الاستثمار هو عِبارةٌ عن رأس مال يُستخدم لفائدة أولتَوفيرِ خَدَمات معينة، وقد يكون ذلك الاستِثمار ثابتاً كالأسهم والسّندات، أو متغيراً كملكيّة المُمتلكات وهناك أنواع من الاستثمارمنها المالي والزراعي والصناعي والتجاري والمؤسسي والشخصي وغيره وما يهمنا في هذه السطور هو الاستثمارالإنساني بين الوالدين الذي يبدأ من بداية الحمل وبتلك المشاعر التي تكبر وتكبر و تتدفق و تملأ دنياهم بالنور والضياء وكأنهما يحملان ذلك الاستثمار في بطنيهما معاً وينتظرانه بشغف ولهفة وما أن يولد فتزداد الفرحة حياتهما ويعمها الفرح والسرور مع ذلك الصراخ للاستثمار المرتجى, تكون الأم قد نسيت كل معاناتها في الحمل لتبدأ مع الأب مرحلة جديدة في حياتهما, نعم مرحلة مباشرة مع الاستثمار من حيث الغذاء الروحي والمادي والمشاعر الإنسانية النبيلة والتعاليم السماوية السمحاء والاعتناء به وتأديبه وتربيته تربية صالحة وتعليمه العادات الحسنة ليكون بشراً سويا باراً لوالديه ليجنيا ثمرة ذلك العمل الجبار, ومن الشروط التي وضعها الله تعالى لنجاح الاستثمار بقوله في كتابه المجيد ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23 ) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ( 24 ) [الإسراء].
وحتى تكون الكفة متعادلة وصالحة لابد للأبوين أن يعملا مع أبويهما مثلما عملا مع استثمارهما الجديد والعكس صحيح أي إن أحسنتم أحسنتم لإنفسكم وإن أسأتم فلها , وكما يقول رسولنا الكريم صلوات الله عليه وعلى آله ( بر الوالدين أفضل من الصلاة والصوم والحج والعمرة والجهاد في سبيل الله ) وقوله أيضاً ( من أصبح مرضياً لأبويه ، أصبح له بابان مفتوحان إلى الجنة )، ومانراه أو نسمعه هنا أو هناك أن فلانً قد رمى والده أو والدته على أرصفة الشوارع هي معادلة الاستثمار لا مناص منها العين بالعين والسن بالسن إلا مارحم ربي.
ومن ثمار الاستثمار دعاء الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) لأبويه ( عليهم السلام ) الموجود في الصحيفة السجادية مع أنه معصوم لكنه يعلمنا الاستثمار الصحيح, فلا يمكن مجازاتهما مهما عملنا وسعينا في خدمتهما, فالذي قدماه لنا لا يجازى بأي ثمن أو عمل, حيث قال فيه (( أين إذاً يا إلهي طول شغلهما بتربيتي ؟ وأين شدة تعبهما في حراستي ؟ وأين إقتارهما على أنفسهما للتوسعة عليّ هيهات ما يستوفيان مني حقهما ، ولا أدرك ما يجب عليَّ لهما ، ولا أنا بقاضٍ وظيفة خدمتهما… ), فالذرية الصالحة( الاستثمار) لاشك أنها ترفع الوالدين وتجعلهم في مراتب عالية في حياتهما وكذلك بعد مماتهما فالولد الصالح يكون عملاً طيباً متصلاً لوالديه لا ينقطع وذلك لأن أعمال المرء المسلم تنقطع بعد مماته إلا من ثلاث منها الولد الصالح فإنه عمل لأبويه لا ينقطع, وبهذا يتوجب على الوالدين تربية أبنائهم والاعتناء بهم و تعليمهم لأنه يعود عليهم بالخير في الحياة و بعد الممات فيكون استثمارهم باراً نافعاً فيه رضى الله تعالى.