدها حتى ضننا ان الازمة هي مادتهم الوحيدة للعمل السياسي .
ان تفاهم الرئيس طالباني مع رئيس الوزراء المالكي مهم جدا لمن يتطلع للخروج من هذا النفق المظلم , لكن الاهم هو هل ستنتهي الازمات لتنطلق عملية البناء واقرار المشاريع المعطلة في التي ينتظرها الشعب عله يهنأ بالسعادة المنشودة , ام ان حل الازمة سيبقى مقتصرا على رغبات اطرافها وتحقيقها بالغرف البعيدة عن انظار الشعب ؟ .
لعل اهم ما تميزت به العملية السياسية في العراق كثرة المشاكل وتطورها الى ازمات , قد يكون ذلك نتاج طبيعي لديمقراطية فتية قائمة على انقاض حكم ديكتاتوري شمولي اضافة الى تنوع الطيف العراقي وتقاطع الرؤى بين المكونات في احيان كثيرة الا ان ذلك لا يمكن ان يبرر حالة التناحر التي يدفع ثمنها يوميا المواطن العراقي . والملفت ان هذه الازمات تنتهي بحلول خاضعة لتوافقات وتنازلات تعبر عن مصالح وارادات الاطراف المختلفة وتتجاهل تماما مصلحة الشعب التي يفترض ان تكون ضمن الاولويات المهمة , لذا اصبح غياب الازمة لا يعني تجاوزها بل تأجيلها ليتم اضافة بعداً اخر لها فتصبح ككرة الثلج , وما ادخال العراق كله بالأزمة الحالية وتأثُره بها سلبا الا دليلا لا يقبل الشك على ذلك . ان طريقة التعامل مع الازمة من قبل اطرافها تؤشر على امرين , اولهما اختزال البلد بما فيه بشخوص الازمة وتسخير الثروات والارواح بطريقة عجيبة لتصبح ادوات تدار بها العملية , والثاني هو غياب اي اهتمام بشرائح الشعب الذي يجب ان يضمنه النظام الديمقراطي وهذا يقودنا الى استنتاج خطير وهو ان هؤلاء لا يمكنهم ترسيخ الديمقراطية فهم لا يؤمنوا بها .
ليس مهما ان يثمر اتصال طالباني بالمالكي فقد التقوا كثيرا وتواصلوا دون ان تتغير الاجواء , وعلى فرض انهم يتجهون نحو الحل , فهل سيكون هذا الحل قارب النجاة الذي يهيأ الاجواء لعملية البناء وخدمة الانسان المعطلة منذ سنين ام سيبقى كسابقه من اللقاءات التي انتجت حلولا ترقيعية تعبّر عن مصالح مهندسي هذه الحلول ؟ وبمتابعة دقيقة للأزمة وابطالها سيكون السيناريو الثاني هو الاقرب للتحقق (هذا ان حصل انفراج ) , وهذا يعني اننا سنكون امام ازمة جديدة تبزغ بمجرد اختلافهم او خلافهم اي ان البلد اصبح مرهونا بمزاجهم يسيروا به حيث ارادوا ولعمري ان اراداتهم تتجه نحو الهاوية .
في كل البلدان تحدث المشاكل السياسية لكن تبقى هذه المشاكل ضمن الاطار الوطني ولا تتجاوز المنظومة القيمية والفلسفية للدولة ولا يمكن ان تتعدى هذا الاطار , حيث ان هناك قواعد واسس مشتركة تجمع الاحزاب والمكونات المختلفة ومهما بلغت درجة اختلافها , اي ان هناك مساحة مسموحة للاختلاف ومساحة اخرى مشتركة والثانية تكون اوسع حيث تأخذ مصالح الناس بعين الاعتبار , فهي بمثابة المظلة التي يجتمع تحتها الجميع . اما في العراق فقد عكست الاحداث ان اطراف التناحر تريد ان تكون مساحة الازمة بقدر مساحة الوطن , ومن الغريب حقا انهم يخفون اي خطوة للتقارب فيما بينهم بينما يضخمون اي خطوة تؤجج الشارع العراقي !!
ان ظاهرة الازمات افرزت لنا منهجين مختلفين , الاول يدعو ويصر ويعتاش على الازمات , والمنهج الثاني يزداد اصرارا على انهاء كل الازمات والجلوس للحل الدائم رغم ان هذا المنهج لا يرتقي من حيث العدد الى اصحاب المنهج الاول الذين فرغت جعبهم من ان يقدموا شيء للمواطن فوجدوا بمنهجهم هذا طريقة جيدة للكسب , بينما نجد الذين يدعون لمغادرة هذه الحالات المنهكة للدولة يتبنون هموم الناس ويطلقون المشاريع السياسية والخدمية التي تمس حياة الناس وهم بذلك يبعثون رسالة مفادها (ان السياسية هي فن خدمة الناس ) , وهذا المنهج استطاع اثبات نفسه في الساحة العراقية باستمراره على رفض لغة المحاصصة وتقسيم الامتيازات وتغليبه مبدأ المصلحة العليا للدولة والشعب , والجماهير بدت اليوم اكثر وعياً من وقت مضى حيث نجدها تقف خلف مطالب ومشاريع سياسيو الخدمة .