ليس تجنيا على احد ،إن الرئيس الطالباني عاد الى بغداد لمواجهة معركة دستورية متأخرة مع غريمه نوري المالكي بعد نصيحة استمع اليها من السفير الامريكي في العراق ستيفن بيكروفت ، ليعود فخامته مهرولا الى مقر الرئاسة في القصر الجمهوري الذي ظل شاغرا لثمانية اشهر خلت إلا من فراشين يمسحون غبار تاريخ يغطي جنباته الواسعة ويذكرهم بعز عراق كان يهابه الجميع …
هذه العودة ربما ستكون المفتاح الجديد (لبغداد كل العراقيين ) وليس بغداد شخص واحد هو المالكي كما يقول البارزاني.. إنه بلاشك تغيير كبير في لهجة الخطاب السياسي الكردي المتحالف مع ائتلاف العراقية والتيار الصدري ولد اليوم من رحم معضلة سياسية كبرى تعصف بالعراق، وياتي ضمن توجه جديد لمواجهة خصم غير مسالم وعنيد تقف معه القوة المسلحة التي استحوذ عليها ويستخدم الدستور والصلاحيات الممنوحة له لتصفية خصومه الواحد تلو الاخر.
مالذي دفع الطالباني للعودة سريعا الى بغداد هل كانت فعلا ايعازا من السفير الامريكي كما تراءى للجميع ،ام انها المعركة الدستورية القادمة التي جرى التحضير لها في في كل من اربيل والسليمانية وربما واشنطن ، بعدما اقتنعت امريكا اخيرا بان المالكي يلعب على الحبلين الامريكي والايراني مرواغا هذا وذاك لكي يصل الى غايته في الولاية الثالثة ، لذلك يستمر من تحت جنح الظلام بمد حليفه الطائفي بشار الاسد بالسلاح .لاهداف باتت معروفة للجميع ..
التحضير لهذه المعركة بلاشك ، ستجري اول وقائعها داخل البرلمان ومجلسي الرئاسة وحتى المحكمة الدستورية وتحت وابل من قنابل الدخان السياسي وومضات كامرات الاعلام المرئي..وضربة البداية ان استطاعوا اليها سبيلا ستكون قطعا داخل قبة البرلمان حيث الكل يشحذ سكاكينه لتمزيق خصومهم من خلال حشد طائفي سياسي تعبوي واسع النطاق لتمرير ما أتفقوا عليه سابقا لازاحته واختلفوا عليه لاحقا واعني معركة سحب الثقة ..
الطالباني اليوم ادرك حتما خطأه حينما استجاب لضغوط ايرانية اوقفت عملية سحب الثقة عن المالكي بعملية، لامه عليها الجميع وبخاصة حليفه مسعود البارزاني ، وهو اليوم إن استوعب القضية بكامل ابعادها ،فعليه يجب ان تكون ضربة البداية في ملعب لا يقبل بعد اليوم حكما سياسيا فإما هو او انتم ..؟ فماذا فاعلون..؟ لهذا نراه من السليمانية ابتدأ برفع الاعلام تحضيرا لمعركة الرئاسات مطالبا التحالف الوطني الشيعي ،اما ان يغير المالكي بشخصية اخرى مقبولة من الجميع او ان يقومه وينهيه عن سلسلة الاخطاء التي ارتكبها بحق كل شعبه من الاعدامات والمحاكمات والى الاقصاءات للقوى الاخرى والشخصيات الوطنية عن طريقه، لكي ينفرد بالسلطة المطلقة في حكم العراق. ،
ازعجت هذه الخطوة المالكي كثيرا وهو الان داخل حصونه يستعد لها وهو اليوم وضع الطالباني في مرمى نيرانه وابتعد بعض الشئ عن استهداف البارزاني بحلول جانبية استخدم فيها رئيس البرلمان نفسه اسامة النجيفي !! ولا ندري كيف قبلها الاخير ولاي الاسباب ..؟ لكنها معركة اخيرة يبدوا انه يديرها بثبات لكي يتفرغ للعدو الاول الذي بات على مقربة منه ولايبعد عنه الى الا اقل من كيلومترين داخل المنطقة الخضراء ، يعرف الان مدى خطورته على بقائه …من خلال جرة قلم واحدة..؟
لهذا هو الان في وضع حرج لانه بدلا من مواجهة عدو يصفه بالمتنمر ويحشد له الدبابات في اربيل وكركوك وطوز خرماتو ، اصبح الان يواجه بعبعا في القصر الجمهوري اسمه الطالباني .. يعرف من اين تؤكل الكتف قانونيا واين المقتل في الجسد الخائر القوى سياسيا بعدما تخلى عنه اقرب المقربين اليه ..
الطالباني على ما عُِرفَ عنه محامِ وسياسي مراوغ ، يستطيع ان يسوق الحجة عندما يتطلب الموقف ذلك ولا يلتفت الى حليفه حينما يجد ان هناك مصلحة اكبر لديه تتطلب الرأي والمشورة وعدم الانجرار الى صراع الايدي المتشابكة ولانه كذلك ،وربما اكثردراية بما يجري في كواليس بغداد واروقة البرلمان ، يستطيع ان يقارع المالكي الحجة بالحجة بل يستطيع ان يقارعه بالضربات القاضية التي ستحصل بالتاكيد في حلبة صراع على الوجود والموجود ..
واقع الامر ان الرئيس وهو يتلقى ايعازا امريكيا بان المعركة الدبلوماسية والسياسية على حد سواء يجب ان تكون بين الفرقاء في بغداد وليس عن البعد من السليمانية واربيل هو من اوحى لهم كما اوحت السفير كلاسبي لصدام حسين انها قضية اشقاء بين الكويت والعراق فدخلها الرجل معتقدا انه الضوء الاخضر وكان ما كان..
اليوم نفس المشهد يتكرر ولكن بصورة مقلوبة فهل يفعلها الطالباني ولا ترتجف يداه ويقيل الوزارة او ُيفًعل حملة التواقيع ال164 الكافية لازاحة المالكي عن سدة الحكم ،واراحة العراقيين مما جثم على صدورهم من نظام لايتورع عن فعل كل المحذورات..
.. ولان الطالباني في احتلاله للقصر الجمهوري من جديد اصبح قريبا من كل الاليات الدستورية التي ستقدم له عونا في عملية التسقيط السياسي التي اصبح امرها غير قابل للتاجيل ، هو اليوم سيخوض معركة دستورية ضارية وليست معركة شخصية بينه ورئيس الوزراء نوري المالكي كما هي مع البارزاني ،
وبخاصة ان الرئيس محاط بلواء مستقل من الحرس الجمهوري غالبيته من البيشمركة الكردية العاملة ضمن وزارة الدفاع العراقية اسميا ، فليس من السهل قيادة انقلاب ضده كما فعلها مع الهاشمي وازاحه من مكانه وجرده من فوج كان في حمايته , انها اليوم معركة كسر عظم ،
وتحت هوس المنصب الشرفي ( الحامي للدستور ) عليه ان يعمل كل ما في وسعه ان لا ينجر الى معركة يخسرها امام سلطة القائد العام لكي ينزع فعلا وليس طيشا كل اسلحته الدستورية واحدة بعد الاخرى ..