استلمت بالبريد الالكتروني رسالة نادرة جدا , ترتبط بموضوعة (الادب الروسي في العراق) ( وهي موضوعة مهمة جدا بالنسبة لاهتماماتي العلمية ) , و هذه الرسالة – النادرة او اللقطة ان صح ّ التعبير- هي مقالة محمد عارف في مجلة الآداب البيروتية الشهيرة لمناسبة الاحتفالات في روسيا بمرور ( 75 ) سنة على ميلاد الشاعر يسينين آنذاك بعنوان – ( يسينين … والغربة ) , والمقالة منشورة عام 1966 , اي قبل اكثر من خمسين سنة !!! (من ص 47 الى ص49 في عدد المجلة المذكورة) , وهي هدية من كاتبها الصحافي العراقي الكبير محمد عارف لي لمناسبة ارسالي له مقالتي بعنوان (120 سنة على ميلاد يسينين) , وقد كتب عارف في الاهداء ما يأتي –
( ضياء , مقالتك الجميلة عن يسينين لذكرى حياة شرارة ذكرتني بمقالة لي عن يسينين منشورة في مجلة الاداب البيروتية باسمي الادبي – محمد كامل عارف , ارسلها لك تحية لجهدك الذي لا يكل في متابعة الادب الروسي الرائع…) .
قبل كل شئ , اود ان اتوقف هنا عند بعض النقاط المهمة في هذا الخصوص , منها اولا , ان هذه المقالة تعدّ – حسب علمي المتواضع – اول بحث علمي وموضوعي ومتكامل يقوم به باحث عراقي عن المبدع الروسي يسينين , الشاعر الذي لم يكن يعرفه آنذاك أحد في العراق ( وربما في العالم العربي ) كما يشير الباحث نفسه – وهو على حق – في ثنايا سطور مقالته تلك , وثانيا , اود ان اشير ايضا الى مسألة طريفة ومهمة جدا من وجهة نظري و ارى انها تستحق الاشادة بها فعلا وهي , ان محمد كامل عارف كتب مقالته تلك ونشرتها مجلة الاداب البيروتية الشهيرة عام 1966 , عندما كان عارف لايزال طالبا في جامعة لينينغراد ( بطرسبورغ حاليا ) ليس الا , اي ان المقالة قد فرضت مكانتها وقيمتها العلمية , وبالتالي تم نشرها في مجلة باهمية (الاداب) البيروتية في ذلك الزمان , المجلة التي كان يسعى ( بل ويحلم ) كل باحث واديب عربي ان ينشر فيها . ثالثا , ان الكاتب قد قام شخصيا بترجمة عدة قصائد شهيرة ومعروفة جدا للشاعر يسينين في مقالته تلك لم يسبق لأحد من المترجمين العراقيين او العرب ان قام بترجمتها , بل انه استهل مقالته تلك بمقطع من شعر يسينين الرقراق وبترجمة (رقراقة !) ايضا وكما يأتي –
لن آسف , لن اندب , لن أبكي
فكل شئ سيمضي,
مثل غيمة فوق أشجار تفاح أبيض.
رابعا , تحمل تلك المقالة خصائص اسلوب محمد عارف , والذي تبلور الان واصبح واحدا من اهم سماته , وهو الاستشهاد باقوال الادباء والفلاسفة وبقية المشاهير في ثنايا مقالاته وبشكل ذكي وحاذق جدا وربطها بمهارة مع صلب الموضوع, وهي صفة تدل على سعة قراءآت عارف وثقافته الموسوعية الواسعة بلا شك , اذ اننا نجد في مقالته تلك عن يسينين استشهادا باحدى اقوال الكاتب الامريكي همنغواي , والتي استطاع عارف بمهارة فائقة ان يربطها بابداع يسينين . خامسا , لقد كتب عارف مقالته تلك عام 1966 وكان حينئذ – كما أشرنا اعلاه – طالبا في الاتحاد السوفيتي بجامعة لينينغراد, وبالتالي , لم تكن متوفرة آنذاك معلومات واسعة عن يسينين مثل المتوفرة في الوقت الحاضر ( اي بعد خمسين سنة من كتابة تلك المقالة ) . ولهذا فهو أمر طبيعي جدا ان نجد في تلك المقالة بعض المعلومات التي تعتبر الآن غير دقيقة او تحتاج الى اعادة صياغة …الى آخره ( خصوصا ما يتعلق بموضوع انتحار يسينين ومكانته في تاريخ الادب الروسي عموما ) . سادسا واخيرا , اود ان أشير في ختام هذه النقاط السريعة الى ان موضوعة الادب الروسي في العراق قد فقدت الكاتب والباحث العراقي المبدع محمد كامل عارف لأنه لم يستمر في طريق مسيرته تلك, اذ كان يمكن ان يمنحنا الكثير الكثير من البحوث والدراسات المهمة في هذا المجال الفكري الحيوي , وذلك لأن الصحافة قد كسبته الى صفوفها منذ عودته الى العراق في النصف الثاني من ستينات القرن العشرين وبعد اضطراره للسفر نتيجة اوضاع العراق الرهيبة المعروفة , والاستقرار في لندن والى حد الآن .
نعم , لقد أصبح محمد عارف نجما منيرا وساطعا في عالم الصحافة العراقية والعربية , نجما نفتخر به جميعا ونتابع نجاحاته بكل حب , ولكني اكرر ان يسينين , الذي كتبت عنه مقالة رائعة قبل خمسين سنة , و بقية الادباء الروس ( ومحبيهم العرب وأنا طبعا من بينهم) يفتقدوك يا أبا جاسمية الورد.