عرفت عبد الأله الصائغ منذ أصداره ديوانه الأول عودة الطيور المهاجرة ، عن طريق الشاعر كامل العامري في الديوانية والذي كان يدرس معه في المستنصرية المسائية ، أرسل لي يومها ديوانه الجديد دون معرفة مسبقة بيننا مع الشاعر العامري وعليه توقيعاً وبضعة من سطور، كان عبد الآله المعلم يتنقل بين النجف وبغداد لكي يكمل دراسته الجامعية في الفرع المسائي مع مجموعة معروفة وقتها من أدباء ومثقفي العراق أبرزهم يوسف الصائغ وعزيز سماوي وكامل العامري وشاكر سماوي .بعدها أنتقلت أنا للدراسة في بغداد ، وصارت لنا لقاءات متباعدة بسبب أنشغاله في دراستي الماجسير والدكتوراه ، الا أنه لم يترك الشعر أو دراسة الأدب والنشر طيلة سنوات دراسته حتى تجاوزت الكتب التي ألفها جبلاً ومئات الدراسات والمحاورات والمقالات ، كان رفقة طيبة وذكرى ودودة ، وبعد أنتقالات وأنشغالات وهجرات طويلة ومتباعدة ألقت بنا الدنيا معاً عند سواحل قارة بعيدة ، أتذكر اليوم الذي زارني فيه في البيت الذي كنت أسكن فيه مع زميل آخر ولم يجدني فترك لي بعضاً من كتبه على أمل لقاء جديد ، وبعدها ولعدة سنوات كانت سوانح من فرص كثيرة ولقاءات متعددة بيني وبينه وجلسات ومحافل أدبية ، كنا نمضي أوقاتنا بالمزاح تارة وتارة في أستذكارات وأخرة في تبادل رأي أو فكرة أو طرحاً لمشاريع أدبية متنوعة وأحلام لم تر أية منها النور .كنت أبتهج للقائه الحميمي لكل من يلقاه وأبتسامته الدائمة والنكتة المعقودة طرف لسانه ، وعتابه الكبير كطفل حينما نلتقي بعد فترة طويلة من أنشغال بعضنا عن بعض ، لم يتخل عن قلمه يوماً وكنت أعجب لسيطرته على مادته الكتابية وتنوع ذكرياته ورصده لأحداث عاشها بمثل ذلك الخيال والموسوعية الفائقة ، وآخر لقاء لنا كان في بيت الفنان غالب المنصوري ، كان وقتها يحاول أرتداء جوارب أشتراها ضيقة ، فتذكرت بالصدفة أنني أحمل في سيارتي دائماً جوربين جديدين جلبتهما له لكنهما لم يتسعا لقدمه العملاقة ، وأكرمني يومها أشد أكرام وألطف كلمات ، لكنه غادر في اليوم التالي الى واشنطن وهناك أخبروني بأجرائه عملية صعبة ثانية لعموده الفقري ، ولاأدري لماذا سولت له نفسه فعلها وهو في هذه السن ، ومضت أيام دون أن أجرؤ على مكالمته تلفونياً بسبب وضعه الصحي الحرج ، حتى أخبرني الصديق القاص نشأت المندوي أن مواصلة التحادث معه تسبب له الألم ، لكنني فوجئت بتلفون منه بعد شهر يشكو فيه حالته المتردية وصعوبة مايعانيه من أرهاق وشلل وصل به حد العجز التام عن القيام بواجباته الخاصة وضنك الحال وأنتفاء المذاخر حيث قطع راتبه من قبل السفارة العراقية ،وأبتعاد الأهل والخلان وهو وحدته ، متوسلاً أن ترأف به دولته والعراق الذي خدمه معلماً ومربياً وأستاذاً في جامعاته ، وكتباً ألفها ودرست بعضها ضمن مناهج التعليم العالي ودواوين ودراسات أدبية وبحوث وتراجم بمختلف المجالات الأدبية وتخرجت على يديه أجيال من الدارسين منهم من صار وزيراً في دولته ، فهل يستمر العراق في نسيان أبنائه المتروكين عبر القارات دون أن يلتفت اليهم أحد حتى في شيخوختهم وعجزهم الكامل ، أليست وزارة التعليم العالي مسؤولة عمن بذلوا حياتهم في خدمة المؤسسات العلمية والدراسية وأفنوا زهرة شبابهم في خدمة الوطن ، هل سيكون مصير عبد الأله الصائغ كمصير من تناساهم الوطن والوزارة والدولة ،والحكومة دائماً مشغولة عن متابعة أبناء الوطن وقضاء حاجاتهم وأن تكفيهم العوز والحاجة والموت ببطء على شواطئ الغربة والتشرد ومدافن الغرباء المهجورين .فهل سيبقى الصائغ مشلولاً هائماً على وجهه بين أروقة المستشفيات يدق في وجوهكم أبواب المذلة ،وقد أنكسرت أرادته ، وهو يشاهد في أخريات أيامه أنطفاء المحبة في قلوب الجميع وهو أقرب الى الموت في وحدته حزناً منه الى الحياة .
أن عبد الأله الصائغ يستصرخ مروءتكم وهو لايطالبكم بغير حقوقه التي حرم منها وأبسطها أن توسد قامته أرض وطنه فلاتبخلوا عليه بها وأرحموا عزيز قوم في بلاد غريبة ، كاد أن يذل .