كنت أعد تقريرا وأنا في منتهى الحزن عن تصدر العراق مجددا لقائمة أفسد البلاد على وجه اﻷرض بحسب قائمة المنظمة الدولية Transparency International من بين 180 دولة في العالم حين وصلني على الإيميل خبر من ذي قار يفيد بضبط سيارتي حمل ، اﻷولى نوع فولگا تحمل (558) قنينة وعلبة مشروبات كحولية مهربة ، فيما تحمل الثانية وهي نوع تويوتا (3430) مثلها ،وقبل أن أستفيق من وقع الخبرين الصادمين – الفساد والخمور – جاءني خبر ثالث من ديالى يتحدث عن إلقاء القبض على شخصين بتهمة المتاجرة بالمواد المخدرة وبحوزتهما كمية كبيرة منها في بعقوبة!!
وﻻشك أن الفساد والخمور والمخدرات هي الركائز الثلاث التي تقف عليها منظومة الخراب العراقية التي ترسل فلذات أكبادنا تباعا الى السجون أو القبور بغياب شبه تام للمثقفين والمفكرين والكتاب واﻷدباء والإعلاميين ، ربما ﻷن بعضهم غارق في مستنقعاتها الى اﻷذقان وهو يسبح بحمد أحزاب وكتل سياسية دائرة إما بفلك أميركا أو إيران وﻻ ثالث لهما على الساحة المحلية في الوقت الحاضر ونهائيا ، لعله يحظى بوظيفة في الانتخابات المقبلة ولو بصفة – لوكي-ﻷحدهم مغلف بلقب مستشار إعلامي أو – ففقافي – كما يلفظها بعض محدثي النعمة من الجهال وما أكثرهم !
كان العراق وإلى وقت قريب يعد البلد الأنظف في العالم من حيث تعاطي المخدرات وإدمانها و الإتجار بها بحسب تقارير الأمم المتحدة، ولكن وبعد الغزو الأمريكي المشؤوم للعراق عام 2003 إنقلبت الأمور رأسًا على عقب وأصبح العراق ممرًا ومعبرًا للمخدرات القادمة من الدول المنتجة تجاه المستهلكة مع ورود أنباء مؤكدة تفيد بزراعة المخدرات، وتعاطيها، والإتجار بها، وتصنيعها وانتشارها بين شريحة الشباب بشكل لم يعد مسيطرا عليه ولا يختلف الحال كثيرًا مع تعاطي الخمور التي استشرت بدورها بشكل غير مسبوق في الآونة الأخيرة مع إن معظمها مجهول المنشأ وغير خاضع للسيطرة النوعية ومنتهي الصلاحية ، أو أنها مصنعة في ورش تقطير متهالكة غير خاضعة للرقابة ما تسبب بوفاة العديد من الشباب بسبب كمية السموم الفتاكة التي تحتويها !
يقابل ذلك الجحيم كله ندوات بائسة تنظم على إستحياء هنا وهناك وبفترات متباعدة وهي تتحدث عن النزاهة وخطر الإدمان الدوائي والكحولي الذي عم العراق كله من أقصاه الى أقصاه وما يترتب عليه من جرائم إغتصاب مزدوج وسطو مسلح وإغتيال وإنتحار ومشاجرات دموية وتسول وطلاق وتعنيف النساء واﻷطفال وحوادث مرورية مروعة ونزاعات عشائرية بمختلف أنواع اﻷسلحة !
وأنوه الى أن مزارع سّرية لنبات الخشخاش، كان قد تم العثور عليها قريبًا من بعض القواعد العسكرية الأمريكية بعد إخلائها شمالي بغداد فيما عثر على مزارع أخرى للحشيشة، بين محاصيل قصب السكر والذرة جنوبي العراق ، وألفت أيضا الى أن بعض المراقبين أرجعوا ظاهرة إنتشار زراعة المخدرات إلى أمور عدة يأتي في مقدمتها الأرباح الطائلة التي يحققها هذا النوع من الزراعة، إضافة إلى أن هذه النباتات لا تحتاج إلى عناية تذكر، فهي نباتات مقاومة بطبيعتها، وبإمكانها النمو في أصعب الظروف البيئية والمناخية ، و ارتفاع تكاليف الزراعة في العراق ورفع الدعم الحكومي عن الفلاحين، وقلة الامطار وشح المياه ما دفع ضعاف النفوس إلى زراعة مثل هذه المحاصيل المدمرة، كتعويض عن جانب مما خسروه، فضلًا عن سيطرة بعض الميليشيات المسلحة على مزارع المخدرات لما تجنيه من أرباح طائلة توظفها لاحقًا لمصالحها، بل إن جانب من النزاعات العشائرية المسلحة جنوبي العراق والتي أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات تبين أن واردات المخدرات المزروعة أو المهربة أحد أسبابها، في حين يعزو بعضهم الآخر السبب إلى وقوع العراق بين الدول المنتجة للمخدرات والمستهلكة ومعلوم أن الدول التي تصبح معبرًا للمخدرات يتعاطى 10% من أبنائها تلكم الآفات المهلكة ويدمنون عليها وسط غياب الرقابة المطلوبة على الحدود وفتح الأبواب على مصاريعها لدخول المخدرات وتهريبها بل وزراعتها وتصنيعها أيضًا، بدءًا بحبوب الهلوسة وانتهاءً بالخشخاش، والقنب الهندي، والأفيون، والترياق، وهذا الأخير يدخل إلى العراق عن طريق بعض الزوار الإيرانيين !
يأتي ذلك كله وسط دعاوى كيدية من قبل بعض المثقفين العراقيين – من جماعة دك إصبعتين وحليب سباع للصبح – تشيع بأن البيرة والنبيذ الأحمر لا تسببان ضررًا كبيرًا لمدمنيها قياسًا بأنواع الخمور الأخرى، وهذه واحدة من أفدح الرزايا التي يبررها المدمنون لتعاطي الخمور، وأود أن أنقل لهؤلاء ما ورد في المجلة الطبية الكندية المجلد 97 صـ883 عن أخطار البيرة الفتاكة (إن شاربي البيرة بصورة خاصة يصابون بمرض قلبي مفاجئ من أعراضه سرعة خفقان القلب وتضخمه وضعفه، واحتقانه مع ضيق في التنفس وألم في أعلى البطن والنزيف) علمًا بأن مادة – أسيد ساليسيلك- المضافة إلى شراب الشعير المخمر لحفظه من التعفن هي مادة مخرشة للكلى ومخربة لها وبالتالي ليست البيرة كما يظن البعض خطأ أنها مفيدة للكلى بل العكس تمامًا فهي مخربة لها.
أما بشأن النبيذ الأحمر فهذه طامة أخرى لا تقل فداحة عن سابقاتها وخطأ آخر يقع فيه بعض الأطباء ممن لا دين لهم والعياذ بالله، فهذه المؤسسة الأمريكية لأمراض القلب أصدرت تحذيرًا طبيًّا إلى جميع الأطباء في العالم عام 2000 تنصحهم بعدم وصف النبيذ الأحمر كدواء لأن المواد المضادة للأكسدة الموجودة فيه موجودة أيضًا في عصير العنب العادي غير المخمر مع الفارق في عدم وجود الكحول الضار جدًّا في عصير العنب مقارنة بالنبيذ الأحمر – المستخرج منه-.
ناهيك عن أن الخمرة تؤدي إلى الجلطات القلبية والسكتات الدماغية، كما تؤدي إلى انخفاض حرارة الجسم وبإيجاز فإن الخمرة وكما وصفها العالم البريطاني أوبري لويس رئيس قسم الأمراض النفسية بجامعة لندن ((هي السم الوحيد المرخص بتداوله على نطاق واسع في العالم كله لذا فإن الكثير من مضطربي الشخصية في العالم يتناولونها بكثرة وإن جرعة واحدة تؤدي إلى الهيجان أو الخمود مع تعرض المدمنين منهم إلى التحلل الأخلاقي الكامل مع الجنون!
المخدرات منها ما هو طبيعي، ومنها ما هو صناعي فمن أشهر أنواعها الطبيعية الخشخاش الذي يستخرج منه الأفيون والكودايين والمورفين والهيروين، ومن الأنواع الطبيعية أيضًا القنب الهندي وبخاصة الأزهار منها حيث تستخرج منها (الماريجوانا)، وهناك أيضًا نباتات الكوكا التي يستخرج منها الكوكايين أشد أنواع المخدرات ضررًا والتي تعد موادًا منشطة ومهلوسة يؤدي إدمانها إلى مرض شبيه بانفصام الشخصية، وهناك أيضًا (القات) فهو صنف من المواد المخدرة التي تكثر زراعتها في الأقاليم الرطبة الحارة، وبخاصة في اليمن وهناك البانجو، التي تكثر زراعتها في مصر بصورة غير مشروعة والنيكوتين وهو نوع من المواد المخدرة المستخرجة من التبغ الذي عده العلماء واحدًا من أنواع المواد المخدرة التي تؤدي إلى الإدمان.
أما فيما يتعلق بالمخدرات الصناعية فهي على أنواع منها مجموعة الأمفيتامينات، والمسكنات والمنومات، والمهدئات إضافة إلى المواد الصناعية ذات الروائح النفاذة والطيارة كالبنزين ومواد الطلاء والغراء المدمرة للمخ، وهذا النوع من المخدرات تحديدًا قد أدمن تعاطيه عدد لا يحصى من الشباب العراقي في ظاهرة باتت تعرف شعبيًّا بـ”الكبسلة” والتي تعد السبب الرئيس في جرائم القتل والسرقة والاغتيال والانتحار والاغتصاب والأحراق
وﻻيفوتني أن أحذر من المخدرات الرقمية وبعض الالعاب الالكرتونية الشيطانية كألعاب الحوت الازرق ، ومريم ، وجنية النار ، والتي تدفع الشباب الى الانتحار بعد السيطرة على عقولهم كليا عبر مراحل ، وقد انتشرت ولكن بنطاق مازال ضيقا إلا أنه غير مأمون العواقب عراقيا !!
ولا شك أن البطالة تلعب دورًا مهمًا في هذا المجال، إضافة إلى التضخم ما يجعل المتعاطي يهرب من واقعه الاجتماعي والاقتصادي الصعب إلى الإدمان، فضلًا عن تأثير وسائل الإعلام المشبوهة في الترويج لهذه الظاهرة والضغوطات النفسية والشعور بالملل، والفراغ وعدم القدرة، وقلة الكفاءة وحب المجازفة وغياب الوازع الديني، والتفكك الأسري، فكلها عوامل تدفع باتجاه الإدمان الكحولي والدوائي وإلى تعاطي المخدرات بأنواعها وبالأخص حبوب الكبسلة ولا نغفل عن أصدقاء السوء، فلهؤلاء الدور الأكبر في جر زملائهم إلى هاوية المخدرات والخمور والفساد السحيقة، والصاحب كما تقول الحكمة ..ساحب !
قطعًا إن التنشئة الدينية والأسرية الصحيحة تلعب دورًا بارزًا في حماية الناس من خطر المخدرات والخمور، يأتي بعدها دور القنوات الإعلامية المقروءة والمرئية والمسموعة والنشرات، والملصقات والبوسترات في توعية أفراد المجتمع بعواقب هذا الخطر الداهم، ثم يأتي دور الدولة في تشديد العقوبات الصارمة على المتاجرين بالمخدرات والمتسترين عليها وإصدار القوانين الصارمة الكفيلة بحماية العراق من هذه الآفات قبل فوات اﻷوان .اودعناكم اغاتي