هل قال عابس الشاكري حب الحسين أجنني؟
قبل أن نخوض في موضوع المقال لنتعرف على عابس بن أبي شبيب الشاكري وهو أحد أبطال واقعة الطف وقد ورد في حقه وقومه الكثير من المدح، وأول ما يبرز أسمه فيما يتعلق بواقعة الطف جوابه الجميل لمسلم بن عقيل عليه السلام حينما قرأ عليهم كتاب الإمام الحسين عليه السلام كما ورد في تاريخ الطبري ج4 ص264 “ثم أقبل مسلم حتى دخل الكوفة فنزل دار المختار بن أبي عبيد وهى التي تدعى اليوم دار مسلم بن المسيب وأقبلت الشيعة تختلف إليه فلما اجتمعت إليه جماعة منهم قرأ عليهم كتاب الحسين فأخذوا يبكون فقام عابس بن أبي شبيب الشاكري فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإني لا أخبرك عن الناس ولا أعلم ما في أنفسهم وما أغرك منهم ؟ والله أحدثك عما أنا موطّن نفسي عليه والله لأجيبنكم إذا دعوتم ولأقاتلن معكم عدوكم ولأضربن بسيفي دونكم حتى ألقى الله لا أريد بذلك إلا ما عند الله” وقد صدق.
وموقف آخر له حيث إنه كان الرسول الذي حمل رسالة مسلم بن عقيل عليه السلام الأولى إلى الإمام الحسين عليه السلام . وعندما أوصل الرسالة التحق بالركب الحسيني وحضر واقعة الطف وتحدثت كتب التاريخ والمقاتل عن مبارزته وكيفية مصرعه بالصورة التالية نقلاً عن مقتل أبي مخنف ص153 : “وجاء عابس بن ابي شبيب الشاكري ومعه شوذب مولى شاكر ، فقال يا شوذب ما في نفسك ان تصنع ؟ قال : ما اصنع أقاتل معك دون ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله حتى أقتل ، قال : ذلك الظن بك أما الآن فتقدم بين يدي أبي عبدالله حتى يحتسبك كما احتسب غيرك من اصحابه ، وحتى احتسبك أنا ، فإنه لو كان معي الساعة أحد أولى به مني بك لسرني أن يتقدم بين يدي حتى أحتسبه ، فإن هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب الاجر فيه بكل ما قدرنا عليه ، فإنه لا عمل بعد اليوم وإنما هو الحساب . قال فتقدم فسلم على الحسين ، ثم مضى فقاتل حتى قتل .قال : ثم قال عابس بن ابي شبيب : يا أبا عبدالله أما والله ما أمسى على ظهر الارض قريب ولا بعيد أعز على ولا أحب إليّ منك ، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم والقتل بشيء أعز على من نفسي ودمي لفعلته ، السلام عليك يا أبا عبدالله اشهد الله إني على هديك وهدى ابيك ، ثم مشى بالسيف مصلتاً نحوهم وبه ضربة على جبينه .
قال أبو مخنف – حدثني نمير بن وعلة عن رجل من بني عبد من همدان يقال له ربيع بن تميم شهد ذلك اليوم قال : لما رأيته مقبلاً عرفته وقد شاهدته في المغازي وكان أشجع الناس ، فقلت : أيها الناس هذا أسد الاسود ، هذا ابن أبي شبيب لا يخرجن إليه أحد منكم ، فأخذ ينادي ألا رجل لرجل . فقال عمر بن سعد : أرضخوه بالحجارة ، قال : فرُمى بالحجارة من كل جانب ، فلما رأى ذلك ألقى درعه ومغفره ، ثم شد على الناس فو الله لرأيته يكرد اكثر من مئتين من الناس ، ثم إنهم تعطفوا عليه من كل جانب فقتل . قال : فرأيت رأسه في ايدي رجال ذوي عدة هذا يقول : أنا قتلته ، وهذا يقول : أنا قتلته، فاتوا عمر بن سعد فقال : لا تختصموا هذا لم يقتله سنان واحد ففرق بينهم بهذا القول “.
فأين قال عابس الشاكري: حب الحسين أجنني؟؟
لم ترد له هذه العبارة في أي كتاب تاريخي تناول واقعة الطف!! ولم ترد في المقاتل!! بل حتى كتاب روضة الشهداء المعروف بإضافاته لم ترد فيه هذه العبارة!!
ربما استغل البعض العبارة المنقولة عن حاله بعد إحجام الناس عن مقاتلته خوفاً منه ورميهم إياه بالحجارة حيث تنقل المصادر كما نقلنا سابقاً إنه ” فرُمى بالحجارة من كل جانب ، فلما رأى ذلك القى درعه ومغفره ” فقام بتأليف قصة “حب الحسين أجنني” للتشويق وإثارة المشاعر أو أراد تفسير فعل عابس اجتهاداً فقال ذلك. ولكن من الواضح إن عابس صاحب التاريخ والمواقف المشهودة فعل ذلك غضباً من القوم وفعلهم الدنيء معه ولعله بذلك ألقى الرعب في قلوبهم أكثر!! ولم يفعل ذلك جنوناً!!
إن نسبة الجنون إلى حب الحسين عليه السلام فيه تجاوز كبير لأن حب الحسين عليه السلام فعل العقلاء لا فعل المجانين والجنون إنما هي صفة سلبية يلصقها بنا أعداء أهل البيت عليهم السلام زوراً وبهتاناً فكيف نلصقها بأنفسنا؟؟
واستخدام البعض لهذه العبارة كثيراً كإحدى الحجج في الحوار مع من ينتقد بعض الممارسات التي تُنسب إلى الشعائر أو ينتقد أعمال بعض القائمين والمشاركين في بعض الشعائر واخطائهم لأجل التصحيح هو ما دعاني إلى الكتابة عنها.
ولا حاجة للقول إن الجنون صفة سلبية لأن هذا من الواضحات، ولكني أحببت أن أورد الرواية التالية في هذا السياق: “فعن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال : مر رسول الله صلى الله عليه وآله على جماعة فقال : على ما اجتمعتم ؟ قالوا : يا رسول الله هذا مجنون يصرع ، فاجتمعنا عليه ، فقال : ليس هذا بمجنون ولكنه المبتلى ، ثم قال : ألا أخبركم بالمجنون حق المجنون ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : إن المجنون حق المجنون المتبختر في مشيته ، الناظر في عطفيه ، المحرك جنبيه بمنكبيه ، يتمنى على الله جنته وهو يعصيه ، الذي لا يؤمن شره ، ولا يرجى خيره ، فذلك المجنون ، وهذا المبتلى”.
أعلم إن الموضوع سيثير حفيظة البعض وسأسمع بسببه الكثير من الشتائم ممن يتعاملون مع نهضة الإمام الحسين عليه السلام كما يشتهون وهم يظنون إنهم يحسنون صنعاً ،ولكن لا بد من الكلام. ولهؤلاء وأمثالهم أقول إن نهضة الإمام الحسين عليه السلام نهضة إصلاحية “إنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي” والمفروض بنا أن نقرأها ونتفاعل معها كما أراد الإمام الحسين وأهل البيت عليهم السلام لا كما تشتهي أمزجتنا وأذواقنا ورغباتنا، وأي اضافةً ولو بنية حسنة إلى تاريخ وتفاصيل هذه النهضة ستكون لها نتائج سلبية نعم هناك الكثير من الجوانب لم تصلنا واضحة وهناك الكثير من التفاصيل لم تصلنا أصلاً ولكن مع هذا ينبغي أن نحلل ونقرأ ونناقش بأسلوب ينسجم مع هذه النهضة العظيمة وأهدافها.
الخلاصة إن حب الحسين عليه السلام دعوة للتعقل لا للجنون.