ليس المسلمون وحدهم من نادوا وما زالوا بدمج الدين بالدولة واستخدامه سلاحاً في حروبهم، إنما اتباع ديانات اخرى كذلك، ولكن بشكل جد ضيق مقارنة بالمسلمين، ومن بينهم المسيحيون الذين جعلوا، وعلى سبيل المثال، من الصليب اسماً لاطول حرب خاضوها ضد المسلمين ألا وهي الحروب الصليبية.
وفي الحرب العالمية الثانية، كان الصليب المعقوف شعاراً للجيش الألماني، غير أنه بفضل فصل الدين عن الدولة في البلدان المسيحية، فأن الغربيين في حروبهم في اقطار الهند الصينية وحرب الخليج الثانية وحروب افغانستان والبلقان.. الخ عزفوا عن استخدامه واطلقوا اسماءً عليها لا توحي بمعان دينية مثل: (عاصفة الصحراء) و( النجم الساطع) .. الخ.
ولم تقتصر الحروب المسيحية على رفع الصليب بوجه اعدائها الخارجيين، بل على اعدائها الداخليين ومن المسيحيين أيضاً، فالحكام الروس في حربهم مع البلاشفة أطلقوا تسميات دينية على تشكيلاتهم العسكرية، سيما غيرالنظامية مثل (فرسان القديس جورج) لكن العرب والمسلمون بزوا كل الأمم في إستخدامه ضد الاقوام غير المسلمة والمسلمة أيضاً، ففي الحرب على الكرد العراقيين كان البعثيون اول من استعمله في عام 1963، حين سموا تشكيلاتهم العسكرية غير النظامية باسماء رموز دينية مثل (فرسان الوليد) نسبة الى خالد بن الوليد والذي ضم افراداً من قبائل عربية حصراً و(فرسان صلاح الدين) نسبة الى صلاح الدين الايوبي الذي كان خاصاُ بالأفراد من العشائر الكردية. ولما كان استخدام الضد النوعي في الحرب على الكرد اجدى للحكومات العراقية وانفع، فانها الغت (فرسان الوليد) وسعت الى توسيع مشاركة الكرد في حروبها على الكرد.
وتوسعت دائرة استخدام الدين شعارا وسلاحا في الحروب. ففي العهد البعثي الثاني 1968-2003 أطلقت تسمية(الانفال) وهي من سور القران الكريم على عمليات ابادة ضد الكرد وذلك في عقد الثمانينات من القرن الماضي والتي أدت الى مقتل000،182 كردي. وفي حرب الخليج الأولى 1980-1988 فأن طرفي الحرب، العراق وايران خاضا المعارك ضد بعضهما بعضاً تحت شعارات ومسميات دينية مثل (الله اكبر) و(محمد رسول الله) و(قادسية صدام) تيمناً بمعركة القادسية التي انتصر فيها المسلمون بقيادة سعد بن ابي وقاص على الفرس الذين كانوا يدينون بالمجوسية، كما حاربت حماس اسرائيل مرة تحت شعار (الفرقان) وثانية (حجارة السجيل) التي ترددت في اعلامها اثناء حرب الايام الثمانية! وطالت التسميات الدينية الاسلحة المستخدمة في الحرب العراقية – الايرانية، فسمى العراق صواريخه باسم الحسين والعباس (ع) ولم تكن ايران باقل استخداما له منه، وراح يستخدمه الى ايامنا هذه، انظر أسلحة (سجيل) و( ابابيل).. الخ.
ومع تراجع العلمانية والحركات القومية التقليدية العربية فان جهات سياسية راحت توظف لفظ الجلالة في تسمية منظماتها واحزابها وقواتها المسلحة، فظهرات أحزاب (الله) في ايران ولبنان والعراق ولفترة جد قصيرة وبدوافع تكتيكية في كردستان والان في تركيا. كما وسميت الميليشيات باسم (جيش المهدي) و(منظمة بدر) و(عصائب الحق) و(فيلق القدس) و(جيش القدس) لاحظ استخدام اسماء المدن المقدسة في التشكيلات المسلحة سيما في العراق وإيران. علما ان النبي محمد (ص) كانت حروبه مع المشركين لا تحمل اسماء دينية انما اسماء مثل (أحد) و (الخندق) و(بدر) و(تبوك) و(خيبر) و(مؤته) و( حنين).. الخ . كما لم تحمل سراياه اسماء دينية ومن اسماء سراياه: ( القرطاء) و(نخلة) و(سيف البحر) و(رابغ) و(الخرار).. الخ وفي اجواء نقهقر العلمانية امام الاسلام السياسي بجميع اجنحته المعتدلة أو المتطرفة يتزايد استخدام الدين ورموزه سلاحا في الصراعات السياسية وبالاخص لدى المنظمات السرية (انصار – الاسلام) و(انصار السنة) و( جند الله) و(جيش محمد) . الخ وقبل فترة من الان هدد رجل دين شيعي الكرد بالمهدي المنتظر، وقبله هدد الزرقاوي الشيعة العراقيين بفيلق سماه فيلق عمر نسبة الى الخليفة عمر بن الخطاب (رض) اما الفتاوى الدينية وعلى وجه الخصوص لدى العثمانيين فقد تحولت الى مايشبه النفير العام و الاعلان عن الحرب، ففي اواسط القرن ال16 أفتى أبو سعود العمادي مفتي الامبراطورية العثمانية بأبادة الايزيدية، وحذا حذوه فيما بعد العالم الديني الكردي ملا يحيى المزوري في اصدار فتوى مماثلة، على خلفية مقتل عمه علي بالطه على يد الأيزيديين. وعلى ذكر الايزيديين، كان العثمانيون يتهمون المسلمين من الخارجين عليهم باعتناق الأيزيدية، في وقت تعد الأيزيدية من الديانات المغلقة التي لاتقبل احداً في صفوفها، فعندما تمرد أمير بدليس الكردي عبدال خان على العثمانيين، جرى تكفيره بفتاوى من علماء دين موالين لهم واتهم بالايزيدية.
ان تأريخ الاسلام وبالاخص في العصور الحديثة زاخر بالفتاوى المشجعة على شن الحروب والتي غالبا ماتوجه ضد المسلمين انفسهم، ففي عام 1965 افتى نجم الدين الواغط وهو عالم ديني معروف بالقتال ضد قائد الثورة الكردية مصطفى البارزاني.
واستغلت المناسبات الدينية بدورها سلاحا في المعركة فالهجوم العثماني على بدليس تم توقيته مع اليوم الاول لشهر رمضان المبارك، اما تفجير مقري الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني فقد وقع في اليوم الأول لعيد الاضحى المبارك في 1-2-2004 واطلقت على العمليتين غزوة (1)و(2) وسموا المغدورين بالمنافقين!!
وفي الحروب تلقى العصبية الدينية والمذهبية تطفواعلى سطح الاحداث بشكل صارخ الى حد الخروج عن الدين والطعن بالمقدسات الدينية، ففي حرب الخليج الأولى مثلا بلغ الأمر باحد غلاة القوميين خيرالله طلفاح خال صدام حسين الى تخطئة الله في كتابه (كنتم خير أمة اخرجت للناس) حين قال، ان الله اخطأ في خلقه للذباب واليهود والفرس!! والراصد لمستخدمي الدين سلاحاً لتحقيق اغراضهم، انهم غالبا ما يستهدفون اشد الدول حرصا على الاسلام والدين الاسلامي كالسعودية وكاتب هذا المقال غير منحاز لها، التي ترعى المدارس الدينية في الخارج وتبني الجوامع والمساجد في العالم غير الاسلامي وتنشر ملايين النسخ من القران الكريم، كل عام. وكذلك يستهدفون أشد الشعوب تمسكا بالددين الاسلامي كالكرد مثلا والذين وصفهم الشيخ احمد الياسين مؤسس حماس باسرائيل ثانية وتوعد بالقضاء على حكومة كردستان بعد قضائه على اسرائيل!! علما ان الثورة الكردية لم تستخدم الدين سلاحا أو شعارا ضد مضطهدي الشعب الكردي، حتى ان اية من معاركه لم تحمل اسماء دينية، انما اسماء المناطق والجبال كمعارك (هندرين) و(كوري) و (زوزك)..الخ وحملت تشكيلاته المسلحة اسماء الجبال والمناطق الكردية مثل: (هيز)قوة سفين وكاروخ وقره داغ وسهل اربيل والفوج السادس (بمو).. الخ
للأسف الشديد يستخدم المسلمون الدين شعارا وسلاحا وكذلك الرموز الدينية الاسلامية في معاركهم الاسلامية – الاسلامية حتى يوم هذا في حين ان الرسول الاعظم (ص) لم يستخدمه حتى ضد المشركين من اعدائه .
ان وضع حد لاستخدام الدين سلاحا ضد الأمم سواء كانت اسلامية أو غير اسلامية، من واجب منظمة التعاون الاسلامي والجامع الأزهر والمراجع الدينية في النجف وكربلاء وكل المؤسسات وعلماءالدين الاسلامي، ومنظمة الامم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية والبدء قبل كل شيء بفضل الدين عن الدولة .. الخ
[email protected]