يعتبرُ التخطيط العمراني والرقابة الصارمة على تشييد الدور السكنية والمباني الأخرى من الأمور المهمة جداً التي لا تقبلُ المرونة على الاطلاق من أجل الحفاظ على رَونق وجمال مدننا وخصوصاً العاصمة بغداد . فجميع البلدان المتحضرة تهتمُ كثيرا باظهار مدنها بأفضل ما يكون عن طريق وضع تصاميم عمرانية معمارية للمباني الخاصة والعامة وللشوارع الكبيرة والصغيرة وحتى الأزقة الضيقة ، والبعض من الدول تذهبُ الى أكثر من ذلك باستخدام ألوان معينة تعطي نوعا من التناسق اللوني للوحدات المشيدة وفق منظور معماري فني مميز ، وايجاد مساحات خضراء ومسطحات مائية تتناغمُ فنيا مع تلك الألوان . ولكن الذي حصل بعد عام 2003 وما يزال مستمراً ليومنا هذا عدم وجود اهتمام جدّي بهذا الشأن وعدم وجود رقابة فعالة صارمة ضدّ عمليات البناء العشوائي ، ممّا أعطى الضوء الأخضر لكلّ من هبّ ودبّ للقيام بانشاء ما يحلو لهُ دون الالتزام بقوانين وأنظمة التشييد العمراني للبلد ، بلْ يتم التشييدُ حسب الاجتهادات الخاصة . ويبدو أن الجهات الرسمية المسؤولة عن هذا الجانب لا تملك القدرة والشجاعة لمواجهة المتجاوزين على الأنظمة والقوانين ، امّا نتيجة لضعفها أو نتيجة لفساد المراقبين الذي يمكن اسكاتهم وشراء رقابتهم وضمائرهم مقابل مبلغ من المال . والطامة الكبرى التي لا يمكن غض النظر عنها وصول هذه الظاهرة غير الحضارية الى أبعد الحدود عن طريق التجاوز على أرصفة الشوارع أو على بعض المساحات المتروكة وضمها الى الوحدات المشيدة . واذا بقي هذا الأمرُ هكذا فلن يبقى لعاصمتنا ولمدننا ملامح حضارية نستطيعُ أن نفتخر بها لاحقا . المسألة ليست شخصية أو تقعُ ضمن حريّة الفرد لتركها تنمو بهذا الاتجاه السيء . فحريّة الفرد مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمجتمع وبالبيئة وبالوطن ، والمصلحة العامة تفرض على الأفراد الا لتزام بأنظمة وقوانين الدولة . وأي شخص مهما كان حجمهُ لابدّ أن يخضع لهذا الأمر ، وخلاف ذلك فهو يتخندقُ مع أعداء البلد ، ويُعتبرُ منطقياً من المدمرين له . وثمة نقطة مهمة جداً على الجميع أن يعرفها ويفهمها بشكل واضح أن البناء العشوائي غير المرتبط بتخطيط المؤسسات ذات العلاقة يربكُ الكثير من القطاعات الأخرى كقطاع الطاقة الكهربائية وقطاع الماء ومجاري المياه الثقيلة . لأن هذه القطاعات ترسمُ خططها وتوظفُ قدراتها وفق عمليات احصائية نظامية لا عشوائية . وأيّ تصرف فردي غير مسؤول يخلقُ الكثير من الفجوات في عمليات التنظيم والتخطيط .