18 نوفمبر، 2024 12:50 ص
Search
Close this search box.

الحرب بالنيابة عن الولايات المتحدة ، أحياء مشروع اسقاط الشيوعية في القضاء على الاسلاميين

الحرب بالنيابة عن الولايات المتحدة ، أحياء مشروع اسقاط الشيوعية في القضاء على الاسلاميين

دأبت غرف خلق الازمات الاميركية ومراكزها البحثية ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية على تقديم المشاريع الاستراتيجية التي تعمل على اضعاف قوة الاتحاد السوفيتي وتفكيكه ومن ثم اسقاط الكتلة الاوروبية الشرقية الشيوعية ، وشهد هذا الدور نشاطا كبيرا خلال الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة.
 
ثم بدأت معالم هذا المشروع الاميركي في القضاء على الشيوعية التي كانت تعرف بالعدواللدود لاميركا والغرب الرأسمالي حين قام رئيس الاتحاد السوفيتي ميخائيل غورباتشوف عام 1986 باعلان مشروعه الذي عرف حينها بإعادة البناء (البيريسترويكا) الذي مهد الطريق الى انهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الاوروبية الشرقية الشيوعية ومن ثم ادى الى تجميد الحرب الباردة.

وآتت البريسترويكا ثمارها في 26 كانون الاول1991بعد توقيع بوريس يلتسن على اتفاقية حل اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية.
واعتبر الشيوعيين والورس عموما الرئيس غورباتشوف مهدم الاتحاد السوفياتي لدرجة اتهامه بالتآمر والخيانة العضمى بعد ان وقع العديد من الاتفاقيات التي ادت الى انهاء الحرب الباردة بين الشرق والغرب في لقاء مالطا 1989 التي منح على اثرها جائزة نوبل للسلام عام 1990.

وبهذا تمكنت اميركا من اسقاط محور الشيوعية في عقر دارها وبايدي ابناءها وسرعان ما امتدت حمى المظاهرات والاحتجاجات المطالبة باسقاط النظام الشيوعي الى اوروبا الشرقية ذات الانظمة الشيوعية في صحوة مفاجئة ادت الى تغييرات راديكالية تسببت في ظهور نزاعات وحروب اهلية اسهمت جميعها في اضعاف وتفكيك دول كانت ذات ثقل سياسي واقتصادي حيوي تتحكم في مستويات وموازين القوة العالمية لاسيما خلال الحرب الباردة.

ان مشروع اسقاط وتفكيك الانظمة الشيوعية وبايدي شعوبها وبالنيابة عن الولايات المتحدة ، يعود اليوم بصياغة جديدة وهو مشروع اسقاط الانظمة الليبرالية المتهالكة في البلدان العربية التي تنشط فيها التيارات الاسلامية المتطرفة لاسيما الموالية لاميركا والغرب في خطة محكمة للقضاء على العدو الجديد للولايات المتحدة والغرب وهو الاسلام المتطرف الذي عجزت قواتها واسلحتها واجهزتها الاستخبارية المتطورة من القضاء عليه او تقويض انتشاره في ساحات الحرب ، لذلك عمدت غرف خلق الازمات والمراكز البحثية المعتمدة لدى البيت الابيض الى احياء مشروع اسقاط الشيوعية في مواجهة المد الاسلامي المتطرف من خلال منحه فرص الصعود الى السلطة ثم السقوط السريع الى الهاوية.
ان المستهدف من هذه المتغييرات المتعاقبة والمدروسة والمنظمة او مايعرف ” بالربيع العربي” هم الاسلاميون المتطرفون حيث تم فسح المجال لهم لتولي مقاليد السلطة او التحكم بها في كل الدول التي شهدت اسقاط الانظمة بها مثل تونس وليبيا ومصر او الاخرى المرشحة لنفس الدور.

والمشروع الاميركي الذي وفر وسيوفر في بلدان اخرى مرشحة الى صعود الاسلاميين المتطرفين للسلطة او التحكم بها ، يحمل محورين اساسيين الاول يتمحور في تمكينهم من السيطرة على مقاليد السلطة ببلدان تعاني من مشاكل وتركات مستديمة وشائكة لاسيما الاقتصادية والتي لاتقوى على معالجتها الجماعات المتشددة التي لاتمتلك اساسا خبرة في ادارة الدولة او برامج واضحة ومحددة في انهاء تلك المشاكل المعقدة، وبدأت ملامح ظهور تلك المشاكل في مصر باعتبارها نموذجاً للاسلام المتطرف في المنطقة حيث يتولى الاخوان المسلمين ومن خلفهم السلفيين مقاليد الحكم بعد استياء واضح للشعب المصري من حكم الاسلامين المتشددين الذي ادى الى خروج التظاهرات المضادة لهم والتي رافقتها اعمال عنف دموية بعد فترة لاتتجاوز السنة على توليهم السلطة . كما تنفست الصعداء وتعالت الاصوات التي تترحم على عهد النظام العلماني.

اما المحور الثاني (مرحلة تحقيق الهدف) فانه يركز على اجهاض حكم الاسلاميين ومن خلال احداث الاضطرابات وتأجيج الاحتجاجات وستصل ذروتها عند فتح صناديق الاقتراع بعد مرحلة يتخللها نشاط ملحوظ لمنظمات مجتمع مدني وبعض الاحزاب والحركات السياسية العمانية  التي ستعمل بشكل غير مباشر على اسقاط الاسلاميين وتقويض حركتهم وانهاء ادوارهم الرئيسية في ادارة او التحكم بالدولة وبهذا ستضمن اميركا انتقال ادارة الحرب ضد الاسلاميين المتشددين من اسطولها الحربي الى الشعوب العربية التي ستتولى مهمة القضاء على تلك الجماعات بالنيابة عنها كما فعلتها الشعوب في الاتحاد السوفيتي واوروبا الشرقية التي احرقت العلم الشيوعي واسقطت تمثال لينين والانظمة الشيوعية ، بالنيابة عن الاساطيل الاميركية التي كانت منتشرة لمواجهة الاساطيل السوفيتية لاسيما النووية اثناء الحرب الباردة.

بهذا ستتغيير المعادلة حيث سيخسر الاسلاميين شعبيتهم وقسما كبيرا من اتباعهم لاسيما غير المستفيدين او المنتفعين من السلطة سواءً في مصر او غيرها وستتوسع دائرة الكره والاستياء الشعبي من الاسلاميين الذين فتحت الابواب لدخولهم معترك ” السياسة “.

المشروع الاميركي استثنى اليمن من هذه المتغيرات نظرا لوجود جماعات اسلامية متطرفة لاتؤمن بالسلطة ولها خلافات مع الامراء السعوديين كون معظمهم من اصول سعودية معارضة لعائلة آل سعود ، لذلك تم احداث تغييرات شكلية تعهدت بالقضاء على تلك الجماعات وحراك “الحوثيين الشيعة” ، والحال ايضا له استثناء وخصوصية في سوريا حيث تم حصر المعارضة للنظام بالجماعات السُنية المتطرفة التي تحمل عداء تأريخي لايران على خفية مذهبية بالوقت نفسه سمحت اميركا لاكبر عدد ممكن من الاسلاميين الجهاديين من دخول طاحونة الموت في سوريا كما فعلتها بالعراق بعد سقوط النظام السابق حين فتحت الحدود عبر سوريا لنفس تلك الجماعات لتلقي حتفها هناك ، وفي حال فشل هذا الحراك الدموي او نجاحه في سوريا سيتم تكراره بشكل مؤكد في الاردن الكويت اللذين يؤديان نفس الدور السوري “جغرافياً” في خنق التحالف الايراني السوري وحزب الله اللبناني. والهدف هو لقطع خط الوصل بين هذا التحالف الثلاثي الذي يحمل شعار المقاومة ضد اسرائيل مع تقويض حركة الشيعة بالعراق بعد ان فشلت في تغيير المعادلة الانتخابية الاولى من اسقاط او اضعاف الدور الشيعي في تولي وادارة السلطة  فيه.

مشروع صعود الاسلاميين سيقوض دور الجماعات المتشددة او المتطرفة وفقدان قدرتها على كسب الشباب نتيجة فشلها وسوء ادارتها المؤكد للسلطة حيث ستسقط رموز تلك الجماعات وشعاراتها بصورة سريعة غير متوقعة قياسا بمدد تولي السلطة في النظم الديمقراطية ، وبهذا ستهيأ المشروع الاميركي الطريق مجدداً لتولي الانظمة العلمانية للسلطة وبوجوه جديدة ترسم للمنطقة العربية والاقليمية خارطة تؤمن بناء علاقات مباشرة مع اسرائيل وتوسع من السيطرة الاميركية على موارد المنطقة بأسرها . وتأتي هذه المرحلة بعد ان تقوم ذات المنظمات والجماعات السرية التي اسهمت باسقاط الانظمة السابقة بأحياء التيارات السياسية العلمانية وتحشيد الدعم الشعبي لها  بعد تجارب دموية مريرة دفعت وستدفع ثمنها الشعوب العربية وستسهم في اضعافها وتفككها بشكل اكبر بحيث لاتقوى تلك الشعوب من النهوض مجددا وستبقى اسيرة الحلم في البحث المستديم عن المتغيرات الناجحة المستحيلة في العيش الكريم والرغيد.
[email protected]

أحدث المقالات