إنتهى مؤتمر الدول المانحة ، حملت حكومتنا الرشيدة طاسة التسوّل والإستجداء والتوسّل إلى الكويت ، وهي تنبش أزبال الدول المانحة ، كانت حصيلة هذا المؤتمر فتات لا تسمن من ضعف ولا تغني من جوع ، رغم أن العراق مُطالَب أصلا بتسديد مديونية مستحَقة تزيد على 138مليار دولار ! ، فتات معها كم كبير من السُباب والشتائم ، ولسان حال المانحين يقول (لستم أهل ثقة ، أنتم لصوص وفاسدون) ، وإلا كيف يكون لون الشتائم ؟!.
والسؤال المطروح هو ، لماذا الكويت بالذات ؟ الكويت التي لا تزال تعتمل بها عُقد التشفي والإنتقام منذ غزوها عام 1990 ، اللهم إلا لتمرير الصفقات المريبة التي تحدث في الظلام وتحت العباءات السوداء ، ولا بد أن تكون ثمة شروط لحسم للملفات العالقة مع الكويت ، لصالح الكويت طبعا وعلى حساب البلد الذي لم يعد به متسع يُفرّط به من قبل ساسته الغرباء .
حكومتنا التي إختزلت كل أمراض وصراعات كوكب الأرض ، وكدّستها في وادي الرافدين ، جعلت بلدنا أمثولة لكل ما هو سيء وكارثي ، ونموذجا يفر منه كل الخلق ، والعدو قبل الصديق ، بلدنا صار مثل لوحة تحذيرية ، وعبرة لكل امم الارض كي لا تحذو حذو سياسييه .
تعاني أمم الأرض من أمراض عدة ، لكن ليس كخطورة أمراضنا ، من أراد لها نموذجا بشعا ، فليتوجه إلى وادي الرافدين ، فهو مختصر لكل هذه الامراض ، كالأزمات المالية ، والمديونيات الهائلة والجفاف والقحط والفساد والفشل السياسي وأزمات الطاقة والبطالة والفقر والتلوث البيئي والأوبئة والتخلف والتفريط بالسيادة والخيانة بكل انواعها والوساخة بكل فئاتها ، هكذا جعلت الحكومة ثقتنا تتزعزع برجل الأمن ، والطبيب والموظف وعامل محطة البنزين وبائع الخضر ومحصل خدمات الماء والكهرباء والقاضي والوزير حتى أعلى الهرم ، فلنا مبرراتنا الواضحة كالشمس في ذلك !.
ما شاء الله ، صارت لدينا عشرات الجامعات الأهلية ، ففي بغداد وحدها ما يزيد على الستين جامعة ! ، بحيث يتفوق على عدد مثيلاتها في أكثر الدول تطورا ، وننتظر حصيلة النهضة العلمية والتكنولوجية النارية التي إنهالت علينا فجأة ، وتصورنا إننا سنغزوا الفضاء وسنتسلح بتكنولوجيا تناطح اليابان وروسيا وأمريكا والصين ، إذا بها تقودنا إلى المزيد من التخلف والتخبط والعجز والبطالة ، لكن إذا عُرف السبب بَطُلَ العَجَب ، إذا علمنا إنها مؤسسات ربحية بحتة تفتقر للرصانة والضوابط والأمانة العلمية ، مراكز لتفريخ الأموال وليس العقول ، إنها مؤسسات تربو بها الأموال على نحو فلكي ، تصب في جيوب أحزاب وأشخاص أيضا ، إستثمار نخبوي يُعمّق الفوارق بين الغني والفقير ، فنرى هذه الجامعات التي لا يهم مدى الإعتراف الرسمي بها ، تشتري الأراضي المجاورة والعقارات لتتوسع كالسرطان ، بناء يجاور بناء ، كرفان يلاصق كرفان ، توسيع يعقبه توسيع ، بناء يتكالب عل أشده ، لضمان تدفق شلال الأموال في جيوب هؤلاء ، دون أن تكون للبنية التحتية الأساسية المتهالكة أي نصيب منها ، وفي الوقت الذي نشهد فيه فيه توقف جميع مشاريع الإسكان ، لأن الهدف هو المواطن ، وليس الجيوب !.
ما شاء الله ، لدينا عشرات المولات الفخمة في بغداد وحدها ، نعم هي مشاريع إستثمارية ، لكن ليس للدولة ، إنما لأشخاص وأحزاب أيضا ، في الوقت الذي نرى فيه الأسواق المركزية خاوية وقد تحولت إلى خرائب ، فالإستثمار في نظر الدولة الأحول والمريض هو حلب المواطن ، وتكبيله بالضرائب والخصخصة ، الإستثمار هو أن يكون المواطن في نظر الدولة رهينة ومجرد رقم إحصائي تستجدي به أمام المحافل الدولية والمالية ، يذكرني بمنظر المتسولات من النساء وهُنّ يحملن أطفالهن المُستأجَرين في الشوارع بعد تخديرهم ، وهم بلا حول ولا قوة .
عار عليك يا حكومة ، مارستِ أكبر سرقات التاريخ ، فجفّ الضرع من فرط الحلب ، دون أن تداري هذا الضرع ولو بجرعة ماء ! ، فحتى دجلة من فرط خجله إحتجب ، أحلتِ البلد إلى أنقاض ودخان ، فبعتِ بقاياه أرضا وشعبا وثروات بالتقسيط البخس وأحلتِه إلى صالة مهترئة للقمار، يرتادها المرابون والمقامرون واللصوص الكبار ، رهنتِ مستقبله وصادرتِ حاضره وماضيه ، لقد فقدنا مقومات الدولة منذ العام 1990 ولا نزال ، فتوالت حكوماتنا منذ العام 2003 ، لكنها بدلا من أن تستعيد مقومات الدولة المسلوبة ، جائت بمقومات جديدة ، إنها مقومات الإنقراض والفناء التام لبلد ، كان إسمه العراق !.